الآن أدركت كم أن إرهاب التسعينيات من القرن العشرين كان إرهاباً نظيفاً، وأعتبره رغم كوني قبطياً من أفضل نماذج الإرهاب الذي نعاني وسنظل نعاني منه كثيراً في مصر، وقد أمارس بعض الجنون وأطالب بعودته مرة أخري بدلاً من الإرهاب المتوفر والمتاح حالياً، فإذا لم يكن من الإرهاب بد فقد يكون من حقي أن أريده إرهاباً واضحاً معلناً عن نفسه، وأن يكون الإرهابي هو ذلك الإرهابي الواضح والمتسق جداً مع نفسه، الذي يقول لك بوضوح إنه إرهابي، أريد ذلك الإرهابي الذي تستطيع أن تواجهه أو تتحاشاه، تصطدم معه أو تهرب منه، أما ما يحدث الآن من إرهاب للأقباط علي يد إرهابي مستتر تظهره التحقيقات كمعتوه أو مسجل خطر فهذا ما لا أرضاه ولا أحبه، كما أستنكر بشدة أن يتخلي الإرهابي عن شكله التقليدي النموذجي الذي كنا نراه به في فترة التسعينيات، متمثلاً في جلباب أبيض قصير ولحية ورشاش في يده، كم أفتقد هذا الإرهابي الرائع، فالتعامل مع عدو واضح أفضل بكثير من أن تجد نفسك تواجه إرهابياً مختلفاً في كل مرة، وللأسف لن تعرف مسبقاً أنه هو الإرهابي القادم، فهو الآن يأخذ صورة الرجل العادي الذي قد يكون أي أحد تراه، فقد يكون جارك وأنت لا تعلم، أو قد يكون هو ذلك الرجل الجالس بجوارك في القطار، أو البقال الذي تتعامل معه ولا تعلم نيته، قد يكون ذلك الشخص الذي تراه هنا وهناك، وهذا هو أسوأ ما في الأمر، فلم يعد متاحاً لك أن تدرك أنه قادم فتتجنبه، الوضوح يريح الجميع وأنا أعشق الوضوح حتي في مثل هذه الأمور، لذلك أطلب العودة للإرهاب المتخصص الذي يمارسه الإرهابي المتخصص لا الرجل العادي، فالإرهابي المتخصص كان واضحاً وتعرف أسبابه أما الآن فنحن نسأل: لماذا يقتلوننا؟ الإرهابي المتخصص تعرف مكانه وشكله، أما الآن فلا نعرف من أين وممن ستأتي الضربة القادمة، الإرهابي المتخصص كان محدود الأثر، لأنه محدود المكان، أما الآن فالأمور من سيئ إلي أسوأ والضربات عشوائية وأكثر انتشاراً ويصعب تحديد وجهتها القادمة، الإرهابي المتخصص كان يعادي الدولة والأقباط معاً، فكنا نضمن تدخل الدولة إن لم يكن لصالح الأقباط فعلي الأقل لصالحها هي نفسها، أما الآن فهو إرهاب يخص الأقباط وحدهم وعليهم وحدهم مواجهته، الإرهابي المتخصص كان من السهل جداً الحصول عليه بعد إتمام جريمته ومعاقبته وفي أحيان أوفر حظاً قبلها، أما الآن فكيف ستجد المتهم وقد عاد لتوه ليختبئ مرة أخري خلف الوجوه المحيطة التي أتي أصلاً من بينها، الإرهابي القديم في عصره الذهبي كانت هناك دائماً جهة تظهر فيما بعد لتعلن مسئوليتها عن الحادث، أما الآن فالمقبوض عليهم خليط متساوٍ من الجناة والضحايا، والمتهم دائماً لا أحد. لماذا يكرهوننا؟ سأظل أسأل ولا جواب، لماذا يقتلوننا؟ ويمضي الأمر بلا عقاب، لماذا أعاني في وطني هذا التخوف وهذا التوجس وهذا الاغتراب؟ ولماذا رغم هذا مازلت أعشق في وطني كل ما فيه حتي التراب؟ لماذا يجب عليَّ أن أؤكد كل حين أنني لا أملك وطناً بديلاً ولا عمراً بديلاً ولا أنوي الرحيل هرباً؟ كما لا أرغب حقاً في أن أظل هكذا قلقاً، ولا أرغب في أن تكون عقيدتي هي ذاتها تهمتي، كم أحسدك عزيزي المسلم لأنك لا تشعر مثلما أشعر من قلق وإحباط، وربما لا تعرف أن القلق والترقب من المشاعر التي أصبحت تحتل جزءاً لا بأس به من كياني، كم أحسدك لأنك آمن في مسجدك ولا تخشي مني أن أعكر صفو مزاجك يوم عيدك، فلن يدخل أحد المختلين عقلياً خلفك ليطعنك وأنت تصلي، ولن تخرج بعد صلاة العيد لتجدني أمامك برشاشات تحصد المصلين بدلاً من تهنئتهم بعيدهم، أما عني فلا أعرف لماذا أصبحت أخشي جاري وأتوجس خيفة من أناس لا أعرفهم ولا يعرفونني، لماذا أشعر أن القادم أسوأ وغداً أكثر رعباً؟ أملك ألف سؤال وألف «لماذا» تتنطط كالقرود في ذهني، عزيزي الإرهابي القديم . . أفتقدك.