قال الرئيس مبارك في خطاب عيد العمال إنه يتابع ما تموج به مصر من تفاعل نشط لقوي المجتمع، وإنه يرحب به باعتباره ظاهرة صحية ودليلاً علي حيوية مجتمعنا، هذا مهم فعلاً، خصوصاً أنه يعطي أملاً في أن الرئيس يتفاعل مع ما يحدث في مصر من مطالب ودعوات للتغيير، لكن الرئيس يعاجلنا فوراً في الجملة التالية من خطابه بقوله (لكنني وقد قضيت عمراً في خدمة الوطن وشعبه أتحسب من أن ينزلق البعض بهذا التفاعل إلي انفلات يعرض مصر وأبناءها لمخاطر الانتكاس). كويس قوي الرئيس بخبرته وخدمته الطويلة للوطن يقدم نصيحة أشبه بالوعيد ويشير إلي تحذير أقرب إلي التهديد، وهو أن ينزلق البعض بهذا التفاعل إلي الانفلات والواحد لابد أن يأخذ كلام رئيسه بمنتهي الجدية والاحترام، خصوصاً أن الرئيس لم يقل لنا معاييره التي يخشي بناء عليها من تحول التفاعل إلي انفلات، وما تعريفه بالضبط للانفلات؟ هل هو مثلاً المظاهرات؟ ومتي كانت المظاهرات في أي مكان في العالم انفلاتاً؟! المظاهرات حق دستوري، والحاصل أن المظاهرات التي شهدتها وتشهدها مصر سلمية تماماً لا تتحول إلي العنف، بل العنف يكون فقط بيد قوات الأمن حين تضرب المتظاهرين وتعتدي عليهم وتنتهك حقوقهم وإنسانيتهم. أما إذا كان الرئيس يري أن المظاهرات انفلات فلابد أن يعلن ذلك حتي نفهم أو نتفهم، أما إذا لم تكن المظاهرات هي المقصودة بالانفلات، وإنما يقصد الرئيس أن الانفلات هو الدعوة لتغيير الرئيس شخصياً وانتخاب رئيس جديد أو إسقاط الحزب الوطني والمجيء بحزب آخر لمقاعد الأغلبية، فهذا محض حق طبيعي تماماً للمواطنين والقوي السياسية ولم نعرف أن تغيير رئيس أو إزاحة حزب من الحكم انفلات!! ثم يقول لنا الرئيس إن هذا الانفلات (الذي لا نعرف ما هو بالضبط؟) قد يعرض مصر لمخاطر الانتكاس، فهل الرئيس يريد أن يقول لنا إنه لو زادت المطالب أو المظاهرات أو حدود حرية التعبير سوف تنتكس الحرية بمعني أنه سيلجأ إلي إجراءات وقرارات تنهي هذه الحرية، فكأننا أمام تحذير بأنه لو زودتموها سألغيها، أو سأسحبها! هل الهدف التذكير بانتكاسة الخامس من سبتمبر عام 1981حين نكس الرئيس السادات رحمه الله الديمقراطية الوليدة الوئيدة وقتها ورمي بقوي مصر السياسية في السجن؟! جائز! ثم يعود الرئيس في خطابه ويقول: (لا مجال في هذه المرحلة الدقيقة.. لمن يختلط عليه الفارق الشاسع بين التغيير والفوضي.. وبين التحرك المدروس والهرولة غير محسوبة العواقب.. أو لمن يتجاهل ما اعتمده الشعب من تعديلات دستورية منذ عام 2005، وما يتعين أن يتوافر للدساتير من ثبات ورسوخ واستقرار). هذه الجملة هي بامتياز تعادل ما كنا نسمعه في الستينيات من شعار ( كل الحرية للشعب ولا حرية لأعداء الشعب )، فالرئيس مبارك يقول بصراحة إنه لا مجال.. يعني لا سماح بحرية أو حركة لمن يختلط عليه الفارق الشاسع بين التغيير والفوضي، طيب نحسبها إزاي دي يا سيادة الرئيس؟، نعرف منين أن هذا تغيير وتلك فوضي؟!، هل مثلاً الدعوة لتغيير المادتين ستة وسبعين وسبعة وسبعين في الدستور تبقي تغييراً ولا فوضي؟! ثم التحرك المدروس الذي يقول عنه الرئيس مَن الذي درسه؟ وهل شاركت القوي السياسية في دراسته أم اشترك الحزب الوطني وأمانة السياسات فقط مع مستشاري الرئيس (إن وُجدوا) فقط في دراسته، فقالوا إن هذا مدروس وغير كده ليس مدروساً، لماذا يكون رأي هؤلاء هو الصواب المدروس ورأي الآخرين هو الهرولة؟ مَنْ يحكم علي هذا؟ ورغم أن الرئيس مبارك قال إنه يتابع ما تموج به مصر فإنه في نهاية خطابه بدا غير متابع ( وأقول لمن يرفعون الشعارات ويكتفون بالمزايدة.. إن ذلك لا يكفي لكسب ثقة الناخبين.. وأن عليهم أن يجتهدوا لإقناع الشعب برؤي واضحة تطرح الحلول لمشكلاتنا.. عليهم أن يجيبوا عن تساؤلات البسطاء من الناس.. ماذا لديهم ليقدموه لهم؟...). الرئيس مبارك يمطرنا إذن بالشعارات في هذا الخطاب، شعارات عن نفسه وعن حزبه وعن حكمه وعن إنجازاته وعن شعبه، بينما يهاجم في الخطاب نفسه من يرفعون الشعارات. والحقيقة يا سيادة الرئيس أن هناك برامج لمنافسين لك علي الرئاسة ولحزبك الوطني علي البرلمان قالت كل هذا وأكثر وردت علي كل هذه الأسئلة وأشمل... فهل قرأتها؟ أما الشعارات فأنا أؤيد الرئيس تماماً، فليس كل من قال للشعب: «من أجلك أنت» كان من أجله فعلاً!