يفرض منصب وزير الإعلام علي شاغله الحديث باستمرار لوسائل الإعلام المختلفة بوصفه أقرب ما يكون إلي لسان حال الدولة..وكان هذا ما يفعله صفوت الشريف عندما كان وزيراً للإعلام..لكن أنس الفقي وزير الإعلام جاء بطبيعة تميل إلي الانزواء والرغبة في عدم الاقتحام دون أسباب مفهومة..ولم يحدث أن ضبطنا أنس الفقي ضيفاً في حوار طويل متحدثا في السياسية والإعلام والمجتمع.. ورغم أنه قد أطل علينا مرتين أو ثلاث في برنامج البيت بيتك فإن الحوار كان قاصرا وقتها علي وثيقة البث الفضائي.. لكن الرجل خالف هذه القاعدة في حواره مع الزميل المتميز ياسر رزق رئيس تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون في عددها الأخير. شغل الحوار عشر صفحات كاملة من المجلة وتحدث خلاله الفقي عن كل شيء بدءاً من صناعة الإعلام، مروراً بالأحزاب السياسية وتطرق إلي الدكتور البرادعي، واصفاً إياه بالظاهرة الإعلامية..كما تحدث عن حرية الصحافة ولم ينس أن يذكرنا بأنه لولا الرئيس مبارك وسعة صدره ما كتبنا هذا المقال..وقد استوقفتني بعض إجابات وزير الإعلام واستحقت التعليق: أولا:تحدث وزير الإعلام عن حرية الإعلام التي لم تتمتع بها مصر طوال تاريخها-حسب قوله- مذكرا أن صحفيا واحدا لم يتعرض للسجن أو الاعتقال في عهد مبارك ولن يحدث، ولا أدري كيف يتحدث الوزير عن المستقبل بتلك الثقة ويجزم بعدم سجن الصحفيين في المستقبل..كنا ننتظر من الفقي -وهو يري نفسه وزيرا لإعلام مصر الرسمي والخاص-جديدا في هذا السياق بدلا من هذا الحديث المعاد وتلك الديباجة التي بات كل مسئول يلقيها علي أسماعنا علي سبيل المن، وتناسوا أن حرية الإعلام حق للمواطن قبل الصحفي ولا يمكن لسلطة أن تعيد عقارب هذه الحرية إلي الوراء. انتظرت من الفقي القول إنه سوف يسعي لتأكيد هذه الحرية عبر تفعيل الوعد الذي أعلنه الرئيس منذ خمس سنوات بإلغاء الحبس في قضايا النشر والذي لم ينفذ حتي الآن، رغم صدور عدة أحكام قضائية بحبس صحفيين لكن الرئيس ألغاها..فهل يجب أن يظل الصحفيون في انتظار عطف الرئيس..سوف أتفق مع الوزير الفقي علي أنه لم-ولن- يُسجن صحفي في عهد مبارك..لكن السؤال للوزير: وماذا بعد مبارك..وهل تحكم البلاد وفق رغبات الحكام أم وفق قوانين تضبط العلاقات وتشريعات تحفظ حقوق الجميع؟. ربما جاء بعد مبارك من يكره الصحافة والصحفيين-مثلما هناك جماعة داخل الحكم حاليا لا تطيق رائحة الصحفيين ولا سيرتهم - وإذا أراد الفقي أن يتحدث بلسان وزير إعلام مصر فعليه أن يجتمع مع نقيب الصحفيين وشيوخ المهنة ومع صفوت الشريف لتفعيل الوعد الرئاسي، أما حكاية أزهي عصور الحرية فهذا كلام شبع منه الصحفيون. ثانيا: تحدث أنس الفقي عن الدكتور محمد البرادعي، واصفاً إياه بالظاهرة الإعلامية وهو حر فيما يراه، لكنه خلط في حديثه هنا بين طبيعة منصبه كوزير إعلام للدولة المصرية -مثلما يعرف نفسه في حواره الطويل- وبين عضويته في الحزب الوطني ..فقد تحدث بلسان الواثق وتحدي أن يعرف البرادعي سعر تذكرة الأتوبيس في مصر بسبب غيابه عن مصر فترة طويلة..وليسمح لي وزير الإعلام أن يجيب بنفسه عن السؤال السابق الذي وجهه للبرادعي..بل أستحلفه أن يحكي لنا عما يدور في مجلس الوزراء من مناقشات عن أسعار السلع وكيف أن عددا من زملائه الوزراء الذين يديرون حياة المصريين لا يعرفون شيئاً عن تلك الأسعار..ولماذا نذهب بعيدا بينما وزير التنمية الاقتصادية يري أن 160جنيهاً تكفي لتلبية احتياجات المواطن شهريا. عاوز تقنعني يا أنس بك أن هذا الوزير يعيش بيننا في مصر، وإذا كان البرادعي لديه عذره في عدم معرفة سعر تذكرة الأتوبيس (علي فرضية عدم معرفته بها) فما عذر وزير التنمية الاقتصادية..لكن أستحلفك بالله يا معالي الوزير أن تترك حكاية تذكرة الأتوبيس..فالمؤكد أن البرادعي قد ركب وسائل النقل العام يوما ما..بينما مرشح الحزب الوطني المحتمل للرئاسة لم ير هذا الأتوبيس وأكاد أجزم أن عددا من وزرائنا لم يركبوا الأتوبيس العام مطلقا. ثالثا: قناعتي بأن أكبر اختبار لحرية الإعلام التي يتباهي بها أنس الفقي في عصر الرئيس مبارك -وهي حقيقة- بل أكبر برهان يقدمه الفقي بصفته وزير إعلام دولة وليس وزير إعلام الحزب الحاكم، هو توجيه دعوة للدكتور البرادعي للظهور علي شاشة التليفزيون المصري..