طول عمري أشعر بأن كلمة (باموت فيكي) شتيمة ونهاية علاقة، وليست عبارة تدل علي الذوبان والعشق كما يظن البعض. بموت فيكي يعني أموت..فيكي. أموت داخلك. يصبح لا وجود لي فيكي، لا كيان ولا مكان، حين أموت فيكي أصبح داخلك كالعدم..بل عدم فعلاً.صفر علي الشمال.جملة لا محل لها من الإعراب.أصبح ذكري تنسينها دائماً ولا تتذكريها إلا في المناسبات بمصمصة الشفاة أو بدمعة حزن سرعان ما تتحول لدمعة اعتيادية قبل أن تصبح - وياللعجب - ابتسامة شجن تمهيداً للنسيان التام. كل ذلك يذكرني أننا (بنموت فيكي يا مصر).. كل يوم.. بل كل لحظة. من فضلك تأمل معي كيف يموت المصريون في بلدهم، تخيل أنك تمشي مع ابنك في الشارع وفجأة يسقط ابنك في بلاعة مفتوحة ويموت، تخيل أن تتأبط ذراع زوجتك ثم يصعقكما سلك كهربا عريان لأن أحدهم نسي إغلاق كشك الكهرباء، تخيل بلداً يموت فيه كل يوم علي الطريق الدائري وعلي كورنيش الإسكندرية وفي كل مكان تقريباً العشرات، والمئات ولا حل أبداً. لا نتحدث عن حوادث الطرق العادية التي تحدث في كل مكان بل نتحدث عن إهمال حكومي أشعر أحياناً بأنه متعمد وفيه كثير من الاستهانة بحياة البشر ولا مبالاة بشيء اسمه التخطيط الذي صدعوا رءوسنا به ولم نكتشف بعد كل الخطط الخمسية والعشرية التي سمعنا عنها سوي أنها كانت خططاً للخلاص منا والتخطيط علينا حتي أصبحنا شعباً من (المخططين). يموت المصريون فيكي يا مصر.. ينامون فلا يستيقظون لأن صخوراً من الجبل وقعت فوق رءوسهم. يمشون في الشارع في أمان الله ثم يسقط عليهم ميكروباص طائش من فوق الكوبري. يدخلون مستشفياتك أصحاء فيخرجون مرضي، ويذهبون لها في الحوادث فلا يلحق بهم أحد ويموتون.يموت المصريون في العبّارات غير المطابقة للمواصفات والتي يرتبط صاحبها بعلاقات واسعة مع الناس اللي فوق مما يسهل له الهرب أولاً قبل صدور قرار منعه من السفر، وسلملي علي الإنتربول. الغريب أن الكل يعرف مكانه في لندن ولا يريدون القبض عليه لأنه واصل ولأنه قد يفضح الناس اللي فوق ويمكن لأنه (مظبط أموره). يموت المصريون فيكي يا مصر بفيروس سي و أمراض الكبد والكلي والجهاز الهضمي وغيرها من الأمراض والفيروسات بسبب المبيدات المسرطنة التي أدخلها وزير سابق لم يحاسبه أحد حتي الآن. يموت المصريون فيكي يا مصر علي أيدي ضباط شرطة شواذ يقومون بتعذيبهم وسحلهم وإدخال العصيات في مؤخراتهم أو اختطافهم ثم رميهم موتي من عربات البوكس. يموت المصريون فيكي يا مصر إذا قرروا تركك والسفر بحثاً عن لقمة العيش ليعلقوا جثثهم ويمثلوا بها أو ليقتلوهم في شجار رخيص علي أشياء تافهة، أو ليقتلوا أبناءك في قلب المحاكم نفسها واسألي مروة الشربيني. يموت المصريون فيكي في عز العيد في الفلوكة التي تمشي في النيل والتي تحمل أضعاف أضعاف ما تستطيع من البشر دون رقيب، ويموتون في انهيارات العمارات والأبراج الضخمة التي تحدي صاحبها الجميع وارتفع بأدوار مخالفة نظراً لعلاقته برئيس الحي أو ربما لأنه علق عليها صورة الرئيس. يموت المصريون فيكي يا مصر من الغيظ والفساد الذي يقابلوه كل يوم، ويتجرعو قبل الأكل وبعده، ويأخذون علي الريق وفي العضل وقبل النوم، وينكد عليهم آناء الليل وأطراف النهار. يموت المصريون فيكي يا مصر إذا لم تكن لديهم واسطة، فالذي له ظهر لا يُضرب أبداً علي بطنه، وإن لم يكن ف«أبجني تجدني»..، ومازلت أذكر شخصاً حكي لي حين قال لشخص ما في وظيفة ما «أنا واسطتي ربنا» فقال الشخص المسئول «اللي واسطته ربنا .. مالوش مكان عندنا». يموت المصريون فيكي يا مصر بسبب تشجيع الكرة فيحرق أحدهم شخصاً آخر لمجرد أنه لا يشجع الفريق الذي يشجعه، أو يحرق «أتوبيس» بأكمله، أو يتحرش جنسياً بالبنات مع غيره من المتحرشين في العيد الكبير والصغير وعقب انتصار المنتخب في مبارياته المصيرية و«كله عشانك يا مصر» يا مصر كلنا بنموت فيكي، لكن الخوف- كل الخوف - أن يأتي يوم.. وتموتي فينا.