الابراهيمي وحده وكأنما (ضرب بالرمل) طلب منذ ايام عدم تسمية مايجري في سورية بصراع بين حكومة وإرهابيين. واشنطن تدين الإرهاب وتبرره في يوم واحد
أفشل الرفض الأمريكي صدور بيان مجلس الأمن الدولي يوم الخميس21 فبراير/شباط بصيغة روسية تدين الهجمات الإرهابية في دمشق. وأعلنت الممثلية الروسية أن هذه ليست أول مرة يعرقل فيها الوفد الأمريكي الرد اللازم من قبل مجلس الأمن الدولي على هجوم إرهابي ويربطه بقضايا أخرى. هذا رغم أن واشنطن كانت قد أدانت بشدة هجمات دمشق في اليوم نفسه، وقالت فيكتوريا نولاند المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الأمريكية إن واشنطن تنوي مناقشة هذا الموضوع مع المعارضة السورية. مضيفة أن واشنطن لا تعرف من يقف وراء هذه الأعمال الإرهابية وما هي أهدافها. المعارضة السورية أيضا لاتعرف من قام بهذه الأعمال، وقد سارع الائتلاف الوطني السوري المعارض لإدانة التفجيرات التي وقعت في دمشق، وأدت إلى سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى بين المدنيين. ولأول مرة لم تتبادل السلطة والمعارضة الاتهامات بتنفيذ التفجيرات.
الضرورة الملحة للحل السلمي تجعله ممكنا
نولاند لم تقل الحقيقة في تصريحاتها، فكل مراقب يعرف أن هدف التفجيرات هو خلق البلبلة ومحاولة نسف أي تقدم ممكن على طريق الحوار، وليس صدفة أن الهجوم الإرهابي تعرض للسفارة الروسية في دمشق في الوقت الذي تتحول فيه موسكو إلى مربط خيل العرب الساعين للحل السلمي في سورية. الابراهيمي وحده وكأنما (ضرب بالرمل) طلب منذ ايام عدم تسمية مايجري في سورية بصراع بين حكومة وإرهابيين. ماذا نسميه إذاً عندما يحصل هجوم إرهابي؟ الابراهيمي محق بلا أدنى شك، وهو ينظر للمستقبل الذي قد تعرقله التسميات، ويرى التوصل في الوقت الحاضر إلى حل سلمي للأزمة صعبا جدا، لكنه ضرورة ملحة، وبدونه سيتم تدمير البلد بالكامل. يقصد الابراهيمي أن الضرورة الملحة للحل السلمي تجعله ممكنا، فبرأيه ليس هناك من يريد تدمير سورية، ومن هنا تبدأ سياسة النأي بالنفس، السياسة التي يجب تشجيعها لتسهيل التوصل إلى الحل السلمي، حين تبتعد المعارضة عن المجموعات السلفية والتكفيرية التي كانت جزءا منها، وتبتعد الدول عن التنظيمات الإرهابية التي كانت تمولها. وكما قال هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي، جميع الأطراف متفقة على أن الحل في سورية يجب أن يكون سياسيا بعد فشل الحل العسكري. وبرأيه يجب أن يجري الانتقال السياسي في سورية عبر عملية ديمقراطية مدروسة، ومن المهم معرفة من سيأتي بعد الأسد. وزيباري يبني على تجربة العراق المريرة.
عقدة الأسد ليست معقدة إلى الدرجة التي تصوّر بها
وفي ذات السياق حذّر دميتري مدفيديف رئيس وزراء روسيا الاتحادية من ان النزاع المسلح في سورية سيتواصل حتى بدون الاسد، إذا لم يتفق السوريون فيما بينهم. وربما هذا الفهم لثانوية مصير الأسد رغم أهميتها حسب مدفيديف، دعا الائتلاف السوري المعارض إلى الموافقة على المفاوضات مع الحكومة، بشرط أن لا يكون الأسد طرفا في أي اتفاق، ولكن دون الإشارة صراحة إلى شرط تنحيه عن السلطة. بينما تشترط السلطات السورية للحوار ألا يكون مشروطا.
كل الطرق المتصلة بالازمة السورية تقود الآن الى موسكو، وقد نشأ شبه إجماع دولي ضمني يعترف بدورها في تسوية الأزمة السورية وفقا لرؤيتها القائمة على سيادة القانون الدولي وميثاق هيئة الاممالمتحدة، وضمان دور فعلي ورئيسي للمنظمة الدولية. حتى أن الائتلاف السوري المعارض أعلن أن أي اتفاق ينبغي أن يكون تحت رعاية الولاياتالمتحدةوروسيا. والمنتدى الروسي العربي تتوج ببيان ختامي يتضمن تقييما مشتركا للاوضاع في سورية، وموقفا مشتركا يدعو للاسراع في وقف العنف والبدء بحوار مباشر بين الحكومة والمعارضة، على اساس البيان الختامي لمؤتمر جنيف الصادر في 30 يونيو/حزيران 2012.
وحسب لافروف، فان روسيا مستعدة لتهئية ارضية ملائمة للحوار بين المعارضة والحكومة السورية. وهي تعمل فعلا لتهيئة هذه الأرضية، وبعد وفد الجامعة العربية سيزورها وليد المعلم وزير خارجية سورية، ثم معاذ الخطيب رئيس الائتلاف المعارض، وسيكون الملف السوري موضوعا رئيسيا لمباحثات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيره الأمريكي جون كيري في برلين. وسبق أن أشار الاثنان إلى أنهما يريدان العمل سوية للدفع بأطراف النزاع إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات وبدء عملية الانتقال السياسي.
كيري يقوم بجولة في بلدان أوروبا والشرق الأوسط ستكون سورية عنوانها وقاسمها المشترك، فهي ستبرز في كل محطاته من بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا حيث سيحضر اجتماعاً دولياً حول سورية، وسيجتمع بقيادة «الائتلاف الوطني السوري»، إلى تركيا ومصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية وقطر. كل هذه البلدان التي ساهمت بدرجات متفاوتة في التأثير على الوضع السوري ستستمع إلى الموقف الأمريكي الصادر عن الواقع الجديد في واشنطن، وستدفعها المصالح الوطنية إلى إدخال تعديلات على تعاملها مع الملف السوري باتجاه مساعدة الحوار والنأي بالنفس عن المنظمات الإرهابية.