في مقاله اليومي بجريدة «الشروق» كتب أ. فهمي هويدي عما تقوم به الهند من تمسك بقيمها الحضارية وتقاليدها الثقافية وتراثها ودعوة زوارها وجموع السائحين الذين يذهبون إليها إلي أن يحترموا هذه التقاليد كجزء من احترام شعبها.. ذكرني المقال بما حدث عندما زرت الهند في 2010، وكيف علي بوابة مبني البرلمان طلبوا تسليم أجهزة المحمول، وفهمت أن هذه الأجهزة ممنوعة من دخول القاعة الضخمة التي تدور فيها مناقشات النواب ليتفرغوا لأداء مهماتهم المقدسة، والتفرغ تماماً للقضايا التي تناقش والتي تحسم بتصويت حر ودقيق للنواب.. رأيت نموذجاً للأداء والتمثيل النيابي في المجالس التي تأتي بها انتخابات حقيقية، وكيف يستمد النائب قوته من الشعب الذي انتخبه.. قبل دخول قاعة المجلس وبتهذيب شديد تم لفت نظر الزوار إلي أنه في بيت الشعب ممنوع وضع الساق فوق الساق أو تبادل أي حوار جانبي، ولا الهمسات لعدم التشويش علي المناقشات الدائرة.. في أعلي القاعة وفي المكان المخصص للزوار جلست أطل علي القاعة الضخمة شبه المستديرة التي يجلس فيها النواب. يتصدر القاعة رئيسة البرلمان.. سيدة رائعة في وقارها وعمرها المتوسط والساري الهندي الأنيق والدائرة الحمراء تتوج جبينها كما تفعل كثير من النساء في الهند.. كنت أظن أنها علامة للزوجية.. فهمت أنها من التقاليد الهندية مثل الساري أما علامة الزواج فهي وضع لون في مفرق الشعور الليلية الناعمة، خلطة متوازنة بين جهود التحديث والتطوير والتنمية ومغالبة الفقر وبين الحفاظ علي التقاليد والمكونات الثقافية الأصيلة للهند، اختلط عليَّ الأمر، هل أنا في بيت من بيوت العبادة أم في قاعة مجلس نيابي من فرط الاحترام والإنصات والمشاركة بخشوع في كل ما يدور؟!، عرفت أن الجلسات تمتد أحياناً من الصباح حتي ساعات متأخرة من الليل، نفس الجدية والاهتمام تُعطي لأصغر وأكبر الموضوعات، بالتعددية اللغوية تدور المناقشات وتحتدم وتصخب دون تجاوز وبأدب الخلاف، كل هذه الجدية كانت لمناقشة تدوير المخلفات ومدي توفر شروط الأمان في الصناعات التي تقوم عليها، والسؤال الأساسي: كيفية الحفاظ علي صحة أبناء الهند.. وصحة المصريين كانت الموضوع الرئيسي في مناقشات لمجلس الشعب دارت قبل أن أغادر القاهرة بأيام.. سجلت صحيفة الأهرام 19/4 في جلسة منها صورة وزير الصحة وبعض النواب يتسلون بقزقزة اللب، بينما انهمك بعض النواب في عرض تدهور الخدمات الصحية وانتشار الأمراض الخبيثة وضعف التأمين الصحي وضعف ميزانياته وعجزها عن توفير ما يحتاجه مرضي السرطان والفشل الكلوي والكبدي، وأن نسب هذه الأمراض تتجاوز 20% من المصريين، أثق في أن هذه النسب غير صحيحة لغياب الإحصاءات العلمية الدقيقة.. في أحدث أرقام أعلنها مؤتمر دولي 10/5/2010 أن سرطان الكبد يقتل 640 ألف مصري سنوياً.. أما في المناقشة التي دارت في أبريل الماضي فقد وجه النواب الاتهام للحكومة بإبادة الثروة البشرية وفساد مياه الشرب بزيادة نسب الأمونيا وانتشار الديدان واختلاطها بمياه الصرف الصحي والصناعي، ووصول الفساد إلي غذاء المصريين، وأن حجم الإنفاق الذاتي علي العلاج 27 مليار جنيه، وأشار النواب إلي اعتراف وزير الصحة في مكتبة الإسكندرية بتفشي الفساد في وزارة الصحة ورشوة العاملين وفساد التعاقدات، لم تكن قد انفجرت بعد فضيحة وجريمة سرقة وزراء يقزقزون اللب، كما يقزقزون المسئولية، وسرقة مسئولين كبار وسرقة نواب لأموال العلاج علي نفقة الدولة وحرمان الملايين التي تتساقط بهذه الأمراض الخطيرة منها، ولم يكن قد تكشفت بعد محنة تهديد سلامة عيون وزير المالية والملايين التي أنفقها والسيدة مرافقته علي نفقة المصريين ومن جيوبهم في رحلات العلاج والتسوق والتسلي في لندن، لا يعني هذا أن وزير المالية كان غائباً عما يحدث في مجلس الشعب، فقد كان في غاية الانشغال للانتصار في الألعاب التي يلعبها أثناء جلوسه في المجلس علي شاشة جهازه المحمول. قالوا إنه كان يلعب لعبة اسمها «سوليتير»، والحقيقة أنهم كلهم يلعبون لعبة اسمها إهانة والاستهانة بوطن، وكلهم يؤكدون انتهاء صلاحيتهم التي لم تتوفر أصلاً.. وضرورة التغيير.