تحتاج مصر إلي أن تتوحد الحركة الوطنية لتنتزع الحقوق وتحمي الحرية، وتبني ديموقراطية حقيقية. وعندما تتوحد هذه الحركة تتزايد قوتها في مواجهة نظام لا يريد سوي السيطرة وفرض الاستبداد، لكن هذه الحركة تتشكل من اتجاهات سياسية وفكرية مختلفة، فكيف يمكن أن تتفق هذه الاتجاهات وتتوحد ؟!. يجب أن نتفق أولاً علي أن الخلاف بين اتجاهات هذه الحركة ظاهرة صحية، وأن من مصلحة شعب مصر أن تكون هناك مشروعات وطنية سياسية يمكن أن يختار من بينها، وأن هذه المشروعات تشكل ثروة ثقافية وحضارية لمصر... وهذه الثروة تفوق في أهميتها الثروة المادية. وعندما ندعو إلي وحدة هذه الحركة فإننا لا نريد بذلك أن تتجاهل تلك الاتجاهات السياسية ما بينها من خلافات فكرية قد تصل إلي حد الصراع السلمي، لكننا نريد بذلك أن تتوحد للاتفاق علي مجموعة من الثوابت التي تحمي حقوق الجميع، وتكفل حرية الوطن والمواطن. والتي لا يمكن بدونها أن نعمل لبناء مستقبل مصر. من أهم هذه الثوابت حرية الإعلام فهي أساس الديموقراطية، وعندما تكون هناك وسائل إعلام حرة فإنها يمكن أن تحمي حريات المواطنين، وتوفر لهم المعرفة التي تجعلهم قادرين علي اختيار نوابهم بحرية، وتمكنهم من اختيار الاتجاه السياسي الذي يقود مصر في المستقبل لتحقيق النهضة والتنمية والاستقلال الشامل والتقدم. ولا يمكن أن تتحقق انتخابات نزيهة إلا إذا كان هناك الكثير من وسائل الإعلام الحرة التي تكشف أي محاولة للتزوير وتفضح المزورين. وتدافع عن حق الشعب في الاختيار وتمنع الحكومات من الاستبداد وتشكل رأياً عاماً يحمي الديموقراطية والحريات والاستقلال. وحرية الإعلام تشكل أساساً لبناء صناعة إعلامية مستقلة قادرة علي الوفاء بحق الجمهور في المعرفة، فشعب مصر بلغ 80 مليوناً أو يزيد، وهو يحتاج إلي مئات الصحف اليومية، ومئات القنوات التليفزيونية الإخبارية التي يمكن أن تدير المناقشة الحرة بين الاتجاهات السياسية والفكرية المختلفة. لذلك فإننا يجب أن نتفق علي حماية حق كل مواطن في إصدار الصحف الورقية والإلكترونية، وحق الاتجاهات السياسية والفكرية في التعبير عن آرائها ومواقفها ومشروعاتها باستخدام وسائل الإعلام. ولقد أدركت الحركة الوطنية المصرية أهمية حرية الصحافة في كفاحها ضد الاستعمار والاستبداد، فتوحدت دفاعاً عن هذه الحرية مرتين عام 1909 وعام 1951. وتوضح دراسة تاريخ مصر أنه عندما توشك الحركة الوطنية أن تحقق انجازات ومكاسب وتتقدم لتحقيق أهدافها، وتنجح في توعية الشعب المصري بحقوقه تلجأ قوي الاستعمار والاستبداد لتقييد حرية الصحافة. وهذا ماحدث عام 1951 حين أجبر الملك والإنجليز حكومة الوفد علي تقديم ثلاثة مشروعات قوانين إلي مجلس النواب لتقييد حرية الصحافة. وفي مواجهة ذلك توحدت الحركة الوطنية بكل اتجاهاتها ضد تقييد حرية الصحافة باعتبارها أهم المكاسب التي حققتها الحركة الوطنية. الغريب أن النواب الوفديين وقفوا في وجه حكومتهم ورفضوا هذه القوانين بالرغم من أن النحاس باشا قد هدد بطرح الثقة في الحكومة علي المجلس إذا رفض هذه المشروعات. وهذا يعني أن النواب الوفديين قد فضلوا أن تسقط حكومتهم علي أن يتم تقييد حرية صحافة مصر، وأن يتحملوا عار تقييد الحرية. وهذا يوضح أيضاً أن النائب الذي فاز في انتخابات حرة يمكن أن يدافع عن حرية الشعب ويحمي مصالح الوطن، ويمكن أن يقف ضد حكومته ويعارضها حتي لو أدي ذلك إلي سقوطها، فالحكومات تزول وتتغير، وتبقي حرية الصحافة وسيلة للكفاح لتحقيق الاستقلال، والنهضة والتقدم. وأعتقد أن الوفد كسب كثيراً عندما أرغم نوابه حكومته علي سحب هذه القوانين، وعلموها كيف تحترم حرية الصحافة، فهذا الموقف أثبت أن هؤلاء النواب قد وصلوا إلي مقاعدهم باختيار الشعب وليس عن طريق اختيار الحكومة، وقيامها بتزوير الانتخابات. وهؤلاء النواب يعرفون أنهم سيقفون أمام الشعب ليحاسبهم علي أعمالهم، وأن الحكومة يومئذ لن تنفعهم، ولكن الصحافة الحرة يمكن أن تحمي الذين يدافعون عن الحرية. لذلك لابد أن تتوحد الحركة الوطنية بكل اتجاهاتها وتتفق علي الكفاح لتحقيق حرية الإعلام، فلا يمكن إدارة انتخابات نزيهة أو إقامة ديموقراطية كاملة دون أن يكون لمصر الكثير من الصحف والقنوات التليفزيونية التي تحمي حق المصريين في المعرفة، فالمواطن العارف هو اساس الديموقراطية.