في الثاني والعشرين من يوليو، قبل سبع وستين سنة، تسلل إرهابيون، من منظمة "الإرجون" الصهيونية، إلى بهو فندق الملك داوود، بالقدس المحتلة، لتنفيذ أوامر، مناحيم بيجن، رئيس المنظمة الإرهابية آنذاك، بتفجير الفندق، فزرعوا قنبلة، أتت على الجناح الجنوبي، حيث مقر قيادة الانتداب البريطاني، وهم يتنكرون بملابس عربية. عملية التفجير استهدفت تحديدًا، التعجيل بخروج الإنجليز، لكى يرث الإسرائيليون، "أرض الميعاد"، وقد حصدت الجريمة، واحدًا وتسعين قتيلًا، منهم سبعة عشرة يهوديًا.
تبدو المقدمة السابقة، محاولة خبيثة، لشيطنة الإخوان، واتهامهم بسفك دماء البسطاء، الذين اعتصموا أمام مقر الحرس الجمهوري، بذريعة تحرير الرئيس المعزول، والخروج به، كما يقول داعية الفتنة، صفوت حجازي، محمولًا على الأعناق، فيعود إلى مباشرة أعماله رئيسًا للبلاد، و"توتة توتة خلصت الحدودتة"!
وفي الحقيقة، إن محاولات شيطنة الإخوان، قد اختلط فيها الزيف بالصدق، والباطل بالحق، والمؤسف أن الخلاف السياسي، قد حدا بالبعض، إلى أن يأخذون عن رموز نظام الساقط مبارك، اتهاماتهم لإخوان جزافًا.. ومن ثم يرددون الكلام ببغاويًا.
حرب قذرة.. على كل شريف التطهر من دنسها، فمهما كان من شأن الخلاف، وأيضًا العداء والكراهية لنظام للإخوان، لا يجب أن ننسى أن نظام مبارك، لم يكن رشيدًا راشدًا، فكلا النظامين، فاشل فاشي مجرم وعميل.. وكل ما في الأمر أن فلول المخلوع الأول، يبتغون تصفية الحسابات، مع فلول الثاني.
على أني رغم احتقاري، الذين لعقوا أصابع مبارك، وباسوا حذاءه، ثم أصبحوا ثوارًا فجأة، ورغم التزامي الحياد، وميلي إلى التشكك، إزاء التهم، التي يصبون على الإخوان صبًا، ورفضي الشيطنة الممنهجة، إلا أنني لم أجد منطقية، فيما يقول به الإخوان، من أن قوات الحرس الجمهوري، أطلقت عليهم النيران، فيما كانوا لله ساجدين راكعين.
صحيح أننا إزاء مذبحة متكاملة الأركان، ودماء حرام، تدمي قلب، كل شريف، وتوجع ضمير، كل حر، بغض النظر عن موقفه السياسي، والأغلب أن الجيش أفرط في العنف، لكن التفكير في الجريمة، باعتبارها "فعلًا سياسيًا" في المقام الأول، لا يستقيم، مع الأخذ برواية الإخوان المهترئة، والراجح أن الأمر يجب أن ينطلق من سؤال: لماذا يقترف الجيش هذا الإثم العظيم؟
إن ترديد "عبارات معلبة"، على شاكلة: جيشنا الوطني، وحماية الثورة، وخير الأجناد.. ليس يجدي نفعًا، في تأويل المشهد الضبابي، فهذا كلام عاطفي، مكانه المصاطب، ورواية الجيش الرسمية، لها ما ينسفها في روايات الإخوان، والعكس صحيح، ومن ثم ليس إلا البحث فيما وراء ال "لماذا"، التي يطرحها السؤال، عسى أن يفضي التعليل، إلى الحقيقة، أو ما هو أقرب إليها.
ليس خافيًا، أن الجماعة، تريد أن توحي دوليًا، بأن حدث في مصر، انقلاب عسكري، فالمعزول له أنصار مؤيدون، مثلما له معارضون، ولولا تدخل الجيش، لأمكن تحقيق التوافق، الذي يحفظ مدنية الدولة، والمؤكد أن توريط الجيش، في جريمة اغتيال، أكثر من خمسين مدنيًا، سيعزز الأسطورة الإخوانية.
في البحث الجنائي، يقال: فتش عن المستفيد، من الجريمة، ويبدو أن الاستفادة من الدم الحرام، لن تعود إلا على الإخوان، الذين يحاولون باستماتة المتاجرة بالأرواح، وشروط هكذا تجارة تقتضي تضخيم المأساة، بأكاذيب تمعن في الفجور، إلى درجة نشر صور، لشهداء من أطفال سوريا، والزعم بأنهم ضحايا "المذبحة"، ومع الأكاذيب، لا بأس من إطلاق استغاثات قميئة، بالولايات المتحدة، لإعادة الإخوان إلى كراسي السلطة، كما وضعتهم عليها عنوة.
والمؤكد أن هذه الاستغاثات، وإن كانت عالية النبرة، لن تجد آذانا صاغية، وهذه حقيقة، يفهمها قيادات الإخوان يقينًا، فعقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، والتدخل عسكريًا في بلد محوري، مثل مصر، ليس قرارًا يستطيع أوباما تمريره، نظرًا لتعقيدات، تتعلق بموقفه الهش أمام الكونجرس، بعد أن بدد المليارات، تنفيذًا لمخطط تحويل الربيع العربي، من ثورات حرية، إلى حروب طائفية، تؤدي إلى تقسيم المقسم، وتفتيت المفتت، كما يذهب المستشرق الأبرز، برنارد لويس، مستشار البنتاجون، في خطة اعتمدت سريًا، قبل نحو خمسة وثلاثين عامًا.
إذن.. لماذا؟
إن جماعة الإخوان، ذات التاريخ، الذي يمعن في الميكافيلية السياسية، قد سقطت حتميًا، وصار أمرها مقضيًا، ولعلها لن تقوم لها قائمة، على المدى القصير، والمتوسط، وربما يصبح إقصاؤها من الحياة السياسية، رصاصة رحمة، تجهز عليها، الأمر الذي يؤرق التنظيم الدولي، كون إقصاء الإخوان، في مصر، سيشعل بالضرورة، ثورات تجتث التنظيم كليا، من المنطقة بأسرها.
إذن.. فليكن الدم ورقة تفاوضية، تخرجها الجماعة من جعبتها، فتكسب شيئًا، بعد أن خسرت الكثير، في مقامرة مجنونة.