الحكومة تؤمن جداً بسياسة العافية، حتي في تعاملاتها مع المواطنين، لا تعرف سوي العافية، والدلائل علي هذا لا حصر لها، وأولها اختيارها وزير تعليم، لا يعرف من الوسائل في الدنيا سوي العنف، ولا يعتمد سوي أسلوب الصدمات، متصوراً أنه الأسلوب الأمثل لحل كل مشكلات الدنيا، وهو مثل أعلي بالطبع، بفكره هذا، لكل الجماعات المتطرفة وأصحاب الأفكار العدوانية، وحتي لو افترضنا أنه كان يحلم بأن يصبح وزيراً للداخلية، فسنجد أنه حتي الداخلية نفسها، لم تعد تعرف هذا الأسلوب العدواني المتخبط، الذي يناسب ستينيات القرن العشرين، بأكثر مما يناسب فكر القرن الحادي والعشرين .... مثال آخر صدم مشاعر مصر كلها، عندما ذهب مريض، خرج منذ قليل من عملية قلب مفتوح، إلي مستشفي حكومي، يفترض أنه تحت إشراف وزارة الصحة وتأديب السكان، ولمجرد أنه طالب بحقه، الذي يكفله له الدستور والقانون، رأي متغطرس يحتل منصب نائب المدير في هذا تجاوزاً، وأطلق علي ( المريض)- ولاحظوا بين القوسين أنه مريض أقسم ذلك الشيء، الذي يحمل لقب طبيب، علي أن يمرضه ويرعاه، وكلفه الله سبحانه وتعالي بحسن معاملته- ولكنه أطلق عليه رجال أمن مسعورين، لم يبالوا بأن الرجل مريض، أو حتي بأنه إنسان، وانهالوا عليه ضرباً كالوحوش، حتي لفظ أنفاسه الأخيرة أمام مستشفي، لم يجد فيه من يسعفه، أو يمد له يد العون ... حدث هذا في مستشفي منشية البكري، وعرفت به مصر كلها، ولعنت سلسفيل كل من أساء إليه، ودعت عليهم بالخراب والفضيحة، وبأن يلقوا ما يذلهم ويكسرهم ويجعلهم يدفعون ثمن وحشيتهم، وصحيح أن وزارة الصحة تجري تحقيقاتها مع النيابة العامة حول الحادث، ولكن مدير المستشفي، الذي يمثل وزارة الصحة، مازال ينكر ما حدث كالمعتاد.... ولو أن الأمر بيد أي مواطن في مصر، لما رحم هؤلاء الوحوش لحظة، ولكن الأمر الآن في يد القانون، مما يثبت أن سياسة الحكومة، في كل مواقعها، هي العنف، والغضب، والرغبة السادية في تأديب المواطن - أي مواطن -، لو أنه فقط طالب بحقه ... وفي شرعها أن من يطلب الحق، مالوش حق، و.... المأساة مستمرة.