كتبت عن مشروع محافظ القاهرة الذي أجهضه فساد قسم الموسكي، ثم كتبت شكراً للمحافظ علي اهتمامه وإعادته للانضباط إلي سور الأزبكية، ولكنني لم أضع في حسباني عاملاً مهماً في الفوضي التي يشهدها سور الأزبكية وهو أن «جمال لوبيا» الذي يقف وراء كل ذلك سره باتع وأن المحافظ نفسه لا يستطيع أن يتصدي له، فهو من جهة «يؤبج» أعضاء القسم الذين فاحت رائحتهم من شارع عبد العزيز إلي شارع الأزهر وأخيراً سبوبة سور الأزبكية. ويبدو أن مأمور القسم ضعيف أو لا يهتم بالفوضي التي تنتشر في منطقته. ومن جهة ثانية فهو زوج بوحة ابنة عنتر السوس وعائلة السوس هذه تتصور أنها امتلكت منطقة العتبة، ومن هذا المنطلق فإن «لوبيا» يؤجر المكان لحسابه بالاشتراك بالطبع مع بعض الفاسدين في قسم الموسكي، والكارثة أن هناك من يفرض إتاوات علي من يريد أن يدخل حديقة الأزبكية وأن هذه الحديقة تتحول في الليل إلي مكان لممارسة المتعة بالإيجار لمن يدفع. ويبدو أن المحافظة تصرف أموال الشعب في التطوير والتجميل لكي تتحول الأماكن المطورة إلي أملاك خاصة لبعض ضباط الأقسام بالاشتراك مع بعض البلطجية وهو الأمر الذي يتطلب التدخل الحاسم من جهات عليا لإعادة الهيبة للدولة ذاتها. ومن هنا فإنني أطلب من اللواء إسماعيل الشاعر أن يحقق بنفسه فيما يحدث في أقسام الموسكي والأزبكية وبولاق و عابدين ولو تطلب الأمر أن يبحث في ثروات أمناء الشرطة والضباط العاملين في هذه الأقسام لأن بعض هؤلاء من أجل مصالحهم الخاصة نسجوا علاقات مع مافيات منظمة تتولي تأجير شوارع وسط البلد لمن يدفع، وبالتالي أسقطوا هبية الدولة. أصبح الإيجار بالمتر وهناك تسعيرة علنية علي النحو الذي أشارت إليه جريدة «الوفد» في عددها الأسبوعي الصادر بتاريخ 2 سبتمبر، وعلي الرغم من ذلك لم يتحرك أحد. وكأن المسئولين في الداخلية والمحافظة إما أنهم ارتضوا بالفوضي القائمة أو أنهم مشاركون في فساد كبير تديره عصابات منظمة. وأصبحت الميادين والشوارع مقسمة علي بعض البلطجية يؤجرون الأماكن لشباب العاطلين الذين توحشوا لأنهم مسنودون من «الأمن». وهؤلاء أصبحوا قنبلة موقوتة، يمكن أن يبدأوا ثورة الزعران وقد رأينا خميرة هذا الأمر في الأيام الأخيرة من شهر رمضان عندما اعتصم مئات منهم أمام قسم الموسكي. لقد عاد سور الأزبكية إلي سيرته الأولي أي إلي الفوضي، ولا يستطيع أحد أن يدخل إليه، لأن الباعة يسدون الطرق إليه، وقد استولي البلطجية علي المساحات الموجودة داخلة كممرات ووضعوا فيها بضاعتهم، وعادت فاترينة السندوتشات إلي موقعها، الأمر الوحيد الذي تغير هو أن بائع الشاي والقهوة تنازل مشكورا عن الكشك المخصص لحي الموسكي لكن «ريسه» خصص له مكاناً آخر بداخل حديقة الأزبكية، ولا أدري إن كان لوبيا وزوجية ملوك المنطقة قد زادوا من الإتاوات التي يحصلون عليها من الباعة باعتبار أن المخاطرة أصبحت أعلي أم أنهم مازالوا رحماء عليهم ومازالوا يتقاضون الإتاوة نفسها. أدرك أن محافظ القاهرة الدكتور عبد العظيم وزير يريد أن يفعل شيئا علي صعيد إعادة الانضباط إلي الشوارع، ولكنه لكي ينفذ ذلك عليه أن يطهر أروقة المحافظة وأقسام البوليس من الفساد أولاً، وهو الأمر الذي لا يقدر عليه لأنه رجل قانون ويخشي أن يتم الطعن علي قراراته، وهذا الفساد يتطلب أن يتم التعامل معه بقرارات استثنائية، فهل يعلم المحافظ أنه في إحدي جولاته في مدينة نصر أصدر قرارا بإغلاق فرع لسلسلة متاجر كبري لأنه يعوق المرور ولكن المسئولين