بعد أن تعقدت الأمور ووصلت إلي حد غير مسبوق من الصراع بين جناحي العدالة علي خلفية أزمة محاميي طنطا وبعد أن فشل الجميع في الوصول لحل يحفظ كرامة الطرفين وبعد أن أصبح كل طرف يصر علي أن ينتصر في المعركة بشكل كامل، كان واضحًا بعد مرور نحو شهر ونصف الشهر علي بدء الأزمة أنها تتجه إلي التصعيد بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة للعديد من الأسباب: أولها رغبة الدولة فيما يبدو في استمرار المشكلة بلا حل، وقد ظهر ذلك بشكل بيِّن في تصريحات كل المسئولين الذين اكتفوا بتوجيه النصائح دون مبادرات فعلية للحل، حدث ذلك بداية من تصريحات الرئيس مبارك التي طالب فيها عقلاء الطرفين بحل المشكلة وحتي التصريح الأخير للدكتور مفيد شهاب الذي كان يحمل نفس المعني، مع ملاحظة أن الدكتور أحمد فتحي سرور - رئيس مجلس الشعب- قد تدخل في الأزمة منذ بدايتها ولكنه لم يستطع الوصول لحل حقيقي. الأمر الآخر الذي يؤكد أن الأزمة في طريقها لتصعيد جديد هو أن موقف قيادات الطرفين أصبح أكثر تعقيدًا، فحمدي خليفة- نقيب المحامين - يري أن الأزمة قد منحته الروح من جديد بعد أن كان الحديث يدور داخل نقابة المحامين عن سحب الثقة منه، وهو ما سيجعل قبوله الهزيمة في المعركة صعبًا، إذ إن معني خسارته المعركة بشكل كامل أنه سيعود أكثر ضعفًا في مواجهة المحامين الذين منحوه فرصة تاريخية في إدارة الأزمة بعد أن تم التراجع عن مسألة سحب الثقة. علي الجانب الآخر، يقف المستشار أحمد الزند- رئيس نادي القضاة- نفس الموقف، إذ يري معظم القضاة أنه أدار الأزمة حتي الآن بشكل مرضٍ تمامًا وهو ما يعني أن هناك صعوبة فعلية في تراجعه عن تشدده في الأزمة منذ بدايتها، وهو ما يجعله يرفض حتي الآن أي لقاءات تجمعه بنقيب المحامين، والأمر الذي ربما يفجر الأمور أكثر هو إمكانية أن يصدر حكم قضائي نهائي ضد المحاميين المحبوسين وهو ما يعني أن القضاة انتصروا بشكل كامل. هذه هي السيناريوهات التي تشير إلي أن الأزمة في طريقها لتصعيد جديد مع ملاحظة أن أحدًا ليس بيديه حلها بشكل كامل أو حتي تهدئتها إلا الدولة ذاتها التي يبدو أنها تقف موقف المتفرج عن قصد، فالقصة أصبحت مسلية جدًا للجمهور الذي تري الدولة انه من الأفضل أن ينتبه إليها عن انتباهه لقضايا أخري مثل التغيير والديمقراطية والانتخابات. وعلي الصعيد الميداني، تسود نقابة المحامين حالة من التخبط والارتباك ألقت بظلالها علي المراقبين لأزمة القضاة والمحامين، حيث توقع الكثيرون استمرار فشل المفاوضات التي يقوم بها المحامون وعلي رأسهم النقيب حمدي خليفة لإنهاء الأزمة، وتشهد النقابة هذه الأيام انسحابًا غير معلن من أصحاب مبادرات الصلح، فالمحامي الكبير رجائي عطية أكد في تصريحات ل«الدستور» أنه لن يحضر جلسة الاستئناف للمحاميين لأن مجلس النقابة لم يفوضه للترافع، رافضا الكشف عن ردود الأفعال علي مبادرة لجنة الحكماء التي شكلها منذ عدة أيام واجتمعت ببعض رموز القضاء، وقال :«ردود الأفعال لن نصرح بها ولكننا سننتظر ما سيعلنه مجلس النقابة لأنه في النهاية الممثل الشرعي للمحامين». في الوقت نفسه أكد منتصر الزيات تأجيل وقفة النائب العام حتي لا نتهم من قبل البعض بالتصعيد علي أن تكون الوقفة في وقت لاحق عقب جلسة استئناف المحاميين الأحد القادم حتي لا يتهمنا أحد بإفشال المفاوضات. وشن الزيات في تصريحاته ل«الدستور» هجومًا علي خليفة قائلا :«نقابة المحامين تحترق وخليفة يرمي بكل أدوات الضغط ويصر علي العمل منفردًا، خلاص بقي يشيل شيلته للنهاية». مضيفًا :«طرحنا علي خليفة تشكيل لجنة لإدارة الأزمة من شيوخ المحامين ومن أعضاء المجلس ولكنه شكل لجنة ليس لها أي دور ولم تقدم أي حلول للأزمة». وفي ذات السياق من المتوقع عودة النقيب حمدي خليفة مساء أمس من لبنان بصحبة عدد من أعضاء مجلس النقابة عقب حضورهم اجتماع المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب، ومن المنتظر أن يعلن النقيب وأعضاء المجلس عن ردود قيادات القضاة علي مبادرة مجلس النقابة والتي سلمها خليفة لمديري مكتب كل من وزير العدل والنائب العام ورئيس المجلس الأعلي للقضاء والتي تطرح حلولاً لإنهاء الأزمة بين جناحي العدالة. من جهة أخري التقي الدكتور السيد البدوي -رئيس حزب الوفد- بمقر الحزب مساء أمس الأول الأربعاء جلال شلبي - نقيب المحامين بالغربية- بحضور الدكتور محمد كامل عضو الهيئة العليا لحزب الوفد ورئيس لجنة الوفد بالمنوفية ووكيل نقابة المحامين السابق والدكتور محمود السقا عضو الهيئة العليا لحزب الوفد ووكيل نقابة المحامين حالياً، وأحمد عودة المحامي والسكرتير العام المساعد وعضو الهيئة العليا الحزب الوفد وكامل البعثي وكيل مجلس نقابة المحامين بالمنوفية ونائب رئيس لجنة الوفد بالمنوفية. وصرح الدكتور محمد كامل بأن الاجتماع ناقش الأزمة بين القضاة والمحامين، ورأي الحاضرون بالإجماع أن هذه القضية معروضة أمام القضاء وأن الحضور يثقون في نزاهة القضاء المصري وأن القضاة والمحامين جناحا العدالة في مصر ووجهان لعملة واحدة ولا يقبل أحد المساس بهيئة القضاء أو النيل من كرامة المحامين. ووافق الدكتور السيد البدوي علي اقتراح الحاضرين بالدعوة لمؤتمر عالمي يعقد بالقاهرة يدعو له حزب الوفد ليناقش موضوع «العدالة بين الماضي والحاضر والمستقبل»، وسيتم دعوة نقباء المحامين العرب والأجانب وشخصيات قانونية وقضائية مصرية وعربية ودولية.