عجيب أمر المعارضة الداخلية فى الإخوان، فرغم أن معظم رموزها، وتحديدا فى السنوات القليلة السابقة، على ثورة 25 يناير، قد ذاقوا الأمرَّين فترات طويلة فى صفوف الجماعة، ودفعوا ثمنًا غاليًا جراء مواقفهم المناوئة للقيادة، تراوح ما بين التنكيل وتشويه السمعة والتشكيك فى الإيمان والإقصاء، فى حده الأدنى، أو الوقف والتجميد والفصل نهائيًّا فى حده الأقصى، إلا أن تلك المعارضة فشلت حتى الآن فى الانصهار فى بوتقة جامعة، وظلت على تشرذمها وتفتُّتها من دون أن تجتمع تحت مظلة واحدة. أسماء إخوانية عدة، معظمها قيادات سابقة فى الجماعة، طالما حملت على عاتقها منذ منتصف تسعينيات القرن الماضى، مهمة توصيل وجهات نظرها ونظر شريحة عريضة من شباب الجماعة وكوادرها إلى مكتب الإرشاد ومجلس الشورى العام، وحثهما على ضرورة التغيير والإصلاح والتخلى عن أساليب القمع والديكتاتورية الممارسة على القواعد، واستبدال آليات الديمقراطية الحديثة بها، غير أن تلك الأسماء على عكس المتوقع، خصوصا بعد سقوط مبارك ونظامه، ووصول أول رئيس إخوانى إلى سدة الحكم، لم تسعَ جدِّيًّا للاتحاد، أو لتشكيل كيان مُوازٍ للجماعة التى كشفت عن وجه استبدادى قمعى، يسعى للتمكين والأخونة، على جثة الثوابت الوطنية والثورة، بمجرد أن دانت لها السلطة.
الأدهى أن بعض المعارضين لمشروع الهيمنة الإخوانية، من أبناء الجماعة فى الماضى القريب، نسوا فجأة نضالهم السابق، وباتوا يستحقون اليوم لقب «خدم السلطان» بامتياز، وأصبحوا يزينون لمحمد مرسى وجماعته هتك القانون وهدم مؤسسات الدولة وملاحقة المعارضة والإعلام والتيارات الليبرالية والعلمانية، إما طمعا فى مكاسب شخصية ضيقة، وإما تحت وطأة خوف لا مبرر له من هدم المشروع الإسلامى حسبما يروج الإخوان على غير الحقيقة.
القيادى الإخوانى الشاب، المهندس السكندرى هيثم أبو خليل، وهو منشق عن الجماعة قبل نحو عامين، حاول فى كتابه «إخوان إصلاحيون.. شهادات تُنشَر لأول مرة عن تجارب الإصلاح الممنوعة داخل الجماعة»، والصادر عن دار «دوّن» للنشر والتوزيع، أن يضع يده على أزمة معارضى الإخوان من أبنائها السابقين فى الوقت الراهن، والإشارة إلى تجاربهم الإصلاحية والثورية ضد قيادات الجماعة.
دون مواربة يقول أبو خليل إن «عدم توفيق الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح فى الانتخابات الرئاسية، وتأخره فى إنشاء حزب يلمّ فيه شتات الإخوان الإصلاحيين وغيرهم من أبناء التيار الوسطى الإسلامى، هو إعلان عن إخفاق جيل السبعينيات وجزء من جيل الثمانينيات فى فرض فكرتهم الوسطية التصالحية الإسلامية داخل المجتمع المصرى، متزامنا ذلك مع نجاحات سياسية هائلة حققتها جماعة الإخوان المسلمين بقياداتها الحالية (قيادة التنظيم القطبى) ووصولها إلى أعلى منصب فى البلاد (الرئاسة). بكلام آخر فإن الرهان والأمل الباقى فى تطوير الجماعة، خصوصا بعدما أخفق أبو الإصلاحيين الإخوان، عبد المنعم أبو الفتوح، فى تجميع شتاتهم، ينحصر فى مقدرة ذلك التيار الإصلاحى (أو التيار الأصلى فى الإخوان كما يطلق عليه أبو خليل)، الذى انقسم على نفسه وتوزع، حتى الآن، فى أكثر من خمسة أحزاب سياسية، على أن يعيد صياغة وإنتاج نفسه مجددا، بحيث يندمج ويتكتل مع قوى أخرى، لعله يتمكن من تحقيق نجاح مؤثر لو أخفق الآخرون.
لكن السؤال الذى لم يتطرق إليه أبو خليل، لإثبات مدى صحته أو خطئه: هل اتخذ دعاة الإصلاح فى الإخوان ما قبل الثورة، مواقف مضادة لقيادات الجماعة والتيار القطبى المهيمن عليها، من منطق ثورى حقيقى، أم من منظور شخصى بحت؟ السؤال الحرج يبدو منطقيًّا فى ظل تحول نفر من قيادات الإخوان السابقين مؤخَّرًا لسياط فى يد مكتب الإرشاد لجلد معارضيه.