توقعت ل «الرئيس» مصير شاه إيران وتشاوشيسكو ونورويجا الباحث يتقمص شخصية مبارك ويقول: تعمدت إبعاد العناصر الشريفة.. وشعبي لا يحبني · اتهام خصومي بالفساد يحقق لي فائدة مزدوجة.. فكثيراً ما تطالبني الدول المانحة بمحاربة الفساد ترجمة: محمد بدوي في دراسة نشرتها مجلة فورن بوليسي عن الديكتاتورية والحاكم الديكتاتور وكيف يظل متربعا علي الكرسي لفترة طويلة يكون خلالها عصيا علي الإطاحة به أو ازاحته بأي وسيلة.باول كوليير الباحث وأستاذ الاقتصاديات في جامعة اكسفورد اتخذ حسني مبارك نموذجا عند تطبيقه دراسته علي الرئيس الديكتاتور، ونترك كوليير يتحدث من خلال دراسته المعنونة «مفكرة الديكتاتور» والتي بدأها بسؤال رئيسي هو «لماذا تسقط الديمقراطية في الانتخابات» ويعقب: لندرس الحالة دراسة فكرية تلقي الضوء علي السؤال، والسؤال المرادف له هو «لماذا يظل الحكام الديكتاتوريون غير قابلين للتنحي أو التنحية؟ ويقول: إن الحكام القدامي للاتحاد السوفيتي كان يرعبهم مواجهة أية انتخابات تنافسية.وبسقوط سياسة الستار الحديدي واجتياح الانتخابات العالم فإن الديمقراطية لم تف بوعودها لأن الحكام القدامي لايزالون علي عروشهم يحكمون بذات الطرق القديمة لافتا إلي أن هناك شيئا ما خاطئا، وتساءل.. ما هو؟وقال: للإجابة علي هذا السؤال أضع نفسي في منصب أحد هؤلاء الحكام المستبدين وليكن الرئيس مبارك، فأجد نفسي أرغب في البقاء في السلطة وبشكل ديمقراطي.. ويتساءل ما هي الخيارات التي أواجهها، فأري أنها خيارات صعبة لدرجة قد لا أتحملها، أولا: يجب أن أكون شريفا وصادقا مع نفسي والاعتراف أن شعبي لا يحبني وناكر للجميل لا يشكرني للمعجزات التي حققتها إضافة إلي أن وعيهم يتزايد يوما بعد يوم بأن بلدهم تجمدت حركته خلال فترة حكمي الطويلة، بينما البلدان الشبيهة به غيرت من نفسها.فالقليل من العقلاء هم الذين يرون أن الخطأ ليس خطأي ويستطرد: هززت رأسي غير مصدق أن الأمور وصلت ببلدي لهذا الحد، وأمسكت قلمي الذهبي وبدأت أدون خياراتي، وقررت أن أكون منظما ومنهجيا في كل قضية، وكان الخيار المطروح أمامي أن أشعر بأنني بحالة جيدة ومطمئن علي نفسي ويجب أن أترك ميراثا يفتخر به أولادي غير أن ما يعارض ذلك أننا ليس لدينا فكرة لكيفية أن نفعل ذلك فالخبرات والمهارات التي حصلتها خلال السنوات الماضية مختلفة تماما، فقد اعتدت أن أحكم من خلال مجموعة من الناس أجمعهم عند نقطة مناصرتي، ويقول: ربما يجب أن أعيد قراءة تقارير ملعونة قدمت لي من الدول المانحة ولكن حتي لو فعلت، ما هو المطلوب للتغيير فالعاملون معي لن يستطيعوا تنفيذ التغيير، لقد عشت أعمل علي ابعاد النماذج الفريدة والشريفة لأن الشرفاء صعب السيطرة عليهم.ويقول كوليير: لايزال التغيير يمثل خطرا لأن أصدقائي الذين أحطت نفسي بهم لا يمكنهم التعاطي أو الانسجام مع التغيير، وربما يطيحون بي في انقلاب وربما ألبسوا الأمر ثوب التغيير، ولكن تري لو فعلتها واخترت حكومة شريفة.. هل يمكن أن يعاد انتخابي مرة أخري.. بدأت أفكر الآن في قادة دول العالم الغنية الذين قابلتهم علي مدي السنوات الماضية، وكثيرا ما أعطوني دروسا في متطلبات الحكم الرشيد، ويواصل كوليير طرح التساؤلات علي نفسه متقمصا شخصية مبارك.هل وقعت في حسابات خاطئة؟ أن هؤلاء الحكام لابد أنهم كسبوا الانتخابات في بلادهم بنسبة 45%.الخيار الثاني الذي يواجهه مبارك هو الكذب علي الناخبين.. ويقول كوليير: سأل مبارك نفسه ماذا بعد أن سيطرت علي كل وسائل الإعلام، بينما المواطن لا تتوافر له وسائل للتعلم أو نقاط مرجعية تعرفه علي السييء من الأمور لذلك استطيع أن أخبره كم هو شعب محظوظ، لاختياره لي رئيسا غير أن ما يعوقني أنني فعلت ذلك علي مدار السنوات الماضية، لدرجة أن المواطن أصبح يفتقد الثقة في أي كلام أقوله.