أقدمت صحيفة الأهرام العريقة علي فعلة رآها العالم شنعاء تتعلق بتزوير صورة جمعت الرئيس مبارك مع أوباما ونتنياهو وعبد الله وعباس بواشنطن، عندما استخدمت تقنية الفوتو شوب فجعلت الرئيس المصري يتقدم الآخرين وذلك علي العكس من الصورة الأصلية!. لم تكتف الأهرام بعملية الفبركة المفضوحة لكن رئيس تحريرها أعلن أن ما ظنه الناس في جميع أنحاء العالم تزويراً باعثاً علي الازدراء ما هو إلا محاولة "تعبيرية" من جانب الأهرام لإسعاد القارئ، وأن هذا القارئ لو دقق في الصورة لعرف أنها صورة تعبيرية ليس أكثر!. ولكن المؤسف أن الصحف العالمية ووكالات الأنباء لم تفهم موضوع الصور التعبيرية هذا ومازالت حتي هذه اللحظة تتندر علي الصحيفة التي كانت أهم صحف مصر والعالم العربي. الغريب أن الفنان عبدالسلام النابلسي عندما قام بدور المصور الصحفي في أحد الأفلام كان ينتج لقطات توتالة طليعية ومتجاوزة لكنها رغم ذلك لم تكن تعبيرية مثل صورة الأهرام!. والأكثر إدهاشاً أنه في حُمي الفضيحة الصحفية التي أحرجت الرئيس مبارك من حيث قصدت أن تحييه قامت نفس الصحيفة التي تعتمد المنهج التعبيري بعمل تحقيق صحفي يحمل كل ما في الفن الصحفي من تعبيرية حول مسلسل «أهل كايرو» وهو بالمناسبة أجمل ما عرض في رمضان من مسلسلات. قامت الصحيفة باستطلاع رأي عدد من النقاد حول المسلسل فأجمعوا علي أنه عمل فاشل وقاموا بالتنديد بالمسلسل وصانعيه.. وبعد ذلك يكشف لنا بلال فضل مؤلف المسلسل أن أحداً من هؤلاء النقاد لم يدلِ برأيه في الموضوع حيث إن أيًّا منهم لم يشاهد المسلسل وبالتالي لم يصرح للأهرام بشيء!!.. ومرة أخري نجد أنفسنا في مواجهة المدرسة التعبيرية في أوضح صورها. ويبدو أن صفيحة التعبيرية التي غرفت منها الأهرام قد فرغت أثناء الدهان فعرج كاتب التحقيق علي المدرسة التكعيبية ونال منها نصيباً ثم اتجه إلي الانطباعية والتفكيكية والبنيوية ثم الكوموندورفية.. والمدرسة الأخيرة منسوبة لعباس الكوموندورف وهو رائد في مجاله وله حكاية تستحق أن تروي: كان عباس الكوموندورف أشهر متحرش في الترام عرفته مصر، وكان يختلف عن غيره من المتحرشين ووحوش المواصلات في أنه كان صاحب أسلوب، ولم يكن يحتك بضحاياه بدون منهج، لكنه كان شريف الغاية نبيل المقصد وتعبيريًّا جداً، بمعني أنه كان يصعد إلي الترام وفي باله أن ينفض أعضاءه ويدفع عنها الخمول والكسل ولا يقصد التحرش أبداً، لكن الغريب أن الناس لم تتجاوب مع مدرسته فكان ينزل من الترام كل يوم متورم الوجه والصدغ والقفا، لكنه أبداً لم يفقد الأمل في أن الناس ستفهمه ذات يوم وستدرك خطأها في حقه. وأنا أثق في أن الناس الذين هزأوا بما فعله الأهرام سواء في الصورة التعبيرية أو في التحقيق الصحفي التعبيري سيفهمون بعد حين أنه كان يجب الحفاظ علي أسامة سرايا وعلي عباس كوموندورف باعتبارهما رمزين للفن الحديث. ولو كان مازال لدي القارئ شك في ماهية المدرسة التعبيرية التي يسيء فهمها العامة فإنها نفس المدرسة التي دفعت أحدهم عند زيارته للطبيب ومعه زوجته لأن ينتظر خارج غرفة الكشف، فلما استبطأ خروجها فتح عليهما الغرفة فوجد الطبيب يواقعها، فما كان منه إلا أن صاح: حقاً إن الذي لا يفهم في الطب التعبيري قد يظن هذا (...)!.