أسعار المانجو في سوق العبور اليوم.. الزبدية ب23 جنيها    ارتفاع حصيلة ضحايا سلسلة من التفجيرات شمال شرق نيجيريا ل48 قتيلا ومصابا    تردد القناة الناقلة لمباراة إسبانيا ضد جورجيا اليوم الأحد 30-6-2024 في أمم أوروبا    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن الأحد 30 يونيو 2024    درجات الحرارة اليوم الأحد 30-6-2024 فى مصر    لحظات تحليق البالون الطائر فى سماء الأقصر احتفالا بذكرى 30 يونيو.. فيديو وصور    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأحد 30 يونيو    «زي النهارده».. ثورة 30 يونيو تطيح بحكم الإخوان 30 يونيو 2013    استمرار الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية الفرنسية    مقرر استثمار الحوار الوطني: أوربا في أزمة طاقة.. ومصر الوجهة الأهم لتوفير الطاقة المتجددة    شاهد محمد أبو تريكة يصنع الحدث في مواقع التواصل بعد احداث مباراة المانيا والدنمارك ... خالد منتصر يسخر من تصريحات محمد أبو تريكة    ياسر أيوب: اتحاد الكرة يعاني من تهديد الأهلي والزمالك في قرارات الانسحاب    جهاد جريشة: أطالب رابطة الأندية بالاعتذار للاتحاد السكندري    هشام يكن: الزمالك أخطأ لخوضه مباراة سيراميكا كليوباترا    نتائج أولية.. الغزواني في المقدمة بانتخابات الرئاسة الموريتانية    رهينة إسرائيلية مطلق سراحها: هل يمكننا أن نتعلم الحب وليس الكره    إعادة ضخ المياه إلى منطقة الدقى وإستئناف تسيير حركة السيارات (تفاصيل)    مدحت صالح يطرب جمهور الأوبرا بأروع أغانيه على المسرح الكبير    نجوم العالم العربي يطلوّن في البرنامج الجديد «بيت السعد»    خاص.. بيراميدز: ما حدث في مباراة سموحة إهمال واضح من صاحب الأرض وننتظر قرار الرابطة النهائي    "لو تجاري".. اعرف موعد إعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2024    التطبيق من الغد، شعبة المخابز تكشف عن التكلفة الجديدة لإنتاج الخبز    الأرجنتين تصعق بيرو بثنائية لاوتارو وكندا تبلغ ربع نهائي كوبا أمريكا لأول مرة    "أبو الغيط": مبارك رفض التصدي للاتصالات الأمريكية مع الإخوان لهذا السبب    تفاصيل جديدة عن زواج نجوى كرم    هل يجوز التهنئة برأس السنة الهجرية.. الإفتاء توضح    الصحة: مرضى الاكتئاب أكثر عرضة للإصابة بالسرطان    عاجل.. لطلاب الثانوية العامة.. الأسئلة المتوقعة في امتحان الإنجليزي    عصام عبد الفتاح يكشف فضيحة تلاعب كلاتنبرج بالخطوط لصالح الأهلي    وزير خارجية اليمن: القضية الفلسطينية على رأس أولويات القاهرة وصنعاء    7 معلومات عن الأميرة للا لطيفة.. حزن في المغرب بعد رحيل «أم الأمراء»    حظك اليوم برج القوس الأحد 30-6-2024 مهنيا وعاطفيا    محمد رمضان يقدم حفل ختام ناجحا لمهرجان موازين وسط حضور جماهيرى ضخم    أسعار ومواصفات بيجو 2008 موديل 2024    ما هي أول صلاة صلاها الرسول؟.. الظهر أم العصر    من هو أول من وضع التقويم الهجري؟ ولماذا ظهر بعد وفاة الرسول؟    «السيستم عطلان».. رابطة مصنعي السيارات تكشف أسباب تكدس العربيات في الموانئ    عاجل.. فيروس "حمى النيل" يهدد جنود الاحتلال الإسرائيلي.. وحالة من الرعب    اعرف وزن وطول طفلك المثالي حسب السن أو العمر    حكم الشرع في الصلاة داخل المساجد التي بها أضرحة.. الإفتاء تجيب    متحدث التعليم: شكلنا لجنة للوقوف على شكوى امتحان الفيزياء والتقرير في صالح الطلاب    عمرو أديب: مستقبل وطن يمتلك كوادر تنظيمية تستطيع تخفيف الأزمة الاقتصادية| فيديو    ضبط مسجل خطر بحوزته مواد مخدرة وسلاح ناري في الأقصر    الإجازات تلاحق الموظفين.. 10 أيام عطلة رسمية في شهر يوليو بعد ثورة 30 يونيو (تفاصيل)    ظهور مؤثر لVAR وقرارات مثيرة فى مباراتى الزمالك وسيراميكا والاتحاد ضد الداخلية    حقيقة تأجيل الضمان الاجتماعي المطور لشهر يوليو 1445    "طعنة بالصدر".. ننشر صورة المتهم بقتل سباك الوراق بسبب المخدرات    5 علامات تدل على خلل الهرمونات بعد الحمل.. لاتتجاهليهم    رئيس لجنة الصناعة ب«الشيوخ»: 30 يونيو ثورة شعب ضد قوى التطرف والتخلف استجاب لها قائد عظيم لتحقيق طموحات الشعب    مصطفى بكري: إعلان تشكيل الحكومة الجديدة 3 يوليو    بالتزامن مع بداية امتحاناتها.. 14 معلومة عن برامج الماجستير والدكتوراة المهنية بجامعة الأقصر    «الزنداني»: هجمات الحوثيين في البحر الأحمر هدفها كسب تأييد شعبي    أستاذ علوم سياسية: الدول المنادية بحقوق الإنسان لم تقم بدور مهم حول غزة    د.حماد عبدالله يكتب: "البلطجة والسفالة" وسكان القصور!!    إصابة 4 أشخاص بينهم طفل بلدغات سامة في الوادي الجديد    رمضان عبد المعز: الصلاة على النبى تنصرك على آلام وأحزان ومصاعب الدنيا    مجلس جامعة الأزهر يهنئ الرئيس السيسي بالذكرى ال 11 لثورة 30 يونيو    الري: توجيهات رئاسية بدعم أشقائنا الأفارقة في مجال الموارد المائية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مختار نوح يكتب: كيف يضع مكتب الإرشاد سلطة إجراء الانتخابات لنفسه والإشراف عليها بنفسه؟!
نشر في الدستور الأصلي يوم 08 - 01 - 2010

بدأت في الحلقة الأولي من هذه الدراسة في تحليل تكوين اللائحة العامة للجماعة والأسس والظروف التي أحاطت بها حتي وصلت لهذه المرحلة وذكرنا أن اللائحة بها عيوب خمسة رئيسية وهي أن فلسفتها التشريعية تقوم علي تركيز السلطات في يد جهة الإدارة والمغالاة في استخدام حق التعيين مع عدم قصر التعيين علي المجالس النيابية بل إنه يتسع ليشمل التعيين بالإضافة في الجمعية الانتخابية وتداخل السلطات علي حساب السلطة التشريعية التي اختفي اختصاصها تماماً، إضافة إلي عيوب الصياغة التي قد تصل إلي حد عدم القابلية للتطبيق في العديد من الحالات وأخيرا اختفاء اسم السلطة القضائية وكذلك دورها، ونستكمل اليوم باقي بنود العيب الأول والعيوب الأربعة الباقية
ه - ومن المستغرب في هذه اللائحة انفرادها بجعل الرئاسة لمجالس الشوري من اختصاص الجهات التنفيذية وهو أمر غير متصور في أي من التشريعات الحديثة وعلي مدي أربعمائة سنة خلت من الصراع من أجل ارتفاع المجلس التشريعي والدفاع عن مبدأ إعمال الرقابة علي الجهات الإدارية.... ولم يحدث أن تم منح أي مجلس تنفيذي حق رقابة أو رئاسة الجهة التشريعية بل جعلت اللائحة من المرشد العام رئيساً لمكتب الإرشاد ولمجلس الشوري.