دعك يا معالي الوزير من الكلام فالعبرة بالأفعال لا بالأقوال..وأرجو أن تجيبني عن هذا السؤال: في ضميرك المهني..كم خسر الإعلام الرسمي بعدم استضافة البرادعي علي شاشة التليفزيون المصري..وكم كان سيكسب محليا وإقليميا ودوليا بهذا الظهور؟ إنها سياسة القطاع العام التي تفتقد الرؤية والخيال. رابعا: تحدث الفقي عن إنجازاته خلال خمس سنوات وكيف أنه حل المشكلات المتراكمة داخل الجهاز وتطويره للمنتج الإعلامي شكلا ومضمونا..ويريد الفقي أن نحتكم للمشاهدين في ذلك وليس لصحفيين فشلوا في أن يعدوا أو يقدموا برامج في التليفزيون.. ولأننا لسنا من هؤلاء الصحفيين الذين قصدهم الوزير فشهادتنا لن تكون مجروحة..والأمانة تقتضي القول بحدوث تطوير ملحوظ في الشكل والمضمون لكنه ليس بالحجم الذي نريده من تليفزيون مصر، كما أنه لا يقارن بخمسة وستين شهرا قضاها وزير الإعلام في منصبه؛ لأنها فترة تكفي لنقل دولة من حال إلي حال وليس تطوير تليفزيون دولة. عندي ملاحظة يعرفها أنس الفقي وهي أن صفوت الشريف قد أسس بنية إعلامية متميزة من استديوهات وأقمار صناعية ومدينة للإنتاج الإعلامي لكنه لم يقترب من المضمون لانخفاض سقف الحريات وقتها..وظني أنه لا يزال أمام الفقي فرصة ذهبية لتقديم مضمون متميز مستغلاً مناخ الحرية الذي نعيشه كما قال في حواره..لكنه لم يستغل تلك الفرصة علي اتساعها. خامسا: يري الفقي أن مبني ماسبيرو لن يهدم ولن يباع لكونه معلما أساسيا من معالم القاهرة لا يقل أهمية عن الأهرامات والبرج..فإلي ماذا استند الوزير في نفيه وما أمارته عندما شبه ماسبيرو بالأهرامات؟ ماسبيرو يا معالي الوزير مجرد مبني يشغل مساحة حيوية في قلب القاهرة وإخلاؤه سوف يخفف من ازدحام المرور وليست له قيمة تاريخية..ولعلها المرة الأولي التي نسمع فيها عن مبني للبث التليفزيوني يشبه الأهرامات..فهل علينا أن نتوقع إذا أحيانا الله بعد أربعين سنة أن نجد رئيس قنوات المحور والحياة ودريم يصفون مبناهم الإداري بالأهرامات أثناء احتفالهم باليوبيل الذهبي لقنواتهم؟ سادسا: يتحجج الفقي بعدم إنشاء مجمع ماسبيرو في أكتوبر بحاجته إلي 1.7مليار جنيه وهو مبلغ ضخم غير متوافر..وظني أنه لن يتوافر فالموازنة في عجز دائم..وإذا انتظر الفقي فلن يحصل علي شيء..والأفضل أن يظهر لنا أفكارا خلاقة تبحث عن التمويل مثلما فعل الشريف عندما أنشا مدينة الإنتاج الإعلامي..فلو انتظر وقتها مجلس الوزراء ما رأينا تلك المدينة..مطلوب أفكار خلاقة للتمويل يا معالي الوزير. سابعا: ينفي الفقي وجود قائمة محظورات لبعض الشخصيات المصرية ويري أنها تصورات عند البعض بأنهم ممنوعون..وبرر ظهورهم علي الفضائيات من أجل الفلوس ..المشكلة أن وزير الإعلام يعلم أن كلامه غير حقيقي..فهل يريد إقناعنا بأن عصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح ويحيي عبد الهادي وأيمن نور، وهم مواطنون مصريون يرفضون الظهور علي التليفزيون عشان عاوزين ألف جنيه..وهل رفض هيكل الظهور في تليفزيون مصر عشان الفلوس أيضا وكذلك حمدي قنديل..أم إنهم ممنوعون فعلا من الظهور؟ ثم ما الذي سيضير مصر وحكمها وحكامها وحكومتها إذا اختفت تلك القائمة الممنوعة؟ عندها سوف نتأكد أننا نشاهد تليفزيون الدولة وليس تليفزيون الحزب الوطني. .دعك من الكلام يا معالي الوزير وادخل في الموضوع واضرب لنا أمثلة مدعمة بأسماء من رفضوا الظهور بسبب الفلوس. وأود أن أختم بتلك القصة..في أواخر التسعينيات أقامت وزارة الداخلية احتفالية في عيد الشرطة ووجهت الوزارة الدعوة لجميع وزراء الداخلية الموجودين علي قيد الحياة..كانت المفاجأة أن فؤاد سراج الدين رئيس الوفد-وقتها- كان علي قيد الحياة فتم توجيه الدعوة له، وعندما احتفل الوزير الفقي باليوبيل الذهبي للتليفزيون فقد اكتفي بحضور وزير إعلام واحد هو صفوت الشريف، بينما أغفل عن عمد دعوة خمسة وزراء إعلام لا يزالون علي قيد الحياة. في الإعلام..الكلام كثير لكن المهم الفعل..ورغم أن أنس الفقي قد بدأ حديثه واصفا نفسه وزيراً لإعلام مصر لكن انتهينا معه وهو وزير إعلام الحزب الوطني.