يا للخزي.. يا للخجل.. يا للكسوف.. يا للكوميديا.. تلك هي الأربع «يا للات» التي سوف تتبادر إلي ذهنك أثناء مشاهدة الأستاذ «أسامة سرايا» رئيس تحرير الأهرام ( في تقرير ببرنامج العاشرة مساءاً) وهو يشرح ويبرر المغزي الصحفي والفني العميق وراء نشر صورة رؤساء قمة السلام الأخيرة بعد اللعب فيها وتقديم الرئيس مبارك علي جميع الرؤساء الآخرين.. الكوميدي أن كل هذا الخزي والخجل والكسوف ليسوا بسبب نشر الصورة علي مثل ذلك النحو الملعوب فيه وإن كان هذا في حد ذاته يعد سبباً وجيهاً للخجل ولكنهم بسبب تبريره الذي ياريته ما كان بَرَّرُه وبسبب شرحه الذي كان حيبقي أحسن بكتير لو لم يشرحه.. إذن.. نحن هنا أمام فضيحة صحفية أراد المسئول عنها أن يبررها.. فأصبح تبريره في حد ذاته فضيحة أخري أكبر وأتم وأعم وأشمل.. فأن يجلس رئيس تحرير جريدة «الأهرام» الأستاذ «أسامة سرايا» ثم يفتح فمه ويبدأ في عملية إخراج الكلمات منه لتكتشف أنه لا يعلم شيئاً عن تفاصيل الصحافة أو فن الإخراج الفني للصفحة فتلك مصيبة بكافة المقاييس.. مع العلم أن تلك التفاصيل قد يعلمها القارئ العادي مع الوقت ومع الاعتياد علي قراءة الجرائد.. قراءتها.. وليس رئاسة تحرير إحدي مؤسساتها الضخمة والعريقة مثل «الأهرام».. فقد فرد سيادته الجريدة أمام الكاميرا مستعرضاً الصورة الفضيحة.. وبدأ في تعريفنا بالمغزي العميق لعملية اللعب في الصورة.. مبرراً ذلك اللعب بأنه لعب تعبيري.. وأسهب في شرح نظريته التعبيرية موضحاً أن الصورة تجئ مع تحقيق خاص عن عملية السلام تحت عنوان مكتوب بخط اليد..«الطريق إلي شرم الشيخ».. وبناءاً عليه.. قرر سيادته صرف مكافأة للذي لعب في الصورة ونقل الرئيس مبارك من مؤخرتها إلي مقدمتها لتصبح الصورة بعون الله صورة تعبيرية.. طبعاً واضح تماماً أن سيادته لا يعلم شيئاً عن مفهوم الصورة التعبيرية.. الصورة التعبيرية هي الصورة التي لا تحتوي علي صور الأشخاص الحقيقيين للموضوع.. بمعني.. تحقيق عن الحب في الجامعة.. تصبح صورة لولد وبنت في كافتيريا الجامعة مثلاً صورة تعبيرية عن الموضوع.. تحقيق عن انتشار جرائم القتل.. تصبح صورة لرجل يمسك سكيناً ويتحفز لفعل شيئاً ما صورة تعبيرية عن الموضوع.. وفي بعض الموضوعات الأخري.. يصبح تركيب وجه السيد «أحمد عز» علي جسد «سوبر مان» مثلاً صورة تعبيرية للتعبير عن النفوذ والقوة.. وإذا أراد سيادته صورة تعبيرية عن موضوع «الطريق إلي شرم الشيخ».. كان ينبغي عليه وضع صور الرؤساء «ديكوبيه» بالترتيب الذي يراه.. وساعتها لم يكن أحد ليستطيع أن يلومه.. و(هذا طبعاً في حالة ما إذا كان الأستاذ «أسامة سرايا» يعرف أساساً يعني إيه «ديكوبيه»).. لهذا.. أي عيل صغير تحت التمرين في الأهرام يعلم جيداً أن تلك الصورة بالشكل المنشورة به لا يطلق عليها لفظ «تعبيرية».. وإنما هي صورة «مضروبة».. والصور التعبيرية حاجة تانية خالص.. ولو كان قد سكت عند هذا الحد لكان مقدار الشعور بالخجل سوف يكون أقل.. ولكنه قرر أن يستمر في التبرير وفي تكبير الفضيحة أكثر وأكثر.. حيث أشار سيادته إلي عنوان التحقيق المكتوب بخط الخطاط الشهير «المغربي».. ثم أشار إلي إمضاء الخطاط تحت العنوان المكتوب.. ثم قال.. «أهو.. ودي إمضة اللي مصمم الصورة.. المغربي».. طبعاً واضح تماماً أن سيادته ماعندوش فكرة عن أن ذلك هو إمضاء الخطاط.. وليس إمضاء مصمم الصورة.. وأن مصمم الصورة الجرافيك لا يمضي تحتها في الصحافة.. وأن الرسامين فقط هم الذين يمضون تحت رسومهم.. معقول..؟! رئيس تحرير الأهرام لا يعرف يعني إيه صورة تعبيرية؟! وما عندوش فكرة عن أن الخطاطين يمضون تحت خطوطهم.. بينما لا يفعل ذلك مصممي الجرافيك؟! إلي هذا الحد وصلت الأهرام؟! أعلم جيداً أن هناك معاييراً محددة لاختيار رؤساء تحرير الجرائد القومية.. يأتي علي رأسها.. أن يكون «مش شاطر» علي المستوي المهني.. و«مطيع» علي المستوي الوظيفي.. وينتمي إلي جمعية محبي الفنان العظيم «حسن البارودي» في فيلم «الزوجة الثانية» علي المستوي الاجتماعي.. ولكن أن يكون ما عندوش فكرة عن تفاصيل الشُغلانة البديهية والبسيطة والأولية.. فتلك هي الكارثة.. وهذا هو المخزي والمخجل والكوميدي والمأساوي في الوقت نفسه! في ظل التغيير الذي حدث في مصر في العشر سنوات الأخيرة علي جميع الأصعدة.. كنت أخشي أن يجئ اليوم الذي نتحسر فيه علي أيام «إبراهيم نافع» و«سمير رجب» و«كمال الشاذلي».. ولكن.. أهو جاء هذا اليوم الذي كنا نخشاه.. لنعرف قيمة هؤلاء الذين كنا بنتبطر عليهم.. حتي ضرب الله لنا المثل لنتعلم.. وأعطانا العبرة لنتعظ.. وجاء لنا برئيس تحرير للأهرام بقامة الأستاذ أسامة.. سرايا! هناك أشخاصاً لا يثيرون الغضب بقدر ما يثيرون الرثاء من فرط القمصان الواسعة التي يرتدونها والأكبر بكثير من الأحجام الحقيقية لقياساتهم.. والأستاذ «أسامة سرايا».. أحد هؤلاء!