ويري الباحث ذلك متجلياً في العديد من النصوص بل يكون الأمر أكثر بعداً عن الأصول القانونية حينما تأتي النصوص لتجعل رئاسة «مجلس الشوري العام» لنواب المرشد في حالة غيابه أو لأي عضو من أعضاء مكتب الإرشاد، ولا تمنح اللائحة أعضاء مجلس الشوري حقهم في إدارة جلساتهم إلا عند غياب جميع أعضاء مكتب الإرشاد ومعهم المرشد العام.. مع أن الأصل الفقهي أن المجلس التشريعي هو الذي يراقب ويرأس مكتب الإرشاد لا العكس ومن الجدير بالذكر أيضاً أنه ليس لمجلس الشوري أن يحدد لنفسه جدول أعمال وإنما عليه أن ينفذ ما فرضته عليه جهة الإدارة من موضوعات وذلك كله وفقاً للنصوص الآتية:-
«يجتمع مجلس الشوري بدعوة من المرشد العام دورتين كل عام» وكذلك «يجوز دعوة مجلس الشوري لاجتماع طارئ بقرار من المرشد العام أو بناء علي قرار مكتب الإرشاد» وكذلك «يكون اجتماع المجلس صحيحاً بحضور أكثر من نصف أعضائه وفي حالة غياب المرشد العام ونائبه الأول أو من ينيبه المرشد العام لرئاسة الجلسة يرأس الجلسة الأقدم فالأقدم من نواب المرشد العام ثم أكبر الحاضرين سناً من أعضاء مكتب الإرشاد ثم الأكبر سناً من أعضاء المجلس».
وفي النهاية فإنه لا يكون لمجلس الشوري أي حق في دعوة نفسه إلي الانعقاد أو إضافة أمور لمناقشتها في جدول الأعمال إلا في حالة واحدة هي أن يطلب عشرون عضواً ذلك بطلب يقدمونه أيضاً إلي المرشد العام.
وتذهب اللائحة إلي أبعد من ذلك فهي تمنح مكتب الإرشاد سلطة وضع إجراءات الانتخابات والإشراف عليها، تلك الانتخابات التي يتم بمقتضاها انتخاب أعضاء مكتب الإرشاد...!! ومن هنا فإن مجلس الشوري وهو مجلس المراقبة في الأصل القانوني وفق تصورات عصرية... فضلاً عن كون مجلس التشريع والمحاسبة والتحقيق يظهر في اللائحة كمجلس ليس له من قدرة علي عقد جلساته أو وضع جدول أعماله... كما خلت النصوص من بيان أي وظيفة لهذا المجلس تتعلق بالمراقبة أو المحاسبة أو التشريع سوي أنه ينتخب أعضاء مكتب الإرشاد بإجراءات يتم وضعها بواسطة مكتب الإرشاد نفسه.
و- وتستمر رقابة المرشد العام علي مجلس الشوري حتي في أمر التحقيق الأخلاقي... فمن الجدير بالذكر أن مجلس الشوري لا يملك أي اختصاصات خاصة بالتحقيق في أي عمل تنفيذي، إلا ما أشارت إليه واحدة من المواد بتشكيل لجنة تحقيق أخلاقية... وحتي هذه اللجنة قاصرة علي اختصاص وحيد وهو التحقيق الأخلاقي فيما يتعلق بسلوك أي عضو وهذه اللجنة لا تملك أن تحقق إلا فيما يحيله إليها المرشد العام أو مكتب الإرشاد أو المجلس مما يمس السلوك فقط، وحتي في هذه الحالة فليس لها أن تحكم أو تقرر وإنما عليها أن تقترح اقتراحاً.... يتم عرضه علي مكتب الإرشاد وذلك بنصها:
«ينتخب مجلس الشوري من بين أعضائه لجنة تحقيق تتكون من ثلاثة أعضاء أصليين وثلاثة أعضاء احتياطيين.... وتختص لجنة التحقيق بما يحيله إليها المرشد العام أو مكتب الإرشاد أو المجلس مما يمس سلوك أحد الأعضاء.... وتقترح هذه اللجنة الجزاء الذي تراه مناسباً... وتعرض قرارها علي مكتب الإرشاد أو المجلس طبقاً لاختصاص كل منهما»
ز- ونفس الأمر ينطبق علي مجالس شوري المحافظات والتي منها يتم انتخاب أعضاء مجلس الشوري العام..... فلا تملك مجالس شوري المحافظات أن تدير مجلسها.. أو أن تصدر قرارات... فهي في الجلسة الأولي تحت إدارة أحد أعضاء مكتب الإرشاد.. ثم هي في النهاية لا تصدر إلا توجيهات ليتم تصعيدها إلي مكتب الإرشاد.
«يرأس أولي جلسات مجلس شوري المحافظة أحد أعضاء مجلس الإرشاد....»
