أبي عام2010 يلفظ انفاسه الأخيرة, قبل ان يضع بصمة سوداء علي بداية خلفه عام2011, سجلها بالدماء ذلك الإرهاب الأسود, الذي اطل برأسه مع الدقائق الأولي من العام الجديد ليحصد ارواحا ابرياء, ويصيب اخرين, مشكلتهم جميعا انهم مصريون يدين البعض منهم بالمسيحية. والبعض الآخر بالإسلام, خرجوا معا ليشتركوا في استقبال عام جديد, كانوا يتمنون ان يكون عاما سعيدا يجمع بينهم من أجل مستقبل افضل للجميع. ان ماحدث بالأمس القريب في الإسكندرية, هو بالقطع حدث فريد من نوعه علي ارض مصر, فللمرة الأولي يقوم شخص انتحاري بتفجير نفسه علي مقربة من احد التجمعات, وهي ايضا المرة الأولي التي يسقط فيها هذا الكم من الضحايا والمصابين من المسيحيين المصريين. ماحدث قد حدث, وحملنا ضحايانا حيث مثواهم الأخيرة, ومصابينا إلي حيث يعالجون متمنين لهم الشفاء العاجل, لكن علينا الآن ان نحكم لغة العقل البعيدة عن لغة الانفعال حتي نستطيع ان نحمي الوطن من اعداء الوطن, فما حدث بالأمس, سبق وان اشار إلي خطورته الرئيس مبارك حينما دعا في عام86 إلي عقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب, ولم نأخذ دعوته بمحمل الجد في حينها, إلي أن جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 ليشعر العالم بحق أن الإرهاب الدولي يتمدد كالاخطبوط وينشر ازرعه الشيطانية في كل مكان في العالم, ونصبت الولاياتالمتحدة نفسها الحامية الأولي للعالم من الإرهاب, وبدأت تضرب هنا وهناك, فجاءت النتيجة عكسية, ونجح الإرهاب في تنفيذ العديد من مخططاته في بعض الدول الأوروبية والافريقية والعربية مستغلا المناخ المعد له بواسطة الولاياتالمتحدة في العراق, وانتقل ما يعرف بتنظيم القاعدة من افغانستان وباكستان, ليجول يصنع إرهابا يوميا علي أرض الرافدين, ويهدد من فوقها كل من لا يخضع لتهديداته, وكانت مصر بصفة عامة, ومسيحيوها بصفة خاصة, علي رأس تهديدات هذا التنظيم, بعد ان بدأ يتجه نحو مسيحيي الشرق, بداية من أول نوفمبر الماضي حينما أسقط العشرات من الضحايا داخل كنيسة سيدة النجاة ببغداد, ليعلن بعدها ان الهدف المقبل هو اقباط مصر في الداخل والخارج. علينا ان نعيد قراءة المشهد المأساوي الذي حدث بالأمس القريب بعناية, بعيدا عن التشنجات التي يمكن ان تحدث, وفي نفس الوقت دون استخدام لغة التقليل من حجم اي تهديد قد يصدر من هنا أو هناك. بداية جميعنا قلل من حجم هذا التهديد الذي صدر عن القاعدة, وعلي الرغم من اهتمام وزارة الداخلية بتشديد الحراسة علي الكنائس, فقد نجحت القاعدة في تنفيذ تهديدها, بأسلوب جديد كما سبق وأشرت, ولو عدنا بالذاكرة إلي تسعينيات القرن الماضي, وحتي منتصف ليلة الجمعة الماضية, نجد ان مثل هذه العمليات الإرهابية المعقدة لم تقع في مصر من قبل, حيث اقتصر الإرهاب المحلي علي عمليات اغتيال أو إطلاق أعيرة نارية علي بعض افراد الشرطة أو المواطنين أو السائحين, إلي جانب عبوات متفجرة بسيطة وبدائية كانت تلقي علي بعض الأهداف, أو عن طريق انتحاريين يفجرون انفسهم كما حدث في العمليات الإرهابية التي ضربت سيناء في الفترة ما بين اعوام2003 وحتي عام2005, اما ماحدث في الاسكندرية فهو نوع جديد من العمليات الإرهابية, يتوافق مع ما قام ويقوم به تنظيم القاعدة في العراق وبعض البلدان الأخري مثل السعودية ومؤخرا تركيا وغيرها, وسواء اكانت العملية قد تمت باستخدام سيارة مفخخة وتفجيرها عن بعد أو من خلال شخص انتحاري, ففي كلا الحالتين ما يؤكد ان هذا التنظيم مازال قائما, وان له خلايا نائمة قد تكون داخل بلادنا, ولايمكن التكهن في هذه اللحظة اذا كان ماحدث في الاسكندرية, هو جريمة منفردة, ام انها بداية لعملية مماثلة قد تتكرر في انحاء متفرقة من الوطن, لكن في ضوء التهديد الذي صدر من تنظيم القاعدة في العراق قبل نحو شهرين باستهداف الكنائس في مصر, فإن علينا جميعا التعامل مع ماحدث في الاسكندرية باهتمام كبير جدا, خشية ان يكون هناك المزيد من العمليات الإرهابية. ثانيا: من الخطأ الفادح ان تقتصر رؤيتنا علي ان ماحدث بالاسكندرية, كان عملا ضد الكنيسة القبطية أو المسيحيين في مصر, بدعوي مطالبة الكنيسة بالافراج عن سيدتين يقال انهما أسلمتا!! لا ياسادة يجب الا نحصر رؤيتنا للحدث داخل هذه الدائرة المغلقة, فما حدث هو عمل إرهابي يستهدف مصر في الاساس, حتي لو كان قد حدث امام كنيسة, فالحدث لم يفرق بين الضحايا فقد دفع الوطن كله الثمن سواء من ارواح الابرياء, أو من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية الكبيرة التي تترتب علي مثل هذه الحوادث, لذلك علينا ان نعي الحقيقة المؤلمة, علينا جميعا الوقوف صفا واحدا, وعدم السماح بأن يؤثر هذا الحادث أو غيره علي النسيج الوطني, فكلنا سندفع الثمن باهظا اذا فرطنا في وحدة الصف, وفي التماسك الوطني أو الاجتماعي. اخيرا: ان حالة الاحتقان التي تسود المجتمع المصري منذ فترة ليست بقليلة, والتي لعب فيها الإعلام دورا رئيسيا, تحتاج إلي نظرة موضوعية من الجميع, ومعالجات مختلفة بعيدة عن جلسات الصلح والأحضان والقبلات, فيما يتعلق بالثقافة التي اضحت سائدة في الوقت الراهن, فالحديث عن هذا الحدث بمعزل عن الظروف السائدة حاليا هو حديث لايجتزيء الأمر من سياقه الصحيح فحسب بل يعد مغالطة صريحة وواضحة لحقائق الواقع السائد علي ارض البلاد, بالتعامل مع الأمر بسطحية غير مقبول علي الاطلاق, فقد حان الوقت الآن قبل أي وقت مضي لأن تجلس الجماعة الوطنية في مصر لتقول لنا بصراحة.. أين الازمة وكيف الطريق إلي الخروج منها؟ فنحن امام ازمة تزداد احتقانا بين ليلة وضحاها, اذا لم نجد لها الحل القاطع, نكون قد اسهمنا جميعا في هدم استقرار الوطن وسيادة الفوضي علي اراضيه, علينا ان نتخذ من كلمات الرئيس مبارك التي اعلنها للأمة بعد ساعات من وقوع الحدث, طريقا نشارك فيه جميعا كمصريين اولا واخيرا, من أجل حاضر هذا الوطن ومستقبله.