هذه رواية جديدة من تلك الروايات التي يمثل المكان فيها وحدة الأحداث، ومن السطور الأولي ستكتشف سر هذه الواقعية التي تطغي ملامحها علي رواية «هيلتون» للكاتب الصحفي «سامي كمال الدين»، فبطل الرواية هو الصحفي (هشام عبدالحميد) الذي يعمل بنفس مهنة الكاتب، مما سهل علي الكاتب الغوص في دهاليز الصحافة والسير في دروبها الوعرة فخرجت روايته تحمل كما هائلا من الشخصيات الواقعية وظروف الحياة المعاصرة، حتي إنه لم يترك للقارئ فرصة للحيرة والتفكير في كُنه معظم شخصيات روايته. تدور الرواية حول (هشام عبدالحميد) ذلك الصحفي الذي يحاول أن يكون شريفا في تحقيقاته ومبادئه وسط هذا الموج الزاخر من الألاعيب الصحفية الدنسة التي يزخر بها الوسط الصحفي والسياسي في مصر، ورغم رغبته أن يكون شريفا في مهنته فإن هذا لا يتعارض في رأيه مع نهمه الدائم للذة ورغبته الدائمة المحمومة للجنس، والذي يبحث عنه في منطقة فندق هيلتون رمسيس والمركز التجاري المجاور له، هذه المنطقة هي العامل المشترك لكل أبطال الرواية، فمنها نتعرف علي (رامي) الضابط الفاسد القواد، و(داليا) التي تصبح هي الأمل الوحيد الطاهر للبطل لإعادة نفسه إلي حظيرة المبادئ والطهر والعفاف بعيدا عن حياته الدنسة، رغم أنها سكرتيرة تلك الأميرة العربية التي ضربت المثل في الفسق والعربدة والتي تشعر بمتعة لا يضاهيها متعة عند إهانة كل مصري، و(عدنان) صديق البطل الصعيدي الذي يسكن في العمارة المجاورة لهيلتون رمسيس وينام مع مئات الصعايدة العُمَّال، للبحث عن لقمة العيش، كما تتسع الرؤية ليأخذنا الكاتب قليلا إلي عالم وسط البلد المجاور، حيث لا يري هشام فيه - بعين العربيد - غير فتيات الليل اللاتي قضين ليلتهن في أحضان العرب الذين أتوا إلي مصر في موسم السياحة الجنسية، وقوادات وسط البلد اللاتي يلجأ إليهن (هشام) عندما لا تخرج شبكته بصيد ثمين! وقد ملأ الكاتب روايته بالعديد من الشخصيات المصرية التي سيحمل عقلك صورتها معه بمجرد ذكرها إلي آخر الرواية لانطباقها التام علي شخصيات حقيقية، فمن منا لا يعرف رجل الأعمال والحاكم بأمر الحزب الحاكم (زكي عبدالوهاب) محتكر الحديد في مصر، الذي كان عضوا في فرقة موسيقية قبل أن يتقرب من ابن الرئيس العائد حديثا إلي مصر رغبة لخليفة والده؟ ومن منا لا يعرف هذه النائبة المحترمة فائقة الجمال التي تزوجها (زكي عبدالوهاب) ليكتمل المال بالمال والسلطة بالسلطة، ثم تستقيل من مجلس الشعب بمجرد زواجها منه؟ ومن منا لا يعرف (عبد الكريم ناصيف) رجل الأعمال الهارب إلي لندن وصاحب العبَّارة الغارقة الذي عرض علي هشام نفسه رئاسة تحرير صحيفته الجديدة لتحسين صورته في المجتمع المصري لما يتمتع به هشام من مصداقية مهنية لدي الجمهور، وكان هذا الاتفاق من خلال رئيس تحرير صحيفة (الصوت الحر)، الصحيفة المستقلة التي أصبحت أشهر صحيفة في مصر رغم أن رئيسها مرتش يرتدي عباءة الشرف والأمانة؟ كل هذه الشخصيات التي نعلم - أنت وأنا - أنها شخصيات حقيقة مائة بالمائة تكاد تراها علي صفحات الرواية، مزج الكاتب الواقع فيها بالخيال، ومزج الشخصيات الحقيقية بأخري خيالية تماما، مما خلق نوعا من استقراء الأحداث والشخصيات لدي القارئ الذي وضع ما ظهر من الشخصيات الحقيقية ثم أكمل عليها من تجليات فهمه للشخصيات الأخري ليرسم صورة متكاملة للأحداث.. وربما كانت هذه النقطة قد أفقدت الرواية جزءا من طزاجتها، فانشغال القارئ الدائم بالأحداث المعاصرة واهتمامه بالشخصيات الواقعية الحقيقية وسيره مع الأحداث كأنه يشاهد فيلما تسجيليا يصور واقعا ملموسا تماما، بشخصياته، بأحداثه، قد أفقد الرواية خيالها الخصب، كما حرم الكاتب نفسه من حصاد ثمار رسمه الرائع لشخصية البطل النفسية والاجتماعية التي أدت به إلي ما آل إليه، والصراع النفسي الدائر بين قيمه ومبادئه وعودته إلي حضن أمه من جهة، والواقع الفاسد السياسي الصحفي من جهة أخري، ذلك الواقع الذي يجبره علي قبول عرض (عبد الكريم ناصيف) باعتبارها فرصة العمر حتي ولو كان الثمن هو الشرف والمبادئ. وفي الرواية أيضا يظهر الواقع الصحفي السيئ، حيث يظل البطل متبتلا في محراب الصحفي الشهير المناضل (أحمد عبداللطيف) ويقتنع بمناداته لمقاطعة البضائع الأجنبية ومواجهة الدول الصهيونية الاستعمارية، ثم يُصدَم عندما يعمل في الجريدة نفسها ويجد رئيس التحرير المناضل يشرب الكوكا مع أولاده وزوجته ليأخذ الدرس الأول له في الصحافة، وهو أن للكاتب وجهين، واحد للكتابة وآخر للحياة!