مصر كانت زمان .. كلمة أجمع عليها كل من سألناهم عن رأيهم فى الفوارق التى يرونها بين بلدنا مصر فى الوقت الحالي وأيام زمان فى كل شيء " عمل ، عبادة ، تعليم ، صحة ،مشاركة سياسية ، خدمات ، واجبات ، سلوكيات وأخلاقيات ، أدب ، فن ، مسرح وسينما ..... إلخ " ، الجميع اتفقوا على أن الوضع الآن ليس له مثيل من السوء ، لكن كانت الاختلافات حول بعض الأمور الشكلية التى رأى البعض أنها أفضل حالياً من أى وقت مضى . ومما لا شك فيه أن هناك ايجابيات فى العصر الذى نعيش فيه إلا أن السلبيات طغت عليها حتى كادت أن تخفيها وسط زخم المشاكل والهموم التى يعانى منها الشعب المصرى كل يوم منذ أن يخرج المواطن صباحاً بحثاً عن الرزق وحتى يعود فى المساء منهكاً من الهموم والمصاعب التى واجهها فى يومه الثقيل ، يرجع إلى بيته ظناً منه أنه سيجد الدفء والحنان مع زوجته وأولاده ليفاجأ بكم هائل من المشكلات التى تبدأ الزوجة فى سردها على مسامعه ، ليبدأ سيل من الخلافات الزوجية التى كثيراً ما تنتهى بالطلاق وتدمير الأسرة ، وذلك ليس عيباً فى الزوج أو الزوجة ، وإنما هى أمور متراكمة تنفجر فى لحظة معينة. قالها الفنان أشرف عبد الباقى فى فيلم " بوبوس " مع النجم الكبير عادل إمام " إحنا بنموت كل يوم ومحدش سائل فينا ياريس " والآن يرددها المواطنون فى الشارع ، هناك أمور تكاد تطبق على أنفاسنا لتكتمها ، لم نعد نتحمل ما نمر به من ظروف ، من غلاء الأسعار ، من البطالة ، من سوء الخدمات الصحية المجانية ، من الكثير والكثير .. ياه فين أيام زمان .. دى مصر كانت أحسن من كده أيام الاحتلال .. هكذا ردد كثير من المواطنين الذين التقينا بهم فى هذا الموضوع ، منهم من ذكر اسمه ومنهم من خاف كعادتنا فى هذه الأيام .. وحتى نكون مختلفون ابتعدنا عن الكلام السياسي والأكاديمي لنأخذ رأى البسطاء أصحاب القضية الحقيقية فماذا كانت آراءهم .. السطور القادمة تجيب على هذا السؤال. محمد حسن يقول : الحياة كانت زمان أحسن من اللى احنا فيه بكتير كان فيه طيبه وحب بين الناس ، وكان الجار بيسأل على جاره لو مسمعش صوته ، ولو كان مسافر يخلى المدام تسأل على أولاده وزوجته ، وكان فيه حياء .. إنما دلوقتى لا في حياء ولا فيه حب ولا فيه عطف ولا حتى الطيبة اللى كان المصريين مشهورين بيه ، إلا من رحم ربى " يقصد القليل " ، يعنى مثلا دلوقتى تلاقى شاب يجلس فى المترو أو الأتوبيس وبجواره واحد عجوز مثلى لا يمكن يقف ويقعده مكانه ، وتلاقى واحد أو واحده مقعدين أولادهم على المقاعد والناس لا تجد مكان للوقوف .. وردد بحسره آه يرحم أيام زمان. أما إبراهيم يوسف مدرس خدمة اجتماعية فيقول : طبعاً حصل تغيير كبير فى سلوكيات الناس ، ومش الشباب وحدهم ، فقد تغير سلوك الفتيات باختلاف الأعمار ، وكذلك سلوك الكبار الذين لا يعطفون على الصغير ويطالبونه