وكذلك
«ولمجلس شوري المحافظة أن يناقش التقرير ( الذي يقدمه المكتب الإداري ) وأن يبدي ملاحظته.... وأن يصدر توصيات يبلغها لمكتب إداري المحافظة».
ح - ومن الجدير بالذكر أن مقدمة هذه اللائحة جاء بها ما سمي بالأحكام العامة والمؤقتة..... ونحسب أن هذه الأحكام قد وردت في التعديلات التي تمت علي اللائحة... أو بالأحري فإنها هي التي أدت إلي تعديلات اللائحة.... فورد بها إحالة الدور التشريعي كله إلي مكتب الإرشاد بل وإحالة كل اللائحة وما ورد بها من اختصاصات إلي مكتب الإرشاد فتم النص علي:.
«يجوز تعديل أحكام هذا النظام بناء علي اقتراح المرشد العام وأغلبية أعضاء مكتب الإرشاد المقيمين بالقاهرة ويضاف إليهم عشرون عضواً من أعضاء مجلس الشوري».
وبالطبع فإن هذا الاقتراح يتم عرضه علي مجلس الشوري ويعتبر التعديل مقبولاً بأكثر من نصف عدد أعضاء المجلس....
فإذا كان هناك عشرون عضواً من المجلس قد شاركوا في الاقتراح فإنه لا يتبقي علي تحقيق النصاب إلا ثمانية عشر عضواً من مجلس الشوري حتي تتحقق نسبة الخمسين في المائة من مجموع أعضاء مجلس الشوري
ثم يتم إرداف هذه المادة بمادة أخري فحواها:
«في حاله تعذر اجتماع مجلس الشوري لأسباب اضطرارية يتولي مكتب الإرشاد جميع الاختصاصات».
وهكذا تحدد الأحكام العامة المؤقتة نهاية مبدأ الفصل بين السلطات وتدعيم تركيز العمل التشريعي والتنفيذي في يد واحدة.
الخلاصة إذن:
أن ما تم ذكره هو ملاحظات علي سبيل المثال يظهر منها أن فلسفة تشريع اللائحة تقوم علي أحادية جهة الاختصاص، أي أنها تشريعات السلطة الواحدة وهي السلطة التنفيذية فيظهر أيضاً من النصوص أن المجالس التشريعية أو مجلس الشوري لا يملك إلا أن يناقش أو يرفع تقريراً أو توصيات، فقد خلت وظيفة اللائحة من أي مهام حقيقية أو عصرية كالرقابة أو التشريع أو التعديل أو الاتهام أو التحقيق أو التوجيه.... أو حتي مجرد النصح.... وذلك بالمخالفة حتي للنص الذي حدد اختصاص مجلس الشوري العام بأنه يكون مختصاً بمناقشة وإقامة السياسات العامة فجاءت النصوص التالية خالية من أي بيان أو توضيح أو أثر لهذه العبارة العامة.
العيب الثاني:- لماذا التعيين وما هي حكمته وإلي أي مدي ؟!!
تلجأ النظم الحديثة إلي منح الجهة التنفيذية حق إضافة بعض الأسماء إلي قائمة من وأعلن نجاحهم في العملية الانتخابية من أعضاء المجلس التشريعي ويطلق علي هؤلاء الأعضاء اسم الأعضاء بالتعيين.... وقد تمنحهم بعض القوانين حق التصويت، بينما تكتفي بعض التشريعات الأخري بمنحهم حق إبداء الرأي دون حساب أصواتهم، وذلك حتي لا يستخدم حق التعيين لدي الجهة التنفيذية كوسيلة للتأثير في إرادة الناخبين..
ومع ذلك فإن النظم جميعها قد اتفقت علي حرمان الجهة التنفيذية من حق التعيين إلا في أضيق نطاق.... وحتي التشريع المصري رغم أنه لا يعد من التشريعات المتقدمة إلا أنه حصر حق رئيس الجمهورية في التعيين في المجلس التشريعي وجعله قاصراً علي تعيين عشرة أعضاء فقط لا غير من مجموع المجلس بنسبة لا تزيد علي (2%) من مجموع الأعضاء، بل إنها قد تقل كثيراً عن هذه النسبة بعد التعديلات الدستورية التي أضافت إلي المجموع الكلي للبرلمان حتي لو توسعت في حق التعيين... ومع ذلك فقد أجازت التشريعات لرئيس الجمهورية زيادة هذه الأعداد من المعينيين في مجلس الشوري باعتباره من المجالس المعاونة للمجلس التشريعي ولا يجوز له حق إصدار أي تشريع حتي ولو كان هذا التشريع لائحياً.