الخيار الثالث: الذي يعتبره كوليير مطروحا أمام مبارك أو أي حاكم يتخذ الديكتاتورية منهجا لحكمه، هو لوم الاقليات أو استخدامها كبش فداء ويضرب مثلا بما حدث في زيمبابوي والكونغو، ويأتي كوليير للاختيار الرابع وهو اقتلاع المنافسين الأقوياء ويقول الديكتاتور لنفسه إن هذا الخيار مطبق لأنني من خلاله أعمد إلي ضرب الأشخاص الذين أكرههم، وهم خصومي ولذا يجب أن أجد بعض الأسباب لاقتلاعهم وهذا ليس صعبا فيمكنني اتهامهم بالفساد وهو أمر يحقق لي فائدة مزدوجة فكثيرا ما تحثني الدول المانحة علي مواجهة الفساد، لذا نادرا ما يعترضون علي اتهامي لخصومي بالفساد، وهي طريقة تمنع خصومي وأعدائي من الازدياد.أما الخيار الخامس فهو الخطأ في حصر الناخبين فالحقيقة تقول: يمكن أن يكون لخصومي قاعدة من المؤيدين تبلغ عشرة ملايين، ولكن ستأتي العناوين الرئيسية للصحف لتقول: فرص ضيقة لفوز المعارضة فيجب أن يشعر الشعب أنني سأكسب بأي طريقة وأن أصواتهم الصحيحة لم يتم حسابها ويجب أن يكون لديهم الدافع علي قبول الرشوة، وينبغي أن أحتفظ بتلك الاستراتيجية كاستراتيجية أخيرة حال شعوري أن خسارتي محققة.غير أن ما يمنعني أن المجتمع الدولي لن يقبل ذلك بسهولة وأن نسبة ال 99% لم تعد مقبولة لأنها ليست انتخابات سوفيتية فالأمر لم يعد مقبولا، والتزوير الفج لم يعد مستساغا، فالفوز بالتزوير يجب أن يدور حول نسبة 74% من مجموع الأصوات فالانتخابات ذات الرقابة الضعيفة، يكون من المفضل أن تصل إلي نسبة 88%، عموما الحكام في مثل مجتمعاتنا لديهم قدرة عالية في الفوز في الانتخابات.والخيار السابع الذي يدونه الديكتاتور في مفكرته كما يقترح كوليير هو شراء الأصوات، يري الديكتاتور أن لديه الكثير من الأموال ويقول لنفسه يمكنني رشوة الناخبين ولكن هناك مشكلة.. هل يمكن لي أن أضمن الناس.. هل يمكن أن أثق في شرف التعامل معهم بحيث إذا دفعت لهم أضمن ألا يصوتون لخصمي، عموما أنا غير متأكد إلا أن التجارب أثبتت أن الرشاوي يمكن أن تأتي بنتيجة منهجية.فالمرشحون الذين استخدموها حصلوا علي المزيد من الأصوات والرشاوي التي تقدم بشكل فردي، أي بالتجزئة ويمكن أن تقدم الرشاوي جملة ويقول: لكن التجزئة مكلفة إلا أنها تستحق لأن الناس يفضلون في كثير من البلدان المتخلفة أخذ الرشوة من المرشح لأنها الشيء الوحيد الذي يحصلون عليه فلدي وصوله إلي الكرسي لا يقدم لهم شيئا، وتظل الرشوة أفضل من وعود لا تتحقق وبالطبع الدفع بالجملة يكون لبعض الذين يمكنهم التأثير علي الكتل التصويتية.ويستمر الديكتاتور في كتابة خواطره ليقول بصفة عامة أن الرشوة إحدي الاستراتيجيات غير أن المشكلة الأساسية هي هل لدي أموال كافية لأكسب بهذه الاستراتيجية أم لا؟وهناك خيار آخر يواجه أي ديكتاتور كما يقول كوليير، وهو تهديد الناخبين فمعظم السياسيين يحاولون كسب ودهم إلا أنهم لا يتوافر لديهم الشجاعة.وفائدة الإخافة أنني إذا لم استطع التحكم في رغباتهم في التصويت فإنني أعرف جيدا أنهم يعتزمون التصويت لصالح خصمي لذلك يمكنني تهديدهم.غير أن هناك مشكلة تقف حائلا في مواجهة هذا الأسلوب وهي أن العنف إذا اندلع فسوف يصعب ايقافه، ويمكن للخصم أن يستفيد من تلك الجموع وإذا حدث وفعلوها فلن تكون المشكلة هي الحفاظ علي الكرسي من الضياع، لذا لا أحب أن أخاطر بالعنف فالصورة التخيلية للموقف تمر علي ذاكرتي وكذا الصور الواقعية فأري القوة الكاسحة للمتظاهرين تكتسح شاة إيران السابق، وبابي دول في هاييتي ونيقولاي تشاوشيسكو في رومانيا وأخيرا سوهارتو في أندونيسيا، وربما تصل الأمور إلي الحد الذي تأمر فيه العساكر أن يطلقوا النار علي المتظاهرين فيرفضوا تنفيذ الأمر.وينهي كوليير دراسته بقوله: إن الديكتاتور يؤكد لنفسه أن تزوير الانتخابات ليس بأمر صعب أو مخيف وأن الحكام المصابين بالبارانويا هم فقط الذين يتجنبون التزوير.وانتهت الدراسة التي استعرض فيها كوليير بعضا من سطور فكرة ديكتاتور يرغب في البقاء في السلطة ويتعرض فيها للاستراتيجيات والمحاذير التي يعتمد عليها للبقاء كي يرتب أوراقه وحساباته ليجثم علي أنفاس شعبه سواء كان هذا الشعب في مصر أو زيمبابوي أو نيجيريا، غير أن ما لم يؤكده كوليير وإن أشار إليه في عجالة هو أن أي ديكتاتور سوف يلحق إن آجلا أو عاجلا بمصير شاه إيران وتشاوشيسكو ونورويجا.