هناك دوما خفايا للكلمة لا نكشفها بالضرورة. فهل لكلمة عالم تعريفات أخري لا نفكر فيها؟ فرد الشيخ الجليل قائلا: حينما قال رب العزة «إنما يخشي الله من عباده (العلماء)»، أي أن العلماء هم أشد الناس خشية من الله، لماذا؟ لأنهم حينما اتقوا، تعلموا وحينما تعلموا كان المعلم هو الله «اتقوا الله ويعلمكم الله». وقد قال المصطفي - صلي الله عليه وسلم - من عمل بما علم ،علمه الله علم ما لم يعلم». ولنا وقفة مع سيدنا سليمان قال الله تعالي «وورث سليمان داوود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين». فحينما وقف سيدنا سليمان ذات يوم ونظر إلي ملكه الذي أعطاه له الله وسخره له كالرياح والبحار قال في تأمل «ما أعظم ملك سليمان» وهنا جاء ريح ورفعت ثوبه وكادت تكشف عورته، فقال سيدنا سليمان «يا أيتها الريح ردي إلي ثوبي» فقالت الريح: رد أنت عقلك يا سليمان، إن هذا الملك كله لله. وأيضا حينما قال الله تعالي «حتي إذا أتوا علي واد النمل، قالت نملة، يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ليحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون. فتبسم ضاحكا من قولها». فكان له حديث معها. قال لها: مما تخافين. فقالت يا سليمان: اني لا أخاف منك ولا من جنودك ولكن أخاف علي جنودي أن ينشغلوا بكم، فينصرفوا عن ذكر الله، فتحطم قلوبهم. فقال لها سليمان: هل لك شيء أقضيه، فقالت يا سليمان: إنك عبد عاجز مثلك مثلي، فقال لها: عليك أن تجربي، فقالت له: يا سليمان، إذا كنت من أهل النار، هل تستطيع أن تشفع لي فلا أدخلها؟ قال لها: لا، وقالت: يا سليمان، إذا كنت من أهل الجنة، هل تستطيع أن تمنعني عن دخولها؟ فقال لها: لا، قالت: إذا، أنت عبد عاجز مثلك مثلي. فنظر إليها وقال لها: إني سائلك أسئلة، فهل تستطيعين الإجابة؟ قالت: نعم، فقال لها: لماذا لونك أسود؟ ولماذا يهتز رأسك حينما تمشين؟ ولماذا خصرك رفيع؟ قالت: لوني أسود لأن هذا رداء الدنيا، فإذا أردت أن تمر منها بسلام فعليك بإنكار ذاتك ولا تتباهي بما أنعم الله عليك به، تكن في ستر دائم، وحينما أمشي تهتز رأسي لأنني في ذكر دائم مع الله وخصري رفيع لأنني في عمل متواصل. ونظرت إليه قائلة: سوف أسألك أسئلة، لماذا سميت بسليمان؟ ولماذا سمي أباك بداوود؟ ولماذا وضع الله الملك في خاتمك؟ فنظر إليها وصمت وبعد برهة قال لا أدري. فقالت: سميت بسليمان لأنك سليم من كل الأشياء في كل الأشياء، وأبوك بداوود لأنه كان مداويا للقلوب ووضع الله الملك في خاتمك كي يريك أن الملك كله لا يساوي أحد أصابعك وسوف يأتي نبي في آخر الزمان يقول عن هذا الملك وهذه الدنيا إنها لا تساوي جناح بعوضة. وجاء النبي ليحدثنا عن النمل ويقول - صلي الله عليه وسلم - خرج نبي من الأنبياء بالناس يستسقون الله، فإذا هم بنملة رافعة بعض قوائمها إلي السماء فقال النبي: ارجعوا فقد استجيب لكم من أجل هذه النملة » وكان هذا النبي هو سيدنا سليمان. وحينما طلب سيدنا سليمان من الله أن يطعم الحيوانات المائية لمدة يوم، فاستجيب له، فأمر الجن والإنس والطير أن يجمعوا له طعاما من الأرض كلها كما قال تعالي «وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون»، فجمعوا له حمولة من الطعام توازي جبل أحد ونده سيدنا سليمان علي الحيوانات المائية لكي تخرج لتأكل، فخرج له حوت واحد، فقال له سليمان: أين الباقون؟ فقال الحوت: يا سليمان، اطعمني أنا أولا ثم بعد ذلك سآتيك بالباقين. فقال له: كل، فأكل الحوت ما جمعته الجن والإنس والطير ونظر إلي سليمان وقال له يا سليمان: لقد ظلمتني اليوم بدعوتك مع الله، فوالله إنني لآكل مثل الذي جمعته ثلاث مرات كل يوم، فخر سيدنا سليمن ساجدا لله. وهنا يأتي حديث المصطفي - صلي الله عليه وسلم - أنه من رأي نفسه شيئا فهو لا شيء ومن رأي نفسه لا شيء فهو الشيء». وحينما كان المصطفي - صلي الله عليه وسلم - ماشيا وأبو بكر الصديق فوق جسر، عن يمينهما ماء يجري وعن يسارهما أرض طينية مبتلة، فجاء في مواجهتهما كلب والطريق لا يسع للمرور، فنزل المصطفي - صلي الله عليه وسلم - في الأرض المبتلة حتي مر الكلب. فتعجب أبو بكر الصديق وقال يا رسول الله لماذا نزلت إلي الأرض الطينية؟ فقال له: يا أبابكر هل هذا الكلب محاسب؟ قال له: لا، فقال: وهل أنا محاسب؟ قال: نعم، فقال له: هل تريدني وأنا المحاسب ألا أرحم غير المحاسب يا أبا بكر؟ «من رأي نفسه أفضل من الكلب فالكلب أفضل منه». ويشرب من صافي المنائح كل من يعظم أهل الله طوعا بقلبه فمطلق حكم العارفين إرادة وغاية سؤل الواصلين بإذنه.