وإذا كان الذي جري عليه العمل في مصر قد تشابهت معه أغلب التشريعات العربية وهي تشريعات متأخرة وحافظت علي مبدأ منع التعيين إلا استثناء وبأعداد ضئيلة فإن الذي نصت عليه لائحة الإخوان المسلمين كان أقل من ذلك المستوي من حيث الحداثة علي النحو الذي نلخصه في نقطتين:
أولاها:- مبالغة اللائحة في منح حق التعيين للسلطة الإدارية.
ثانيها:- تجاوز فلسفة هذا الحق لتشمل التعيين في القاعدة الانتخابية ( المجمع الانتخابي)
أولاً:- مبالغة اللائحة في منح جهة الإدارة حق التعيين:-
أظهرنا فيما سبق أن منح حق التعيين لجهة الإدارة هو خروج علي الأصل.... ذلك أن النظم النيابية الحديثة والتي وافقت أصل الشرع في أن تكون الجماعة هي مصدر السلطات ولجماعة هي الأمة عند بعض الفلسفات... وهي الشعب عند البعض الآخر...
ومن هنا فإن حق الشعب أو الأمة أو الجماعة في اختيار من يمثلها هو حق ثابت لا استثناء فيه بل إنه في بعض أنواع الديمقراطيات لا ينيب الشعب عنه من يتحدث باسمه فألغي النظام النيابي وجعل الحق للشعب مباشرة كما حدث في جمهورية اليونان القديمة.
ومن هنا فإن إختيار الشعب للنائب في المجلس التشريعي هو حق أصيل لا ينبغي انتزاعه أو التداخل فيه باعتبار أن نائب الشعب أو الأمة أو الجماعة هو المعبر عن رغبتها وهو وحده الناطق باسمها.. ومن ثم فإن منح الإدارة حق التعيين هو أمر استثنائي يتم تطبيقه في أضيق الحدود علي النحو الذي بينَّاه.
إلا أن اللائحة موضوع البحث قد بالغت في منح الإدارة هذا الحق فعلي سبيل المثال نجد الآتي:-
1- أن مجلس الشوري العام وهو يتكون وفق نص اللائحة من خمسة وسبعين عضواً علي الأقل.... منحت اللائحة لمكتب الإرشاد حق تعيين خمسة عشر عضواً فوق مجموع الأعضاء المنتخبين وعددهم اثنان وسبعون عضواً... وبغض النظر عن عيب الصياغة في النص فإن مجموع المنتخبين وفقاً للبيان العددي للمحافظات هو «اثنان وسبعون عضواً» فتكون نسبة المعينيين إلي نسبة المنتخبين هي أكثر من عشرين في المائة وهي نسبة عالية جداً لا تعبر عن سياسة الاستثناء، وإنما تجعل من التعيين أصلاً وتجعل له دوراً مؤثراً، ونعود فنؤكد أن هذا البحث لا يدور حول الثقة في الأفراد فهم أهل لكل ثقة وإنما يدور حول الثقة في النصوص ومدي مشروعيتها دون النظر إلي الأفراد فضلاً عن أن جماعة الإخوان المسلمين تخاطب العالم بتقدمها التشريعي.... فالأمر إذن أبعد من مجرد النظر إلي مدي الثقة في الفرد من عدمه ذلك أنه متي كان للمعين صوتاً مؤثراً في اختيار عضو من أعضاء مكتب الإرشاد وهو العمل الوحيد الذي يوكل إلي أعضاء مجلس الشوري العام ليقوموا به منفردين، فإن إضافة عشرين في المائة من المجلس بالتعيين من شأنها أن ترجح اسماً حتي ولو رفضه الأعضاء المنتخبون... لتتحول العملية الانتخابية إلي عمليه تعيين مستترة.