بأن يرحمهم ، وتراهم دائماً فى عصبية ويلعنون الزمن الذى نعيش فيه شاكين من سوء أخلاق الشباب ، وإذا أردنا أن نعرف السبب ، فلنعرف أن هؤلاء الشيوخ هم المسئولين ، لأنهم هم الذين ربوا الأجيال الموجودة حالياً وها هم يجنوا ما زرعوه ، ولكن لا يتحملون الذنب وحدهم فالمدرسة لها دور فى التربية ، ودور العبادة لها مشاركة فى تربية وتهذيب النفس البشرية سواء المساجد أو الكنائس. وأضاف إبراهيم : السينما والمسرح والمسلسلات ووسائل الإعلام كان لهم تأثير سلبى كبير فى هذه السلوكيات التى نراها فى الوقت الحاضر ، فالكارثة أن صناع السينما الذين يبحثون عن جنى الأموال يزجون بألفاظ غريبة فى الأعمال سواء السينمائية أو المسرحية بهدف إجبار المشاهد على الضحك ، كما يعرضون مشاهد يستحى رب الأسرة من مشاهدتها وأسرته ، وقد سمعت طفلين من أبناء الجيران وهما يشاهدان التلفزيون يقول أحدهما للأخر هو ده المشهد اللى بيبوسو بعض فيه " . إحنا بنموت كل يوم 100 مرة .. بنموت فى الزحمة الشديدة .. بنموت فى الإشارة المرورية .. بنموت فى الشغل المهلك للصحة .. بنموت لحد ما ييجى المرتب .. بنموت لما يضيع فى لحظات .. بنموت لما تطلب منا أشياء للمنزل ولا نتمكن من إحضارها .. وغيره وغيره .. هكذا بدأ رامى سعيد حديثه عن مأساته مع الحياة فى مصر هذه الأيام ، والحقيقة أن هناك 80 مليون رامى فى مصر يعانون ما يعانى ويموتون مثله كل يوم 100 مرة .. رامى قال : أنا عمرى 35 سنه يعنى مشفتش مصر قبل الثورة مثلا كانت ازاى ، لكنى اعتقد ان مصر زمان كانت أفضل من اللى إحنا فيه دلوقتى ، باعتبار أن الوضع المأساوي الذى نعيش فيه لا يمكن أن يكون قد واجهه المصريون من قبل . وأضاف رامى : تزوجت منذ خمسة أعوام ولدى طفلتان بالكاد يكفى مرتبى الذى احصل عليه من عملى حاجة البيت والبنات ، ولكى استطيع ان اوفى بالتزامات بيتى اعمل عمل آخر بعد الظهر مما يعنى بقائي بالشارع من الساعة السابعة صباحاً حتى الثامنة أو التاسعة مساءاً ، لأعود إلى البيت منهكاً لا استطيع الجلوس مع بناتى الا لدقائق معدودة لأذهب للنوم حتى استطيع الاستيقاظ مبكراً لمواصلة عملى ، وهذا هو الحال القائم فانا لا أشعر اننى بنى آدم . هبه عادل موظفة قالت : طبعاً مصر زمان كانت أحسن من دلوقتي بكتير ، الواحدة مننا تخاف تمشي لوحدها في أي وقت سواء بالليل أو النهار ، لأنها لو مشت لوحدها بالليل ستكون عرضة للاغتصاب ، ولو مشت لوحدها بالنهار لن تسلم من المعاكسة والتحرش ، ولكن للامانه ده ما بيحصلش مع كل السيدات ، لأن الست المحترمة تعرف توقف أي حد عن حده لكن ده بالنسبة للمعاكسة والتحرش أما الاغتصاب فده ما بيفرقش مع المحجبة أو المتبرجة ، فالكل سواء أمام الشاب المريض نفسياً .. لكن أنا والله ألتمس بعض العذر للشباب يعن لو الدولة موفرالهم سبل العيش الكريم