هو إحنا ولا مؤاخذة... شعب قذر؟ ملاحظة: الشعب هنا يتضمن «مواطنين وحكومة». بصراحة آه. ليه بقي؟ لأنني لا أتصور أن نكون قد وصلنا لهذا الحد من المهزلة والعار اليومي، عار علينا أننا قد أصبحنا نعيش ونتعايش مع كل هذه الزبالة التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من مشاهداتنا اليومية - هذا إن كنا مازلنا ننتبه أساساً لوجود أطنان الزبالة في الشوارع، فأينما ذهبنا وجدناها. لا أتصور أننا قد تكيفنا علي كل هذا القبح ولكن لم لا؟ - فقد اعتدنا قبح وقذارة الفساد والظلم والموالسة والنهب والسرقة التي يتعرض لها المجتمع. ولكن السؤال هل من علاقة بين شعور المواطن بقذارة الاضطهاد والفساد وبين أن المواطن نفسه يمارس قذارة السلوك والمظهروالإهمال وعدم النظافة؟ هل هناك علاقة وثيقة بين أكوام الزبالة في الشوارع وبين الانتماء؟ الحقيقة أنني لا أفضل أن أتحدث عن الانتماء بمنطق «الحب والكراهية» ولكنني أتحدث عن الانتماء، بمعني أن يشعر المواطن بأن بلاده هي ملاذه أو أنها سر عذابه، وفي الحديث عن مصر والمصريين في تلك الفترة التاريخية بالذات أعتقد أن المواطن يعتبر بلاده هي سر عذابه، كما أراهن أن حكومة هذا البلد علي يقين بأن المواطن هو سر عذابها فإذا كان المواطن يشعر بأن حاله ووضعه الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي «زبالة» باللغة الشعبية الدارجة بين الناس، فإنهم بشكل واع أو غير واع يتعاملون علي أن مساهمته في إعلاء شأن أكوام الزبالة كلما استطاع هدف وطني وأنها محاولة لرد الجميل لهذا البلد. الزبالة في شوارع بلادنا لم تعد دليلاً واحداً وقاطعاً علي سلوكيات وأخلاقيات قذرة، إنما أصبحت تفسيراً لحالة العنف الموجه من المواطنين تجاه أنفسهم أولاً، منهم من يستطيع توجيه ذلك العنف ضد البشر ومنهم من لم يستطع فيوجه العنف ضد المكان، المكان الذي لم يعد يخصه أو يعنيه ولا ينتمي إليه. أخشي أن يفهم هذا التفسير الشخصي جداً علي أنه تبرير لحالة القذارة وذلك القبح الذي نعيشه، أو أن يفهم أنه محاولة للإفلات من المسئولية الاجتماعية التي نفرط فيها بمنتهي الاستهتار...إطلاقاً..فمازلت عند يقيني وإصراري بأننا ولا مؤاخذة شعب «مش نضيف»، شعب يعاني الازدواجية في التفكير والسلوك والأداء.... شعب يمارس مظاهر التدين، فتجد المواطن المؤمن خارجاً من المسجد مستغفراً ثم باصقاً علي الأرض!!، تجد السيدة الملتزمة في زيها تدعو الله بالستروتطلب منه أن يعينها في حياتها الشقية وهي تفرغ أكياس الزبالة أمام بيتها!! هو نفس المنطق المتناقض، شعب يحدثك عن فضيلة الشرف ولا يمانع من دفع الرشوة أو المشاركة في التزوير، وإذا سألت البعض عن معني الشرف، فإن أول إجابة ستقفز إلي ذهن أغلبهم هي أن «شرف البنت زي عود الكبريت وأن الشرف الوحيد المؤكد لديهم هو عذرية الفتاة فحسب»، مجتمع غير متفق علي تحديد المفاهيم الأساسية والبدهية. لا مانع من أن تجد وزيراً يتحدث عن ضرورة انضباط الطلاب في الحضور حرصاً علي انضباط وإصلاح العملية التعليمية، فيتخذ قراراً قبل نهاية العام الدراسي بتوقيع عقوبة علي الطلاب المتغيبين بالحرمان من امتحانات آخر العام دون أن يسأل أو يتساءل عن أسباب عدم حضور الطلاب إلي مدارسهم. واعتراضي هذا ليس تبريراً لعدم ذهاب الطلاب إلي المدرسة ولكنه تفسير آخر لحالة الزيف التي نعيشها في مجتمعنا، أغلب القرارات شكلية وانفعالية وبدون دراسة للأسباب، وكأن إصدار القرارات جزء من اكتمال المسرحية العبثية التي يلعبها كل فرد في هذا المجتمع، وبالفعل نحن نمارس دور الهتيفة إما مؤيدين أو ساخطين، لكننا بالفعل لا نقوم بدور الفاعلين. لا مانع من أن تجد وزيرا ولنقل إنه وزير المالية وأول حرف من اسمه « يوسف بطرس غالي «آخر يراهن بأن المواطن الذي قرب عمره من الخمسين سيجد عملاً بمنتهي السهولة وعلي حد تعبيره في برنامج جماهيري أمام الرأي العام قائلاً ومصرحاً: «ممكن المواطن ده يفتح كشك، يفتح مطعم أو كافيه»!!!! التعليق الوحيد المهذب علي تصريح هذا الوزير: «يا سلاااااام...علي أساس إن الحداية بتحدف كتاكيت» طب يا سيادة الوزير الهمام المهم: لماذا لا تزكي عن صحتك وعافيتك وتساهم في إيجاد حل للمعاقين «النائمين علي رصيف مجلس الشعب اعتصاماً واحتجاجاً» بتوفير هذه الأكشاك لكي يستطيعوا مواصلة حياتهم التي لم توقفها الإعاقة بقدر ما أنهكها ظلم الحكومة والمسئولين وعدم الإنصات لهم أو حتي الانتباه لوجودهم. بالطبع ستسألني الآن... ما العلاقة إذاً بين حديثي عن النظافة وأكوام الزبالة وبين الحديث عن العنف الاجتماعي والقرارات السطحية والظلم وانحدار وتدهور السلوكيات وازدواجية التفكيروارتباك القيم. ببساطة... إنه حوار أو بمعني أدق حالة الفضفضة التي تشبه «الاسكتشات»، التي تتم بين بعض الناس في جلسة ما أو علي عشاء أو في سهرة وربما في عزاء أو في لقاء عائلي أو علي مقهي أو لملء فراغ الحديث قبل بداية فيلم سينما..... إلخ هذه حالتنا... حالة حوارنا... حالة تعبيرنا..حالة عيشتنا وعشوائيتنا. عند لحظة ما ينتهي الحوار أو ينقطع...أما الزبالة والظلم والعنف و............... لا ينتهون إلي متي... لا أعرف!! من يعرف..عليه بأن يبدأ الحوار ثانية.