هل تعرف سمعان الخراز؟؟ سمعان الخراز هو قديس مسيحي عاش بمصر في العهد الفاطمي، تقول الحكاية، إنه كان زاهدا متبتلا، فلما وقعت عيناه علي امرأة واشتهاها، قام بفقء عينيه عقابا له علي الشهوة. انتهت الرواية التاريخية لتبدأ الحكاية المعاصرة. كلما قرأت بيان الداخلية حول قصة مقتل المواطن المصري خالد سعيد بالإسكندرية، أتذكر قصة سمعان الخراز، الداخلية ومعها التقرير المبدئي للطبيب الشرعي يؤكدان أن خالد قد مات بأسفكسيا الخنق نتيجة انسداد القصبة الهوائية بلفافة بانجو كان قد حاول ابتلاعها ، فيما تؤكد الصورة المنشورة للقتيل عقب الوفاة أنه لا مجال للشك قد تعرض لتعذيب مبرح أدي لموته، ليست الصورة فقط، فكل شهود العيان فضلا عن الجيران والأصدقاء الذين أكدوا براءة الفقيد من ادعاءات الداخلية، حتي تصدق بيانات الداخلية وتتناسي كل الدلائل القوية السابقة ليس عليك إلا أن تفقأ عينيك بمخراز القديس سمعان، منتصرا هذه المرة علي شهوة البحث عن العدالة. تتعدد حوادث التعذيب في مصر، والموت واحد ، الغريب هذه المرة أن الدولة بكامل هيبتها، وقبل إجراء أي تحقيق في الواقعة، تصر علي حماية ضابط ومخبر باستماتة، فتنفي التعذيب، وتنفي القتل، وتقلب الآية فتنسب للقتيل تهما وجنايات وملف جرائم، لا يعلم مدي صحته إلا الله، وتنفيه بالكامل شهادات الشهود ، فمالك مقهي الإنترنت الذي بدأت فيه وقائع الضرب وكل شهود الواقعة يؤكدون أنهم شاهدوا بأعينهم عملية خبط رأس الفقيد في الرخام أكثر من مرة حتي تهشمت، وأن رجلي الشرطة أمسكا بالقتيل من الخلف، وتمكنا منه منذ اللحظة الأولي، ووفق هذه الروايات فإن ثمة ضربا مميتا تعرض له القتيل أمام أعين الجميع، ووفق هذه الروايات أيضا لو كانت القصة هي قصة حيازته لمخدرات لكان رجال الشرطة قد تمكنوا منذ اللحظات الأولي من كشف المخدرات وإلقاء القبض علي المتهم وتسيير القضية وفق القانون، احتجازه فمحاكمته فإدانته، وكفي الله الداخلية شر الفضيحة، تتناقض بقية روايات الجيران والأصدقاء مع صورة المجرم معتاد الإجرام التي تحاول الداخلية ترويجها، لكن ولأنها الداخلية، في مصر تجد آذانا صاغية، وأبواقا ناشرة، وصحفا رسمية تؤكد أن الصورة المنشورة لخالد بعد مقتله والتي تؤكد تعرضه للتعذيب، قد التقطت له بعد التشريح، محيلة التشوهات المخيفة بجمجمته إلي عملية التشريح لا التعذيب، وكأنها تصدق بأننا جميعا مفقوءو الأعين فلا نستطيع التمييز بين كسر الجمجمة البادي للعيان، وعلامات الاختناق وآثار التشريح المنعدمة، ثم ينقل التليفزيون المصري عن مصدر أمني أن والدة الفقيد اعترفت في التحقيقات أنه كان مدمنا للمخدرات، الأمر الذي لا يستقيم مع حقيقة أن الأسرة قدمت بلاغا للنائب العام تتهم فيه الداخلية بتعذيب ابنها حتي الموت، ويتناقض أيضا مع تصريحات الأم لكل وسائل الإعلام. ينتهي فيلم «زوجة رجل مهم» بأن تطهر الداخلية نفسها من أحمد زكي الضابط المتورط في العنف ، وتصور الأمر علي أنه كان خطأ فرديا لضابط لا يتسق سلوكه وسياسة الوزارة الطيبة، السؤال الأصعب بعد مرور أكثر من عقدين علي وقائع الفيلم، لماذا تورط الدولة نفسها اليوم، ببيانات وصحف ونشرات أخبار، في الدفاع عن رجالها المخطئين ، ألم يكن من الأسهل أن تترك الدولة الصغار ليتحملوا عواقب أخطائهم طالما وصل الأمر حد الفضيحة، ليس اتساقا مع سياسات معلنة تدعي أنها ضد التعذيب لا سمح الله، فضابط التعذيب إذا أقيل يولد غيره فورا ضابط جديد ضليع في علوم التعذيب، لكن علي الأقل بدافع تهدئة الرأي العام، تحسين صورة الوزارة، حتي علي سبيل العلاقات العامة، لماذا حتي هذه التهدئة لا ننالها؟ أقول لك أنا لماذا؟ يبدو الأمر هذه المرة وكأن الدولة تريد أن توجه عددا من الرسائل لرعاياها أول هذه الرسائل «إن حامل بطاقة الرقم القومي، ليس له حق ولا ثمن في هذه البلد»، الرسالة الثانية وهي الأهم، «كيف ستربي ابنك ليعيش هنا؟؟»، تذكر أن خالد سعيد لم يكن في يوم من الأيام ناشطا سياسيا، ولم يكن معارضا، حتي مدونته لم تتجاوز الاهتمام بعلوم الكمبيوتر والبرمجيات، وحتي الفيديو الذي تحصل عليه وقيل إنه كان السبب في مقتله، لم يتم نشره علي الإنترنت إلا بعد مقتله، عزيزي المصري لم يعد كافيا أن تربي ابنك علي أن يكفي خيره شره ، ويمشي جنب الحيط، ففي داخل الحائط متسع للجميع.