ينتمي فيلم «الكبار» إلي نوعية الأفلام الجادة التي تناقش وترصد هموما اجتماعية عامة وخاصة، ويحمل الفيلم رسالة واضحة ومباشرة تتصدي للفساد الاجتماعي، بطل الفيلم تتأرجح علاقته بالخير والشر بين الندم علي خطأ ارتكبه كوكيل نيابة أدي إلي إعدام شاب بريء، وبين الارتماء بين أحضان عالم الفاسدين الكبار لإحساسه بغياب العدالة، وبين العالمين يرصد الفيلم رحلة كمال «عمرو سعد» بين الندم ومحاولة التطهر من الذنب، ويقف البطل بين عالمين يتجاذبانه، عالم الخير ويمثله صديقه ضابط الشرطة المخلص لعمله علي «محمود عبدالمغني» والفتاة هبة «زينة» وهي شقيقة الشاب الذي أعدم دون ذنب ارتكبه، والتي يري فيها صفات البراءة المفقودة في عالم اليوم، وعلي الجانب الآخر ينجذب كمال في لحظات يأسه إلي عالم الحاج «خالد الصاوي» صاحب المؤسسة الكبيرة التي تدير العديد من العمليات المشبوهة بعد أن وجد الحاج في كمال الذي هجر النيابة وأصبح محامياً القدرة علي استغلال ثغرات القانون وحيله لحماية عملياته المشبوهة من الانكشاف وهي عمليات تبدأ من تجارة المخدرات والدعارة وتزوير العملة وتصل إلي حد إدخال نفايات نووية لتدفن في الصحراء دون علم الحكومة. الفيلم الذي كتبه «بشير الديك» ويعود به إلي السينما بعد غيبة طويلة أخرجه «محمد العدل» في أولي تجاربه الإخراجية، ورغم أن تركيبة الكاتب المخضرم والمخرج الشاب تبدو مبشرة بعمل يحمل عمق الخبرة وخيال رؤية شابة لكن الفيلم لم يقدم سوي تجربة عادية وتقليدية سواء من خلال السيناريو الذي لم يحمل رؤية جديدة لموضوع صراع رجل القانون أو رجل الشرطة بالفساد، حمل السيناريو كثيراً من المعاني والرسائل العميقة التي يجب احترامها وسط كم السينما الغثة والرديئة، ولكن ذلك لا يجب أن يجعل مشاهد الفيلم يغض الطرف عن الشكل والقالب التقليدي للفيلم، يتحدث الفيلم عن الفساد دون التعمق في تفاصيله، نلمح خيوط الفاسدين التي تسيطر علي المجتمع وتتحكم في مصائره دون أن نري من أين تبدأ تلك الخيوط وأين تنتهي وكيف تتشابك، تبدو القضية الرئيسية للسيناريو صراعاً لا يحمل كثيراً من الخصوصية بين الخير والشر، هذا التجريد في التعبير عن الفساد من خلال التركيز علي نموذج يسمي المؤسسة يديره بلطجي سابق اسمه الحاج تسمع عن أعماله الإجرامية ولا تري تفاصيلها أو آثارها، مما يفقد المشاهد الكثير من التعاطف مع حرب الخير ضد هذا الشر ويفقده أيضاً الاهتمام به. علي مستوي الإخراج لم يبد أن «محمد العدل» لديه رؤية سينمائية خاصة تعيد صياغة السيناريو وتترجم السيناريو المكتوب إلي جمل تحمل لغة بصرية سينمائية جديدة، مشهد وصول وكيل النيابة لحظة إعدام الشاب البريء واحد من المشاهد المهمة قدم في الفيلم بشكل مستهلك تكرر في كثير من الأفلام القديمة، أيضاً مشهد انتحار القاضي «سامي العدل» في قاعة المحكمة بعد أن قرأ حكماً يخالف ضميره لم يقدم بعناية كافية، يضاف لذلك غياب السيطرة علي إيقاع الفيلم الذي بدأ لاهثاً في مشاهد قضية القتل التي كان يحقق فيها «عمرو سعد» ثم ترنح بعد ذلك بين البطء والمط في بعض المشاهد مثل مشاهد فتاة الليل والبار. مشهد النهاية جاء مسرحياً وبه مونولوج طويل قدمه «خالد الصاوي» بسخرية، ولكن رغم الحوار العاطفي والمؤثر لم تحقق نهاية الفيلم الإحساس بنهاية مشبعة درامياً، المشهد مكتوب بلغة سينمائية قديمة حتي إنك يمكن أن تتذكر مونولوج «رشدي أباظة» في نهاية فيلم (الرجل الثاني) حينما تراه. علي مستوي التمثيل جاء أداء الأبطال تقليدياً بشكل عام، ومازال «عمرو سعد» يمتلك الإحساس بصورة أكبر من أدوات التعبير، يمكن أن تتعاطف مع نظراته الحزينة ودموعه لكن يظل الإحساس بنقص خبرته التمثيلية واضحاً خاصة أنه بطل الفيلم، ومساحة دوره بكل انفعالاتها كبيرة ومتناقضة، ولايمكن تجاهل استحضار بعض مشاهد الراحل «أحمد زكي» في فيلم (ضد الحكومة) عندما تشاهد مشهد مرافعة «عمرو سعد» أمام المحكمة. حاول «خالد الصاوي» باجتهاد شخصي علي الأغلب رسم ملامح خاصة وحيوية لشخصية «الحاج» الشريرة بتلك الإضافات التي تظهره يتصرف بصورة طفولية أحياناً مع من حوله، كما تضيف «عبلة كامل» في ظهورها الخاص شكلاً خاصاً بأدائها العفوي الذي ينعكس حتي علي بطلي الفيلم اللذين شاركاها في نفس المشهد، تمثل «عبلة كامل» الروح المصرية الأصيلة التي تستطيع بقوة النفاذ إلي روح البطل الحائرة فتمنحها بعض السكينة والهدوء والقدرة علي تمييز الخطأ والصواب، يبدو تعلقها العاطفي بشخصيتي «غاندي» و«عمر المختار» من خلال الأفلام التي شاهدتها عنهما إسقاطاً لما تحمله بداخلها أيضاً من ثورية نبيلة. تقدم «زينة» دوراً تقليدياً لم يحمل كثيراً مما يمكن أن تضيفه من أداء، «صفاء الطوخي» أدت دور الأم الضريرة بنمطية وبصورة مصطنعة في بعض المشاهد. من العناصر المتميزة في الفيلم أيضاً موسيقي «خالد حماد»، وديكور «أمير عبدالعاطي» وبصفة خاصة ديكور مبني المؤسسة الذي عبر عن هذا العالم الزجاجي الهش المنفصل عن الواقع. فور عرض الفيلم في دور العرض انتقل إلي العرض المجاني علي الإنترنت، ولم يكن عرض الفيلم بجودة ممتازة علي الإنترنت بسبب القراصنة كما هي العادة، فقد اشترت شركة محمول الفيلم لعرضه علي الإنترنت مجاناً علي موقع تابع لها، ويبدو أن شركة العدل جروب قد باعت الفيلم سريعاً لأنها لم تثق في تحقيقه إيرادات، وعرضته شركة المحمول مجاناً لأنها لم تجد من يدفع مقابل مشاهدته علي الإنترنت، وربما تكون تلك هي السابقة الأولي لفيلم يعرض مجاناً علي الإنترنت في نفس وقت عرضه في قاعة السينما.