بعد ساعات من العمل فى المطبخ، تضع زوجتى الطعام أمامى، متوقّعةً أن ألهث بالشكر والعرفان على هذا الجهد الخرافى الذى بذلته لتطعم مَن لا يمتّ لها بصلة قرابة سوى أنه زوجها، أتذوَّق الطعام وأصدمها بقولى المحبط: الأكل ناقص ملح، يا ريت نبقى نزوِّد الفلفل، قلِّلى البهارات والتوابل. فى مخيلتها أننى مِثل القطط التى تأكل وتنكر، وتتنمرد كمان، لكنها لا تعلم أن بسبب هذه التوابل التى يعتبرها البعض تافهة تم احتلال بلدان واكتشاف طرق، بل وتغيَّرت خريطة العالم بسبب شوية.. فلفل! والحكاية أن أوروبا اكتشفت أن التوابل إذا وُضعت على الطعام صار طعمه ألذ، ولأن الإمبراطوريات الكبرى دائما تعمل على أن تحصل على كل ما تبتغيه «غصب واقتدار»، أيا كانت التضحيات بدلا من أن تسلك طرق التجارة المشروعة، ولأن أوروبا جوّها ليس صالحا لزراعة هذه التوابل التى هى من محاصيل البلدان الحارة، فكان الحل هو أن تسطو أوروبا على الهند وسيلان وجزر الملايو وخلافها، لكن هناك مشكلة أخرى، فطُرق التجارة تمر من بلاد العرب الذين يستأثرون بالتوابل من خلال براعتهم المعروفة فى التجارة.. وكان الحل ببساطة: طب ما نحتل بلاد العرب بالمرة، فكان الفلفل من أهم أسباب قيام الحملات الصليبية، وسببا رئيسيا فى حملات فاسكو دى جاما التى اكتشف بسببها طريق رأس الرجاء الصالح، وتربّع البرتغال على عرش أوروبا بسبب عودة دى جاما بحمولات من الفلفل الأسود و... ستقاطعنى إحداهن: انت رحت فين؟ وما دخل شوية فلفل ناقصين فى أكل مراتك بفاسكو دى جاما؟ والإجابة: لا شىء.. كل نصيحتى لكِ يا عزيزتى، إذا أردتِ الزواج فلا تتزوّجى كاتبا يحوِّل شوية فلفل ناقصين إلى خطبة عصماء ومقال طويل عريض!