رغم أن مشاهدة أي فيلم وتحليله لا يجب أن تضع في الاعتبار مشاكل الكواليس التي مر بها الفيلم حتي وصل علي الشاشة، فإن أي مشاهد لفيلم الديلر - حتي لو لم يعلم تفاصيل تلك المشاكل - سيلاحظ بوضوح حالة من اللعثمة الدرامية والتخبط السينمائي الواضحة.. البعض هاجم الفيلم بسبب كلمات وأصوات نابية أصدرها خالد النبوي رغم أنه يقوم بدور شاب مجرم من بيئة شعبية، والبعض هاجم الأفيش بسبب قيام الأبطال بالتدخين، والحقيقة أن الأفيش كان انعكاسًا لحالة التدخين الكثيفة في الفيلم، وهي أمور كلها تدخل في إطار حرية صناع الفيلم في التعبير، مع وجود رقابة تملك وضع لافتة للكبار فقط حماية للأطفال والمراهقين من مشاهدة أبطالهم المحبوبين وهم يدخنون بشراهة، ولكن أمام المعايير المزدوجة والمرتبكة للرقابة في مصر، يصبح دائماً الحديث عن «للكبار فقط» حسب المزاج العام ومود المجتمع. يبقي المهم في فيلم «الديلر» هو الفيلم نفسه بغض النظر عن أي شيء آخر، الفيلم دراما حول طفلين من منطقة شعبية، تبدأ بينهما منافسة وعداوة مبكرة.. جزء منها يتعلق بمنافسة طفولية علي التفوق، وجزء يتعلق بمنافسة علي ود الفتاة سماح (مي سليم).. يكبر الطفلان يوسف الشيخ (أحمد السقا) وعلي الحلواني (خالد النبوي) ونجد أن تنافسهما يزداد، خاصة أن سماح تصبح من نصيب علي في قفزة درامية لم نفهم فيها كيف حدث ذلك؟ ولماذا تعيش سماح التي تعمل راقصة في فرقة شعبية مع «علي» رغم أنها مازالت تحمل مشاعر ما نحو «يوسف»؟ يظل الصراع بين «يوسف« و«علي» هو المسيطر علي أحداث الفيلم الذي تنتقل أحداثه بعد ذلك إلي تركيا وأوكرانيا علي خلفية ذهاب «يوسف» لتركيا وعمله بالمخدرات وذهاب «علي» إلي أوكرانيا وعمله مع عصابة كبيرة أوكرانية تعمل أيضاً في المخدرات، وهنا يحدث انقطاع مفاجئ في المسار المتوازي لشخصيتي «علي ويوسف» وصراعهما، حيث يختفي «علي» من أحداث الفيلم تماماً لفترة طويلة ليعود بمفاجأة كبيرة لم يمهد لها الفيلم بعد أن أصبح شخصية معروفة ونافذة في أوكرانيا، كما يجد يوسف بالصدفة سماح ترقص في ملهي ليلي.. إننا أمام قصة تحمل تفاصيل كبيرة، ومبررات صغيرة. بغض النظر عن ثغرات السيناريو والقفزات الدرامية واستخدام الصدف كثيراً واللجوء إلي حلول الميلودراما الهندية خاصة في مشهد النهاية فإننا أمام شخصيات أبطال منحها «مدحت العدل» عناوين قوية وجذابة ثم ترك تفاصيلها خاوية أو بتفاصيل سطحية، فشخصية يوسف التي أداها السقا من المفترض أنها لشخصية متناقضة داخلياً بين الخير والشر، لهذا نجد تصرفاته متناقضة، فهو تاجر مخدرات يعيش حياة خطرة، لكنه يحمل بعض الأخلاقيات والمشاعر الإنسانية، لكنها تظهر بسذاجة في مشهد الخرابة التي يعيش فيها كمأوي مع بعض المتسللين إلي تركيا.. في هذا المشهد يرفض البطل شرب الخمر خوفاً من غضب الله، أو في مشهد رغبته المفاجئة وغير المقنعة في اعتزال تجارة المخدرات.. شخصية السقا لم تتحقق درامياً علي الشاشة رغم اجتهاده في ذلك، كما أن شخصية خالد النبوي الانتهازية بدت سطحية رغم حضوره علي الشاشة.. نهاية الفيلم أيضاً لم تصل برسالة مفهومة سواء علي المستوي الدرامي أو المستوي الأخلاقي.. هل نحن أمام مشكلة بطالة الشباب؟ أم صراع عدوين؟ أم فيلم جريمة يتناول عصابات المخدرات في تركيا؟ أم قصة حب؟ أم «الانتخابات في أوكرانيا»؟! لم يظهر أي أثر لتوجيه المخرج «أحمد صالح» علي الممثلين، فيبدو أنه كان مهموماً بأن يصنع فيلم أكشن من دراما ضعيفة، فكان الفيلم يبدو حماسياً للغاية في مشاهد المطاردات والضرب، وخاملاً للغاية درامياً في مشاهد أخري. حتي أداء «مي سليم» الكارثي لم يحاول كمخرج أن يسيطر عليه، ولم يرق لمستوي أداء باقي أبطال الفيلم مع الأخذ في الاعتبار أنها تمثل للمرة الأولي، ومن المضحك أنها مدمنة وكان الماكياج يؤكد ذلك في مشاهد وينسي ذلك في أخري، أيضا السقا وخالد النبوي لم يكونا في أفضل حالاتهما. الحسابات الخاطئة في فيلم «الديلر» لا تتعلق فقط بمدي نجاح أو إخفاق صناع الفيلم في إنجاز فيلم جيد، فالفيلم لا يعدو أن يكون فيلما تجاريا يسعي لتسلية جمهور الأجازات الصيفية.. فيلم مغامرات مسل يحبه جمهور أفلام السقا، ولكن حتي تحت مظلة هذا المعني يجب أن يري المشاهد فيلما متماسكا، السقا ليس مسئولاً عن كل كبيرة وصغيرة في تفاصيل الفيلم، وإنما يبقي كنجم مسئول دائماً عن اختياراته، وأن يأتي فيلم «الديلر» بعد فيلم «إبراهيم الأبيض» بتيمات متقاربة فهذا جزء من الحسابات الخاطئة.. تكرار شخصية الشاب الفقير الشقي الذي يعيش في حارة فقيرة ثم يعمل في تجارة المخدرات ويتعرض للخيانة لم يكن اختياراً مناسباً خاصة أن السقا في فيلمي «الجزيرة» و«إبراهيم الأبيض» قدم تنويعات من هذا العالم مع اختلاف التفاصيل، وكان في حاجة إلي أن يقدم لجمهوره شخصية مختلفة.