لم يعجبني عنوان العمود أمس: أيام الظلام. يشبه أفلام أو مانشيتات كلاسيكية تقال حينما تقل الأفكار أو يبدو العقل عاجزًا عن التفكير. اليوم أيضا فكرت في عنوان من هذا النوع «الأيام الدامية».. أصوات الرصاصات الغامضة والدم البريء.. إشارات خطر إلي أين؟ أمس وأنا أفكر في كيف تتحول «تفويضات البرادعي» إلي فرصة عبور تاريخية إلي مستقبل لا ترسمه الأنانية المفرطة للنظام. النظام أناني.. يفتقد الكفاءة في إدارة الملفات الداخلية والخارجية.. لكنه مازال مصرًا علي الاستمرار والخلود. حرق البدائل كلها.. وليس لديه بديل جاهز.. أقصد بديلاً طبيعيًا وليس مصنوعا في حضانات سياسية لم يصلها أكسجين حقيقي، كما حدث مع جمال مبارك الذي لا يمتلك سوي ميزة واحدة أنه ابن الرئيس وابن عائلة تفجرت شهوتها فجأة للحكم والسلطة.. رغم أن كبيرها لم يكن يحلم سوي بمنصب تشريفي في مصر للطيران أو في سفارتنا بلندن. الشهوة تفجرت في العائلة لأسباب كثيرة أولها أن الرئيس في مصر مثل القدر.. نصف إله أو إله كامل مهما تغير الدستور.. الرئيس هو الحاكم والمعبود.. تسير بيده السياسة وهو أيضا حامل مفاتيح الجنة والنار. ولأن المصريين مسلمين ومسيحيين يؤمنون الآن بأن الله في السماء وليس في الأرض.. فإن مفاتيح الجنة والنار تغيرت ملامحها أصبحت السلطة والثروة.. وهما في يد الرئيس وعائلته. ولهذا فالشهوة تولدت من شعور المحيطين بالرئيس والعائلة بأن مصالحهم مع الاستمرار والخلود. والوراثة هنا هي سير المصالح في طريقها المعروف الذي تلعب فيه العائلة الدور الكبير في السعد والحماية. هذه اللعبة خطر الآن.. وتدفع البلد كله إلي الانفجار البطيء.. والأمن رغم سيطرته الجبارة لن يستطيع ملاحقة الثقوب. الأمن تعود علي حماية الرئيس لا البلد والدولة. ولهذا فإن الرصاصات علي الحدود.. والجندي المقتول.. هو نتيجة طبيعية ليس للفشل الأمني.. ولكن لفشل دبلوماسي يمثله وزير خارجية أضعف من موظف استعلامات في هيئة حكومية فاشلة. ورصاصات نجع حمادي.. ليست نتيجة فشل الأمن في السيطرة وإنما بسبب تدخله المبالغ فيه. الاحتقان بين المسلمين والمسيحيين ليس من صنع الأمن بل هو صناعة النظام كله. النظام يدير صراع شهوات.. وليس دولة لها قواعد. صراع الشهوات.. حول مصر إلي غابة بلا قوانين سوي رضا ساكن القصر العالي. سمعت أحمد نظيف رئيس الحكومة منذ أيام يتحدث بصوته الملول والخالي من الرنات العاطفية وهو يقول إن سياسة حماية الغلابة تتم بناء علي توجيهات الرئيس وكأنها منحة وليست حقًا.. وسياسة دولة. أنها تأكيدات متوالية علي أن كل شيء في مصر يتغير إلا الرئيس.. الثابت الوحيد والمانح الوحيد. تغير موقع مصر من قائدة الحرب ضد إسرائيل إلي قائدة الحرب مع إسرائيل.. تغيرت التحالفات وانتقلت مصر إلي الدول التي تهاجم سفاراتها بسبب مواقفها المتخاذلة. وكله بأوامر الرئيس. وتحولت مصر من جنة الوحدة الوطنية في ثورة 1919 إلي دولة يبحث فيها المسلم عن ديانة الذي اغتصب طفلته، فإذا كان مسلما يترك للدولة تنفيذ قوانينها، وإذا كان مسيحيا حمل سلاحه وطارده في الكنائس ليفسد الاحتفالات ويحولها إلي استعراض دماء كما حدث أمس الأول. كيف أصبحت الدولة غائبة بينما يحضر الرئيس بهذه الضراوة؟ كيف يريد الرئيس الاستمرار والبلد من رصاصة إلي رصاصة ومن دم إلي دم..؟ إنها إشارات خطر. إشارة إلي وصول الشهوة في الخلود إلي نقطة حرق الفرص المتاحة للخروج من النفق الذي دخلته مصر من 30 سنة وأكثر.. هل هي 30 سنة فقط؟