ثانياً:- تجاوز فلسفة حق التعيين لتشمل التعيين في المجمع الانتخابي:-
سبق أن أشرنا إلي أن النظام الانتخابي لمجلس الشوري العام هو انتخاب متعدد الدرجات ( علي درجتين ) فبينما ينتخب الأفراد علي عمومهم مجلساً للشوري علي نطاق كل محافظة... تكون مجالس المحافظات نفسها هي المجمع الانتخابي الذي ينتخب مجلس الشوري العام ومن ثم فإن تعيين أي عدد من الأفراد في مجلس شوري المحافظة هو إضافة غير مشروعة للمجمع الانتخابي أي القاعدة الانتخابية التي ستقوم بانتخاب مجلس الشوري العام وعلي هذا فإن ما نصت عليه اللائحة موضوع الدراسة من منح مكتب الإرشاد حق إضافة خمس الجمعية الانتخابية في كل محافظة والتي هي مجالس شوري المحافظات فهو أمر ليس له من سابقة في تاريخ التشريعات... فمن حيث إنه نوع من أنواع التداخل في الاختصاصات وبه من عيب الإخلال بمبدأ الفصل بين السلطات القدر الكبير إلا أنه أيضاً يشير إلي التأثير في إرادة الناخبين الذي قد يصل إلي درجه الإلغاء لها لا سيما إذا علمنا أن النص أيضاً قد أضاف إلي مجلس شوري المحافظة عدداً بالتعيين فوق نسبة الخمس.... ذلك أنه اعتبر من تم تعيينه في مجلس الشوري العام عضواً في مجلس شوري المحافظة.... وهذا العضو المعين يكون له أكثر من صوت وفقاً للمترتب علي أمر تعيينه في المجلس... فهو أولاً ينتخب من يتم تصعيده لينتخب أعضاء مكتب الإرشاد ثم هو ثانياً ينتخب مع من ينتخب أعضاء مكتب الإرشاد وعلي هذا أكدت المادة بنصها أن:-
«يشكل بكل محافظة مجلس شوري يحدد مكتب الإرشاد عدد أعضائه ويختاره الأعضاء العاملون بالمحافظة طبقاً للإجراءات التي يعتمدها مكتب الإرشاد». «ويجوز لمكتب الإرشاد أن يضم إلي الأعضاء المختارين عدداً لا يزيد علي الخمس...»
«يعتبر عضواً ( معيناً ) بمجلس شوري المحافظة التي يتبعها من تم تعيينه عضواً بمجلس الشوري العام».
العيب الثالث:- تداخل السلطات علي حساب السلطة التشريعية.
يظهر من خلال مطالعة النصوص أن مشرع اللائحة كان حريصاً علي أن يلتزم بالأصل العام في أصول الدولة الحديثة فأشار في شأن اختصاصات مجلس الشوري العام إلي ما نصه:
«يكون مجلس الشوري هو السلطة التشريعية لجماعة الإخوان في مصر»
وهذه رغبه لدي المشرع لا سيما قد أشار إلي أن يكون «مجلس الشوري مختصاً بمناقشة وإقامة السياسات العامة والوسائل التنفيذية اللازمة لها وكذا مناقشة التقارير السنوية التي يتقدم بها مكتب الإرشاد». ولو اقتصر المشرع علي هذا القدر من الألفاظ....حتي مع اشتمالها علي عيوب في الصياغة لهان الأمر...
إلا أنه عاد فمنح ذات الاختصاصات بل أكثر منها في الحديث عن مكتب الإرشاد ومن جهة أخري فقد ألغت اللائحة هذه الاختصاصات لمجلس الشوري في البنود التالية لهذا النص.
ولنوضح ذلك علينا مراجعة اختصاصات مكتب الإرشاد ووفقاً لهذه اللائحة ثم نقارنه بذات الاختصاصات المعقودة لمجلس الشوري فسوف نقابل ما نصه:
«مكتب الإرشاد هو الهيئة الإدارية والقيادة التنفيذية العليا وهو المشرف علي سير الدعوة والموجه لسياستها وإدارتها والمختص بكل شئونها وتنظيم أقسامها وتشكيلاتها».
وبالرغم من أن اختصاصات مكتب الإرشاد وفقاً للنص هي اختصاصات تتعلق بالقيادة التنفيذية العليا....فإن سائر النصوص تمنحه جميع الاختصاصات التشريعية بل تمنحه حق إلغاء العديد من النصوص اللائحية... إلي أن ينتهي الأمر باتخاذ قرارات تتعلق بأقسام الجماعة ومجالسها وكذلك بإنشاء أو إلغاء أي أمر الإضافة إلي النصوص من الناحية العملية ولا تكاد النصوص تفصح من الناحية العملية عن اختصاص محدد لمجلس الشوري العام بل إنها اقتصرت في باب مجلس الشوري العام علي مجرد التشكيل دون أن تظهر ما إذا كان لهذا المجلس أي دور يتعلق بالرقابة أو المساءلة ودون أن تحدد أيضاً مفهوماً للنص الوارد في بند الاختصاص.... والمتعلق بحق المجلس في مناقشه وإقامة السياسات العامة لا سيما أن القانون لا يعرف اختصاصاً يكون مقصوراً علي حق المناقشة إلا اختصاص اللجان المعاونة...
