المذيع بالنسبة لي يصنف تحت فئتين.فئة المذيع المحترم، وفئة الناس التانيين.المحترم مذيع مبدع عنده موقف وله احترامه. قادر علي الحوار مع كل الناس دون أن تشعر بميوله واتجاهاته أثناء الحوار، ودون أن تتهمه بالتحيز والتعنت ضد ضيفه مهما يكن هذا الضيف. يصل لقلوب الناس لأنه صادق، ولا يخترق البيوت لمجرد أن والده أو والدته أو أي شخص في عائلته له صلات ومناصب في نفس المحطة أو القناة. المذيع المحترم قادر علي الاستمرار ويحافظ علي نجاحه ولا يخجل من بداياته. مثقف ثقافة حقيقية، ولذلك تجده متألقا في حواراته مع المثقفين وليس مع الراقصات أو الفنانات النصف لبة.لهذا أحب المذيع اللبناني المتميز زاهي وهبي. زاهي نموذج محترم للإعلامي متعدد المواهب، فهو مقدم البرنامج الشهير خليك بالبيت علي قناة LBC اللبنانية التي تمتلكها عائلة الحريري، وهو واحد من البرامج الأنجح في تاريخ لبنان لدرجة أنه مستمر منذ أربعة عشر عاماً حاور خلالها زاهي أكثر من 600 شخصية في كل المجالات. استطاع زاهي وهبي أن يجعل من برنامجه اسماً علي مسمي فهو يخليك بالبيت وأنت تتابعه أسبوعياً وتتابع طلته الساحرة وحواره الممتع، لكن الأكثر سحراً وإمتاعاً هو أن تعرف أن زاهي وهبي هو واحد من عائلة كبيرة قدمت للبنان أول شهداء الحرب الأهلية في السبعينيات.زاهي وهبي الذي يفتخر حتي الآن بنشأته الفقيرة والبائسة اعتقل في صيف 1982 وسجن في معتقل عتليت داخل فلسطينالمحتلة، ثم في معتقل أنصار في جنوب لبنان حيث بقي في الأسر لمدة سنة، ثم تكرر اعتقاله ثانية في مدينة بنت جبيل في العام 1985 ولكن هذه المرة لأيام معدودة خضع خلالها للتحقيق والتعذيب علي أيدي العملاء اللحديين آنذاك، وإثر ذلك غادر الجنوب إلي بيروت.سبب الاعتقال هو انضمام زاهي لإحدي المجموعات والفصائل المناهضة والمقاومة والمقاتلة - وياللشرف - للاحتلال الإسرائيلي للبنان. نحن أمام مذيع دفع ضريبة فقر ثم ضريبة عمل وطني في موقف استثنائي لم يختبئ فيه ولم يقرر أنه لا يزال في مقتبل العمر وأمه محتاجة. ثم جاء دور الكفاح ليرحل زاهي إلي بيروت ويعمل في إحدي الصحف ويدخل مجال الإعلام من بوابة الصحافة.كان سكنه في بيروت علي المقاهي المختلفة، وكان ينام في أماكن عمله في المكاتب الإدارية أو الاستديوهات فيما بعد، وهكذا حتي اكتشفنا في زاهي وهبي مثقفاً جميلاً قدم نفسه كذلك كشاعر في بداية التسعينيات.بعدها ظل زاهي يكبر ويتألق حتي انضم لقناة المستقبل اللبنانية المملوكة لعائلة الحريري ليقدم برنامجه الأشهر خليك بالبيت، وهو البرنامج الوحيد الذي أذيع في موعده في الحرب اللبنانية الأخيرة تموز 2006 لمحبة الناس له وانتظارهم لطلة زاهي. طبعاً حين تقرأ كلاماً كهذا لابد أن تعجب بهذا النموذج من الإعلاميين المحترمين، وتظن فيه الغرور طبقاً لما حققه حيث يمتلك ما يستحق من أجله أن يكون مغروراً، لكن زاهي ليس كذلك علي الإطلاق لا في طلته علي الشاشة، ولا في حياته الشخصية، ورغماً عنك ستجد نفسك تقارنه بإعلاميينا المحترمين أيضاً لكنهم قطعاً في فئة الناس التانيين. يعني مثلاً كيف وصل تامر أمين مذيع قناة النيل للأخبار الشاب (سابقاً) إلي تقديم برنامج مثل البيت بيتك والذي أصبح اسمه مصر النهاردة لو لم يكن اسمه تامر أمين بسيوني رغم أن هناك من هو أكفأ وأقدر منه لكنها الحظوظ الجينية واللحظة التاريخية الفارقة التي تجعل تامر أمين المذيع الإخباري ومقدم نشرة الأخبار يقدم برنامجاً، كان يقدم في بدايته كبرنامج توك شو منوعات ترفيهي، وتحول مع مرور الوقت للسان الحكومة والنظام المصري وآلته للإعلام في اتجاه واحد فقط من خلال شخص مثل تامر أمين يدرك - كما يقول في أحد حواراته - أن الناس تسترخمه وتراه مغروراً ومع ذلك هو مستمر بنفس أسلوبه ويراها ثقة في النفس.تامر أمين يعترف أيضاً بالواسطة ودورها في دخوله لمجال الإعلام لأن والده هو الإعلامي الكبير سناً ومقاماً أمين بسيوني ولا مانع عند تامر في ذلك لأنه يري أن الاستمرار هو المعيار، ولذلك فتامر مستمر رغماً عنا، وعلي الرغم من أن البعض قد يري في مقارنته بزاهي وهبي مقارنة غير منصفة بالمرة إلا أنني أراها في موضعها تماماً طالما تامر يثق في نفسه لهذه الدرجة علي الأقل ليري كيف يتمرمط المذيع المحترم حتي يصبح محبوباً ولا يكون بوقاً لأحد مهما يكن، وإذا كان اسم برنامج زاهي وهبي خليك بالبيت فهي نصيحة غالية أتمني أن يتقبلها تامر بصدر رحب. بالمناسبة.. تستطيع أن تقول إن زاهي وهبي خريج مدرسة الحياة، بينما تامر يصر علي أنه خريج ألسن فيما يظن الجميع أنه خريج معهد أمناء الشرطة.