في حي مدينة نصر فتحوا الفرع بعد مغادرة المحافظ للحي بست ساعات، لأنهم يبدو أنهم قبضوا المعلوم، وهل يعرف أن الحديقة الكائنة في وسط شارع البطراوي في مدينة نصر قد تحولت إلي أكشاك لبيع شرائط الكاسيت وأنها تسبب إزعاجاً لسكان الشارع، لكن المسئولين في الحي قرروا أن يحرموا السكان من متنفس أخضر في الشارع الذي يسكنون فيه. وأنا أكتب هذا الكلام وأنا من سكان محافظة الجيزة حتي لايتهمني أحد بأنني أسعي لأغراض شخصية. وهل يعرف المحافظ أن شارعي عبد الخالق ثروت وطلعت حرب يستولي عليهما الباعة ليلا بعد أن تم استيلاؤهم علي الأرصفة ويتحول الشارعان إلي مكان لبيع البضاعة مجهولة المنشأ، وأن ذلك يتم تحت نظر وبمساعدة شرطة المرافق؟ وهل يعلم المحافظ أن القاهرة بها ما يقرب من 50 «لوبيا»، يستولون علي الشوارع والميادين، ويفرضون الحماية علي الزعران من البروليتاريا الرثة، وهؤلاء يتمتعون بحماية تامة من أقسام الشرطة، وأنهم كل فترة يسلمون بعض أكباش الفداء للشرطة حتي تسدد المحاضر، ويحولون بعض أعوانهم إلي مرشدين للشرطة، ويجمعون الأنفار لهم أحيانا لأسباب سياسة، سواء لمعاونة مرشحي الحزب الوطني في الانتخابات أو لإحداث خناقة مع المعارضة، ويبدو أن السادة المسئولين عن هذه الأقسام لا يدركون أنهم يربون بعبعا يمكن أن يتحول لمواجهة الدولة ولإشاعة الفوضي في يوم من الأيام، وهو الأمر الذي حدث في بعض دول أمريكا الجنوبية، خاصة أن هؤلاء تديرهم في الوقت الراهن عصابات منظمة لكنهم يمكن أن يخرجوا عن سيطرتها كما حدث في رمضان الماضي. ويبدو أن نبوءة خالد يوسف في فيلم «دكان شحاته» أصبحت قريبة التحقق. والذي لا يعلمه السادة المسئولون عن أقسام الشرطة المعروفة باسم أقسام الخليج نظراً للثروات التي يحققها من يعمل بها فترة قصيرة من الوقت، أنهم بعملهم هذا ورعايتهم لهذه العصابات، يفتحون أبواب جهنم أمام بلد المفترض أنهم يرعون أمنه. فهذه العصابات انتشرت في أمريكا الجنوبية وفي سبعينيات القرن الماضي، وعندما شعر أصحاب المتاجر التي أضيرت من انتشارها لجأوا إلي توظيف عصابات مسلحة للتصدي لها، وكان هذا التصدي يتم عبر الاغتيالات في الشوارع، وأصحاب المتاجر في مصر حالياً لا يدرون ما يفعلون أمام هذا الخطر الداهم، ويمكن أن يتفتق ذهنهم عن سيناريو مشابه. مثل الاستعانة ببلطجية من أجل التصدي لبلطجة الباعة الذين احتلوا الأرصفة. وهناك من يري أن قوي الأمن لأسباب متعددة لا تستطيع التصدي لهؤلاء الباعة ولا لرؤساء العصابات المسيطرة علي الشوارع، ولكن هناك تجربة في الإسعاف تؤكد أن الأمن يستطيع إن أراد، حيث منع الأمن وقوف الباعة علي الرصيف المواجه لمعهد الموسيقي من أجل حماية مصالح أحد تجار قطع غيار السيارات، الذي يبدو أنه دفع لهم مبلغا أكبر من الذي يدفعه الباعة الآخرون فرادي. ومن المؤسف أن محافظة القاهرة وهي تبحث مشكلة المرور في وسط العاصمة وتبحث عن حلول لها، وتفكر في منع مرور السيارات نهائيا في شوارع وسط القاهرة، لم تدرك أن أحد أسباب المشكلة هو أن الباعة احتلوا الرصيف وجزءاً من الشارع ولم يجد المارة سوي جزء صغير من الشارع للسير فيه، وبالتالي لابد وان تتعطل حركة سير السيارات في هذه الشوارع وبالتالي فإن إعادة الرصيف إلي المارة يمكن أن يسهم جزئياً في حل أزمة المرور في وسط العاصمة، ولكن هذا أمر صعب ولا يقدر عليه المحافظ لأن لوبيا وأمثاله أقوي منه وسيطرتهم علي الأقسام أشد من سيطرة قيادات الداخلية عليها!.