اقتصاد نفسي التزييف والاحراج ومحاولة تبطيط الشخص الذي تحاوره هو اللعبة المفضلة عند من يقدمون برامج حوارية تليفزيونية في ايامنا هذه فنحن وفي التليفزيون المصري علي وجه التحديد ننسي اسسا واضحة في الحوار التليفزيوني وهو احترام الشخص - اي شخص - وجعل الموضوع الذي تتم مناقشته هو الاهم فالمشاهد لم يعد يرغب في رؤية فستان المذيعة او بدلة المذيع ولكن المشاهد يرغب في معرفة عمق دراسة المذيع للموضوع الذي يناقشه مع الشخص. وكلنا نري المذيعات المصريات وهن يتحولن بقدرة قادر الي مجرد شعر مصبوغ وقناع وجه ملون بالاصباغ اما ما في داخل جمجمة المذيعة فلن تجد شيئا وكأن فيران تقديس النفس قد اكلت من المذيعة مخها فتحولت بفعل فاعل - هو الغرق في الاعجاب بالنفس - الي دمية ملونة. وطبعا لا يصح تطبيق الحكم السابق علي كل مذيعات الاجيال السابقة واللاحقة لان تاريخ التليفزيون يضم وجوها كانت عقولها تمتلئ بثقافة رفيعة. واستطاعت درية شرف الدين من البداية ان تضع لنفسها مستوي من العمل الاعلامي المتميز وقد زاملتني لسنوات لنقدم معا برنامجا اذاعيا هو تحت العشرين وظللنا قرابة خمس سنوات ونحن نقدمه معا وحين انتقلت للعمل التليفزيوني اسست منهجا يخصها وحدها حيث قدمت الثقافة السينمائية عبر البرنامج الرائع نادي السينما والذي كان منذ ظهوره هو فاكهة الاحترام الحقيقية التي يقبل عليها من يعشقون فن السينما ومازال البرنامج يحتفظ بكثير من عطره الثقافي علي الرغم من ازدحام القنوات الفضائية بالافلام وفوجئت ببرنامجها الجديد المسمي "سؤال" وكان الحوار مع الفنان فاروق حسني حيث دار الحوار علي درجة من الصدق والوعي بحجم ما نحتاجه من تطوير في العمل الثقافي كمنهج في المجتمع وفي نفس الوقت ما قدمه فاروق حسني صانع الثقافة من مشاريع تدق باب رفعة مصر بما تملكه من كنوز ثقافية رفيعة. كان البرنامج سلسا وواضحا ومتناولا لكل المشكلات دون حرج وبتوضيح شديد واحترام اشد للمتفرج وتلك سمة درية شرف الدين في اسئلتها وتلك ايضا سمة فاروق حسني حين يناقشه من هو قادر علي استيعاب الموضوع الذي يتحدث فيه. فور انتهاء البرنامج طلبت درية شرف الدين علي ما قدمته من حوار ليس فيه تعال علي المشاهد وفيه رحابة الوضوح وهي رحابة نفتقدها في كثير من البرامج التليفزيونية وفوق كل ذلك كان ديكور البرنامج وفواصله يمكنها منافسة قدرات القنوات التي تصرف الافا مؤلفة وهو ماسألت عنه درية شرف الدين فقالت لي انه ديكور مصنوع بأبسط التكاليف ودون مغالاة وفي ورش التليفزيون المصري. شكرا لفريق الاعداد بقيادة محمد الشبه هذا الحساس الذي يلم اطراف اي موضوع وشكرا لدرية شرف الدين علي قيمة احترام المشاهد والتمتع بميزة من يجرون الحوارات فيتحدثون اكثر مما يتحدث الضيف. اقول ذلك بمنطق من يشاهد التليفزيون من اجل ان يعرف لا من اجل ان تدهسه عبارات التعالي وعدم الوضوح وعدم قدرة الضيف علي ان يصل بأفكاره لان المذيع او المذيعة يبدو وكأنه اقسم بالطلاق قبل بدء التصوير ان يتحدث هو وحده وليس مهما ما سوف يقوله الضيف. شكرا درية شرف الدين.