1 اصطباحة عم فاروق هي أبدع ما يمكن أن تبدأ به نهارك. في حوالي الثامنة يكون قد أوشك على تسليم أو استلام الوردية مع زميله، فعم فاروق يقوم على حراسة محل لعب الأطفال. لا أدري إن كان في وجوده رادع كاف للصوص، بجسده الهزيل وساقه نصف العرجاء، لكن ربنا ساترها. الجمعة يوم خاص. من مشاهده إفطار عم فاروق وما يلتف من حوله من قطط صغيرة، تعرضت أكيد لتغيرات جينية، جعلتها تقبل على فتافيت العيش و الطعمية، بديلا عن الرضاعة. من مشاهده كذلك الحمام الأسبوعي لعلي (ست سنوات)، حفيد فاطمة البوابة، والطفل المدلل للعمارة. أنت لا تراه، لكن سكان الأدوار السفلية، قد يسعدهم الحظ، فيصل إلى أسماعهم تغريد علي، قبل أن تبدأ فقرة البحث عن فردة شبشب علي. " إستناني يا عم فاروق يا ...(شتيمة) أنا جاي معاك". بعدها يسرعان إلى صلاة الجمعة، يدا بيد. عم فاروق يعرج و علي يحجل بفردة الشبشب وجلابية صغيرة بيضاء لدقائق. في المشهد كذلك كومة من الجرائد. إدمان مشترك بيني و بين عم فاروق، الذي يقضي سحابة نهاره في قراءة كل يمكن قراءته، مع تفضيلات خاصة، كانت السبب في التواطوء بيننا. حتى أتى صباح ذلك اليوم. وبعد تبادل الأحاديث المعتادة، أجاب عم فاروق عن سؤالي بحدة غير معتادة: .......؟ " ابراهيم عيسى مشي. أنا بطلت اشتريه".
2 لأسابيع طويلة، فكرت في ما يمكن لقاريء الدستور أن يقوله لكتابها. هل أكتب عن بلطجة رأس المال ؟ هل أخاطب سعد أم الطليعة الوفدية أم عبدالله النديم؟ هل أدعوكم إلى تشكيل جمعية قراء الدستور؟ هل أكتب عن صنم جديد اسمه حقوق المالك و" تغيير النشاط" والفارق بين الصحيفة و مقلة التسالي؟ هل أكتب عن العودة السالمة إلى عصر الأقنان على يد رموز الليبرالية المصرية ؟ هل أحكى لكم عن عمودي المفضل في صحيفة ليبراسيون الفرنسية، و ما نشره كاتبي المفضل بيير مارسيل غداة شراء البارون دي روتشيلد لحصة من أسهم الصحيفة ؟ هل أقول بصراحة يعاقب عليها القانون، ما أراه عن أشباه الأشياء التي تمت الاستعانة بها لزوم إصدار الشيء ؟ هل استهبل و أتساءل : لما لا نشهد تضامنا أوسع من باقي الصحف والمنابر "المستقلة" ؟ كأن تلتزم مثلا بمقاطعة أى تغطية إعلامية لأخبار حزب الوفد ورئيسه ؟ هل أحكي عن قطعان المعارضة الأليفة المنشغلة في خوض الانتخابات، أم عن تغطية الاحتجاجات العمالية القادمة على أرصفة مجلس الشعب القادم، وفعاليات السادس من ابريل من العام 2011 ؟ 3 لا أعرف إلى أين سينتهى بنا زمن ادوارد، لا تعنيني تفاصيل بيع الدستور بالأمر المباشر أو بالجدك، أو تسليم مفتاح، ولا يعنيني التعذير بجهل الدكتور البدوي بقواعد اللعبة، و إن كان لا يدري فالمصيبة أعظم. يعنيني و يؤرقني السؤال حول ما سوف نقضي فيه ساعات الليل و النهار، عم فاروق و أنا، بعد أن استحفل الداء و استوطن، و أوشك أن ينال مما تبقى من صحف كنا نشتريها و نقرأها (و ننشر فيها أحيانا ما يعن لنا من أفكار) لأسباب بعينها، بخلاف تنظيف الزجاج، فاغتيال الدستور سرعان ما أتى بثماره، و"خاف السايب". أعرف فقط أن هذه السطور لن يقرؤها عم فاروق، لكني أهديها لصحفيي الدستور، العلبة الفاضية طلعت مليانة عفاريت، لعلها تعطيهم سببا إضافيا للفخر و التمسك بما يدافعون عنه، نيابة عنا.