أن تقدم فيلما في ظل أزمة السينما الحالية فهذا أمر مبشر, وان يقدم هذا الفيلم مخرجا جديدا فهذا أمر ضروري, ويكون الفيلم معتمدا علي موضوع جاد ولشركة ذات تاريخ,كل هذا من الأمور التي تدعو إلي التفاؤل. لكن بالرغم من كل ذلك فهذا لايمنعنا من التوقف أمام الفيلم ومناقشته وتحليله. فيلم( الكبار) من المفترض أن يكون من نوعية أفلام التشويق.. وهو الفيلم الأول لمخرجه محمد جمال العدل ومن انتاج والده.. عن سيناريو للكاتب الكبير بشير الديك وبطولة عمرو سعد وزينة وخالد الصاوي والفيلم عبارة عن قصة واقعية عادية تحدث في مجتمعنا وأحداثها متكررة تشبه إلي حد كبير مايحدث في دهاليز المجتمع ويتحدث عن الفساد والرشاوي وحب الذات وعن الصراع بين طبقة الأثرياء وبين الغلابة الذين يمثلون الغالبية في مجتمعنا.. وتدور أحداث الفيلم حول عادل الذي يتسبب في إعدام شاب بريء ويحاول استدراك الأمر لكنه يفشل في إصلاح ماحدث بسبب حماسه الزائد واندفاعه ولايجد سبيلا لاصلاح ما أفسده سوي ان يستقيل من عمله ويعمل محاميا للدفاع عن الفقراء( الطبقة التي ينتمي إليها ضحيته) لكنه في مهنته الجديدة يقابل الكثير من المشاكل والصعوبات والتي تظهر أمامه في خسارة أولي قضاياه نتيجة الفساد وضغوط قاسية يقف وراءها أصحاب النفوذ, فيصاب( عادل) والذي يجسد شخصيته عمرو سعد بالاكتئاب الشديد والاحباط, ويحاول صديقه( علي) ويلعب دوره محمود عبد المغني أن يذكره بالانسان القديم الذي بداخله وبأحلام العدالة التي كان ينتمي إليها حتي ينتشله من براثن الخمر والادمان والاستهتار والتي ألقي بنفسه في داخلها.. لكن يفشل في إعادته ويستمر عادل في طريق اللامبالاة والاحباط حتي يجتذبه( الحاج) والذي يقوم بشخصيته خالد الصاوي رجل الأعمال الفاسد ويطلب منه العمل لديه وتنقلب حياة عادل وتتطور علاقة العمل بينهما وتنمو وتزداد ثقة الحاج في عادل لسببين أولهما أن الحاج يحب الموهوبين كما ذكر في أحد حواراته بالفيلم والثاني هو استخدامه في رشوة القاضي. وبناء علي كل ماسبق من أحداث فإننا أمام فيلم يتناول قصة الفساد في مصر منذ سنوات, ويحكي لنا قصة متكررة عن الاستغلال وفساد الأثرياء, وقد حاول السينارست والمخرج تقديم رسالة مهمة لكن النوايا الحسنة أحيانا لاتكفي لصناعة فيلم يحتوي علي مضمون مهم لكننا أيضا أمام ثمرة تعاون بين سينارست مخضرم في حجم بشير الديك وبين مخرج جديد أراد أن يقدمه والده المنتج بقصة جادة. ويشير الفيلم إلي جرائم كثيرة داخل المجتمع منها دفن النفايات الملوثة وغيرها.. وأيضا يؤصل الفيلم فكرة ان الكبار يشكلون بلدا مستقلا داخل الوطن, ولايعرف الصغار( الغلابة) شيئا عن هذا البلد ولا عن ماضيهم وخلفيتهم السياسية والاجتماعية, فمثلا( الحاج) والذي مثل شخصيته خالد الصاوي باقتدار كان قد بدأ حياته( بلطجي) في الانتخابات. فيلم( الكبار) قالوا عنه انه عودة لسينما عاطف الطيب ولكن بعد مشاهدة الفيلم أكتشف ان الرابط الوحيد بين الفيلم وسينما عاطف الطيب هو بشير الديك... فبالفعل قصة الفيلم تشبه إلي حد كبير الأفلام التي قدمت في فترة الثمانينيات وهي الفترة التي كان موجودا بها عاطف الطيب لكن السؤال هنا يفرض نفسه.. هل ان تقدم فيلما تأخر ثلاثين عاما عن ميعاد تقديمه يعني أنك تشبه واحد من أهم مخرجي تلك الفترة.. أعتقد أن الإجابة لا. قدم الممثلون في الفيلم أداءا رائعا فأجاد عمرو في دور عادل وأيضا زينة في دور( هبة) وعبد المغني في دور الضابط الشريف.. وأيضا قدم سامي العدل شخصية مختلفة غير فيها جلده فقد جسد شخصية المستشار والذي أجبرته الظروف لتغيير مبدئه فيعيش حالة من الصراع الداخلي تدفعه إلي محاولة الانتحار, وقدمت عبلة كامل شخصية أم علي صديق عادل والتي حاولت هي أيضا اعادته إلي الطريق الصحيح بشكل غير مباشر فكان وجودها مؤثرا ولكنها لم تستطع التخلص من طريقة أدائها المعتادة. وتتطور أحداث الفيلم ويعيد علي محاولاته في إعادة صديقه وجذبه إلي حياته الأولي وبالفعل يتفقان علي كشف الفاسدين.. وها هي الشخصيات الخيرة تفشل في مهمتها ويصل الفيلم إلي ذروته حينما يتعرض عادل إلي الاهانة البالغة علي يد( الحاج) ويكتشف انه فقد كل شيء ويتأكد انه لن يحقق العدالة التي يحلم بها عن طريق القانون فتثور ثائرته وينفجر البركان الكائن بداخله ويتخذ قراره الأخير ويقتل الحاج أمام الجميع في وسط حفلة صاخبة ماجنة ودون سابق تخطيط. الفيلم قدم لغة سينمائية تنتمي إلي سينما الثمانينات.. وأمام سيناريو أيضا ينتمي إلي نفس الفترة.. وأعتقد أن الذي دفع المخرج الشاب إلي تكنيك يشبه كثيرا تلك الفترة هو طبيعة السيناريو الذي اختاره جمال العدل ليقدم به المخرج الشاب ربما ظنا منه أنه ينبغي أن يقدم مخرجه الجديد من خلال موضوع لكاتب مخضرم ومن خلال نجوم لها ثقلها ووزنها داخل السوق السينمائية المصرية.. ولكني أعتقد أن موهبة أي مخرج شاب تظهر وتتجلي أكثر عندما يقدم موضوعا ينتمي لجيله( وليس بالضرورة أن يكون معقدا) وان يقدم فيلما بممثلين قد يخوضون تجربة التمثيل لأول مرة فإن ذلك ينتج فيلما متجانسا نابضا بأحلام وطموحات قد تصل بالفيلم إلي بر الأمان علي المستويين الفني والجماهيري.. كما فعل من قبل المنتج محمد العدل حينما قدم ابنه في فيلم( ولد وبنت). وأخيرا تحية إلي كل صناع الفيلم.. وتحية خاصة إلي مخرجه محمد جمال العدل فهي بداية موفقة وننتظر منك أن تقدم مو