ومن ثم فإنه يصعب الوقوف علي تفسير حقيقي لاختصاص مجلس الشوري العام فضلاً عن خلو النصوص من تفسير لهذا الاختصاص.
العيب الرابع:- عيوب الصياغة قد تصل إلي عدم قابلية التطبيق وقد سبق أن أشرنا إلي وجود العديد من عيوب الصياغة ونكتفي في هذا المقام بالإشارة إلي نوعين من أنواع عيوب الصياغة... ويأتي أول هذه العيوب في مادة تشيكل مجلس الشوري وقد أصابها عيب الابتعاد عن الواقع بل إنها في صورة من صور تطبيقها قد تؤدي إلي استحالة انعقاد هذا المجلس... ذلك أن المادة قد نصت علي أن الحد الأدني لتشكيل مجلس الشوري هو «خمسه وسبعون عضواً» وأن الحد الأقصي هو تسعون عضواً... ومع ذلك فقد حددت المادة أرقام الأعضاء المنتخبين باثنين وسبعين عضواً وفقاً لما قررته من حصة لكل محافظة... وبالتالي فإن النص يعتمد علي قيام مكتب الإرشاد بتعيين خمسة عشر عضواً حتي يصل عدد الأعضاء إلي الخمسة وسبعين عضواً والتي هي الحد الأدني لتشكيل مجلس الشوري... لكن تثور المشكلة إذا لم يقم مكتب الإرشاد بتعيين الخمسة عشر عضواً المخصصة له... لا سيما أن النص قد جعل أمر تعيين الخمسة عشر عضواً والذي يقوم به مكتب الإرشاد جوازياً.
«خمسة عشر عضواً يجوز لمكتب الإرشاد تعيينهم»
ففي هذه الحالة لن يكتمل عدد مجلس الشوري اللازم لانعقاده... وفق الحد الأدني المرسوم في النص المعيب وهذه الإشكالية قد تكون واردة من الناحية النظرية إلا أن النص يعاب في صياغته متي تعارضت تطبيقاته المفترضة مع المنطق والمقبول ولو نظرياً... ولتوضيح ذلك فإن الحساب النظري لأعضاء مجلس الشوري هو خمسه وسبعون عضوا وفقا للنص ثم يقوم النص التالي بتحديد نسبة كل محافظة فيكون المجموع ( 72 ) عضواً..... فأي مشرع ذلك الذي يبني وجود المجلس التشريعي علي قيام مكتب الإرشاد باستخدام رخصة له إن شاء استخدمها وإن شاء تنازل عنها... وهناك فرض آخر غاب عن النص... فقد جعل النص كل من سبق توليه عضوية مكتب الإرشاد لمدة عامين عضواً بحكم اللائحة مع أن الحد الأقصي هو تسعون عضواً فكيف يتحقق ذلك؟!
ومن هنا يبين العوار التشريعي في الصياغة والمضمون وما تم ذكره كان علي سبيل المثال.
خامساً:- اختفاء اسم السلطة القضائية وكذلك دورها. إن الجمع بين السلطات وتركيز الإدارة في يد الجهة المنفذة ثم منحها حق التشريع بالتعديل والإضافة علي النسق المسمي في نصوص اللائحة لسوف يؤدي بالحتم إلي العديد من إشكاليات التطبيق.. ومن العجب أن خلو تلك اللائحة من مجرد الإشارة إلي سلطه قضائية بالمعني الصحيح لكي تفصل بين الاختصاصات المتنازعة عند التطبيق بل لم تتم الإشارة إليها ولو علي سبيل التحكيم...
