الرئيس السابق بدا فى جلسة إعادة محاكمته أمس فى حالة نفسية جيدة. شعر مصبوغ ومصفف جيدا، ابتسامة واثقة، وتلويحات رئاسية على الطراز القديم، وتبادل للأحاديث الهامسة مع نجليه تدل أيضا على ثقة غير طبيعية، والمشهد يكتمل بتنحى القاضى، وهو ما يعتبره أنصاره فى الخارج انتصارا كبيرا، فبحسب هؤلاء فإن الأوراق فى يد القاضى أكدت براءته، ولهذا آثر الانسحاب. نعم.. بدا مبارك غير مكترث وغير مبالٍ وشامتا، وبدا كأنما يوجه تلويحته من وراء الأسياخ الحديدية للقفص إلى مرسى والإخوان والمرشد، تلويحة شماتة، ممتزجة بكثير من الشكر، كأنه يقول لعدوه القديم «شكرا» لأنك أعدت الاعتبار إلىّ دون أن تقصد. شكرا على أفعالك السوداء، وفاشيتك، وشيطنتك. شكرا لأنك حاصرت المصريين بالغلاء والأزمات المختلفة، نقص السولار والبنزين، انقطاع التيار الكهربائى للدرجة التى أعادت مصر إلى عصور الكهوف. شكرا لأنكم ضيّقتم على الإعلام وعلى الحريات العامة. شكرا لأنكم سحلتم الثوار، وطاردتموهم، وألقيتموهم فى السجون، كما كنا نفعل معكم. شكرا لأنكم أثبتم أنكم تلاميذ نجباء، وتفوقتم علينا. شكرا لأنكم حققتم مقولتنا «أنا أو الفوضى». كانت تلويحة أيضا لأبنائه ممن قطعوا مسافات من المحافظات، جاؤوا يبحثون عن أمانهم الضائع متمسكين بأمل واهٍ فى النطق ببراءة محبوبهم، وهى كذلك تلويحة للشعب «ألم أقل لكم؟ لماذا لم تصدقونى؟ لماذا لم تصبروا؟ ولماذا جئتم بالإخوان؟».
وحتى تكتمل الصورة ظهر جمال مبارك أيضا واثقا بدوره، لا يمسك بالمصحف مثلما جرت العادة، ملامحه مصطبغة بهدوء ملحوظ. لم يحاول هو أو شقيقه الأكبر علاء مداراة والدهما كما كان يجرى فى الجلسات السابقة، بالعكس كانا حريصين على أن يفسحا المجال للعيون والكاميرات لترصد الشماتة داخل القفص. وبالطبع كانت الصورة واضحة للجميع ووصلت إلى الثوار الذين وجهوا اللوم إلى الإخوان، مؤكدين أنهم السبب فى ثقة مبارك ونجليه ورجال نظامه، مؤكدين أن نضالهم السابق سيستمر ضد نظام الجماعة الذى يعتبر إعادة إنتاج للنظام السابق. وبعد إعلان القاضى تنحيه ضجت القاعة بصراخ مؤيدى مبارك مما أدى إلى اشتباكهم لفظيا مع المدعين بالحق المدنى، وكاد الأمر يتطور، إلا أن الأمن تدخل وفض بينهم بساتر بشرى. وفى أثناء الاشتباك خرج المحامى فريد الديب ممسكا بيد محمد عبد الفتاح الجندى المحامى وخلفه عصام البطاوى المحامى والمحامون الكويتيون، بهدوء وسط حراسة أمنية مشددة من رجال الأمن بعد انشغال أنصار مبارك بالاشتباك مع المدعين بالحق المدنى وتبادل السباب والشتائم والوعيد، وصرخت إحدى أنصار مبارك «انتم خرفان وآخركم شهر سبعة».
فى الخارج دارت اشتباكات بين مؤيدى الرئيس وأسر الشهداء، حيث تبادل الطرفان التراشق بالحجارة والهتافات، بعدما اعتدى عدد من أنصار مبارك على المحامى أمير سالم، المدعى بالحق المدنى عن أسر الشهداء، وحاولوا تحطيم سيارته، ووضعوا صورة الرئيس مبارك على سيارته، وتدخلت قوات الأمن لفض الاشتباك، وتمكنت من صرفهم. وقال المستشار أحمد فهمى رفعت، قاضى محاكمة القرن «قضية مبارك» ورئيس محكمة جنايات شمال القاهرة، ل«التحرير» إن «قرار قاضى جلسة إعادة محاكمة الرئيس السابق مبارك، وبقية المتهمين المستشار مصطفى حسن عبد الله، بالتنحى عن نظر القضية لاستشعاره الحرج وإحالة أوراقها إلى محكمة الاستئناف فى القاهرة لتحديد دائرة جديدة، قانونى ومن حق قاضى المحاكمة اتخاذه وهو إجراء طبيعى».