والزواج ميعملوش كده. الحاج سعد محروس يقول : إن مصر فى الماضي كانت أفضل مما هي عليه الآن فى كل شيء ، فمثلاً الأحاسيس الوطنية قد تغيرت عن أيام الاحتلال والمقاومة فكنا وقتها كلنا بنحب البلد وبنضحى بأرواحنا علشان غيرنا يعيش ولا أسي أحد أصدقائي الذي قتل ولم يعترف للانجليز عن مكاني عندما كنا من الفدائيين المقاومين للاحتلال الانجليزي ، لكن الآن أصبح في حزب حاكم وأحزاب معرضة " مالهاش لازمة " حسب تعبيره ، فهي لا تفعل شيء سوي الهجوم علي أي حكومة تأتي وإن كانت الحكومات سيئة بالفعل ، لكن ما الذي تقدمه تلك الأحزاب لمصر؟ وأضاف الحاج سعد إنه يتمني أن تكون مصر دوله ديمقراطية بالفعل ويكون كل الناس متساوون فى الحقوق وفي الواجبات والالتزامات تجاه الدولة ، وأن ينتهي عهد الكوسة الذي حرم المبدعين من البسطاء من الحصول علي أدني حقوقهم ، في الوقت الذي أعطي فيه لأبناء الكبار المسنودين " علي حد تعبيره " الحق في كل شيء فالوظيفة تنتظره من قبل أن يولد من بطن أمه ، وبأعلى راتب في البلد ، ومش مهم يجيب مجموع في الثانوية لأنه هيدخل أعلي الكليات " الناس دي مبتتحاسبش بالمجاميع ، دي بتتحاسب بالعملة الصعبة " حسبما ذكر .. الله يرحم أيام زمان .. دلوقتى خير الأرض قل وبقينا بنأكل بالمبيدات ، والفواكه والخضروات مالهاش طعم ولا ريحه .. إيه اللي بيحصل في البلد مش عارفين؟ محمد رفعت سألناه عن خفة دم المصريين فقال : خفة الدم كانت زمان تخرج بتلقائية وعفوية فكانت تخرج من القلب وتصل إلى القلب ، أما الآن فنري أن ما يحدث غريب علينا كمصريين " أي كلام فاضي ، تنكيت مالهوش لازمة ، استظراف ، حتى الضحك أصبح صناعي " فالواحد عندما يسمع نكته إما يضحك علي منظر قائلها أو يضحك مجاملة له ، والاثنين يصيبون بالإحباط ، لكن أنا رأيي إن الظروف الصعبة اللي بنمر بها هي التي أبعدت الفكاهة عن المصريين ، " لأن كل واحد فيه اللي مكفيه " كما يقول المثل ، كلنا نمر بظروف مادية ونفسية ومعنوية سيئة وربنا يعدي الأيام الجاية علي خير. شاب رفض ذكر اسمه قال : أنا لم أر مصر زمان لكن الحال في الوقت الحالي كما يقولون " لا يسر عدو ولا حبيب " ، يعن مثلاً الناس مبقتش بتستحمل بعضها وكل واحد عايز يأكل أخيه ، وحوادث القتل بتحدث بدون أي لازمه ، ولا أسباب مقنعه ، وربما تحدث مشاكل بين عائلات كبيرة بسبب أي أمر تافه ، والبنات كمان أصبحت مستفزة بطريقة غريبة ، سواء في الزى الذي ترتديه أو في حركاتها وطريقة مشيها ، وفي الآخر يلوموا الشباب اللي بيعاكس أو يتحرش بالفتيات ويرفعوا عليه قضيه ويحبسوه ، طيب ما نفكر مع بعض هو بيعاكس ليه وبيعاكس مين ؟ أكيد هنلاقي الشاب غير قادر علي الزواج ، وأحواله المادية صعبة جداً فيحاول أن ينفس عن نفسه بأي طريقة يصورها له الشيطان ، الذي يجد ضالته في البنات المستفزة.