والفقه الشرعي يعتبر أن غياب السلطة القضائية وفقاً للنظم الحديثة لا يعني إلا غياب العدالة... فكما أن الأمر يستلزم أن تقوم سلطة محايدة بإعادة تشريع اللائحة... فإن الأمر يستلزم أيضاً أن تقوم سلطة محايدة بمراقبة تطبيق اللائحة... وقد كان ذلك في أولويات إنشاء الدولة الإسلامية... وليس من المعقول أن تستبعد اللائحة مثل هذه البدهيات.وقد جاء أسم لجنة التحقيق عرضاً في اللائحة لكنها مع الأسف لجنة لا تمت لطبيعة السلطة القضائية بصله سواء من حيث التكوين أو من حيث الاختصاص... فهي لجنه يتم انتخابها من أعضاء مجلس الشوري وتختص بالتحقيق فيما يمس سلوك أحد الأعضاء... وليس لها إلا أن تقترح ثم تقوم بعرض هذا الاقتراح علي مكتب الإرشاد أو المجلس وفقاً لاختصاص كل منهما وذلك وفقاً للنص.
«ينتخب مجلس الشوري من بين أعضائه لجنه تحقيق تتكون من ثلاثة أعضاء أصليين وثلاثة أعضاء احتياطيين يحلون محل الأعضاء الأصليين إذا وجد مانع لديهم.... وتختص لجنه التحقيق بما يحيله إليها المرشد العام أو مكتب الإرشاد أو المجلس مما يمس سلوك أحد الأعضاء أو يفقد الثقة به وتقترح هذه اللجنة الذي تراه مناسباً وتعرض قرارها علي مكتب الإرشاد أو المجلس طبقاً لاختصاص كل منهما». وبمطالعة هذا النص يتأكد الباحث أنه لا علاقة لهذه اللجنة بمفهوم السلطة القضائية.... كما أن اختصاصها لا يتعلق إلا بالمسائل الأخلاقية التي تحال إليها .... ودورها يقتصر علي الاقتراح. جدير بالذكر أن العاملين في علم الاجتماع يقيمون مدي تقدم النظم بمدي احترامها التطبيقي لقواعد العدالة... فما بالنا إذا غاب عن اللائحة المنظمة مجرد الإشارة ولو إلي الخطوط العريضة لقواعد الفصل عند الخلاف.
الخاتمة:-
إننا بهذا نكون قد انتهينا من الملاحظات الخمس حول اللائحة وقد حاولنا الاختصار في الأمثلة أو الاستشهاد.... ولا ينبغي إلا الإشارة إلي الملاحظات الختامية.
1- إنه لا يمكن لجماعه عريقة مثل جماعه الإخوان أن تواجه الواقع السياسي بهذه النصوص المتواضعة في ظل عصر تتولي الجماعة فيه قياده الناس في الدفاع عن حرياتهم وعن حقوقهم... كما تتولي قيادتهم في النضال ورسم معالم الحرية في بلادنا.
2- إنه لا يمكن حسم خلاف الأفكار إلا بخلق آلية لصناعة الأفكار تبدأ باستيعاب الرأي وتنتهي بصياغة النص دون تدخل بشري أو تأثير أدبي أو قهر مادي. وأول نطفه في خلق هذه الآلية هي حسن صياغتها وتشريعها كصياغة لائحة تنظيمية يصيغها أهل العلم بعيداً عن العاملين في الجماعة والمتنافسين حول خدمتها.
3-إن من المتفق عليه بين علماء التشريع أن تكون من غايات التشريع تحقيق تداول الإدارة أو تنظيم تداولها وأن النظرية الديمقراطية إذا عجزت عن تحقيق التداول أحياناً فإن تحديد سنوات الإدارة ومنع تجديدها قد يحد من هذا الخطر... حتي غالت بعض الآراء في هذا الجدل الهادف فلم تسمح لأي نائب أو قائم بالمسئولية أن يجدد ولايته مرة ثانية حتي ولو أجمع عليه الناس.
وختاماً: فإننا بعد هذا العرض - والذي ذكرناه علي سبيل المثال - فإننا نقرر أن ترميم اللائحة المشار إليها في البحث أمر يستحيل من الناحية العملية... وأنه تحب إعادة نظر الأمر بكامله وإعادة بناء الشكل القانوني لجماعه تأمل الجماهير فيها أن تقودهم إلي النور مع تحديد فلسفة اللائحة تحديداً عصرياً يهدف إلي إعمال الشوري والبعد عن تركيز السلطات في يد الإدارة... وما أردت بهذا العرض إلا الإصلاح والله أعلم بالسرائر.
«إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت..... وما توفيقي إلا بالله».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.