لابد أن يرتدي كل منا قناع الحمار حتى يقبل ما يحدث في مصر الآن، فأي عاقل لابد أن يفقد صوابه إذا ما حاول أن يفهم الكيفية التى تدار بها البلاد الآن، حتى الذين سرقوا الثورة وقفزوا عليها وعلى مكاسبها المرجوة، أطاحوا بالجميع بانتهازية سياسية يجب أن تُدرس، وبفجاجة لم تهتم حتى بإخراج سيناريو جيد يضحكون به على عقول الشعب ويخفوا الإجرام الذى تعاملوا به للاستيلاء على البلد، كغنيمة لا كوطن، وتلك هى جريمتهم الكبرى. لقد تصدى هؤلاء للحكم وهم يعرفون أنه ليس لديهم ملكات الحكم، فلا كفاءة ولا كوادر ولا خطة، ولا حتى فكر مستنير يدفعهم إلى الاستعانة بأهل الخبرة لإنقاذ البلاد، ومع ذلك لم يختشوا.. وهيمنوا على الوطن وتصدوا لإدارته فى أشد الأوقات السياسية حساسية فى تاريخ مصر المعاصر. لقد قلت قبل ذلك إننا مستعدون للتعامل مع الشيطان ذاته، إذا ما أحسن الإدارة وأقام العدل، وحقق للشعب مطالبه وآماله بعد أن صبر على ما لا يصبر عليه أحد، ودفع ثمن الحرية بعد أن كنا نعاير من مجتمعات ديموقراطية كانت تتهمنا بالرغبة في التغيير دون دفع تكاليفه، وها نحن دفعناها، فماذا حصدنا؟... مطامع انتهازية، وصفقات مشبوهة، وفتح ماسورة أفكار مريضة وهلاوس سيكوباتية، وفتاوى دينية غريبة وشاذ عن المعلوم من الدين الصحيح، واستدعاء للقتلة والاحتفال بهم كأبطال قوميين، وشق قلب المجتمع واللعب بالكارت الطائفي، وأخيرًا محاولة استنساخ نظام المخلوع الفاسد ولكن بإضافة "لحية"، ثم استخدام داعر للمقدس في تحقيق أحط المطامع السياسية والمادية.
هم تصوروا أنه بعد إفقار الشعب وتفشي البطالة، بعد أن انضم إلى طوابيرها أعزاء قوم ذُلوا بعد انهيار السياحة وإغلاق آلاف المصانع وانهيار كثير من المؤسسات والمشروعات، وبالتالي الاستغناء عن الموظفين، أنهم سيقبلون بعد اليأس والترويع بمبادلة الأمن بالحرية، و"توتة توتة خلصت الحتوتة" و"أيوب بعد الضنى لبس حرير فى حرير".
المفاجأة هنا أن الشعب قد تغير، ولن يقبل القهر مرة أخرى، وهو ما لم يفهمه التكفيريون الجدد، ومن ثم فلقد رُوعوا بعد أن رأوا الفشل والجهل السياسي الذي صاحب محاولاتهم لتسريع التمكين، وحتى كرسي الرئاسة بدوا وكأن صدمة الوصول إليه أفقدتهم صوابهم، فضربوا يمينًا وشمالًا.. وصرخوا صرخة الحرب، واعتدوا على كل المبادئ السياسية والاجتماعية والثقافية، وكل ما تعارف وتوافق عليه المجتمع من التعددية الثقافية واحترام حق الاختلاف.
لم يشكروا الله على "ضربة الحظ"، وإنما سعوا جاهدين لتحقيق "خلافة إسلامية" لا وجود لها إلا في أذهانهم، والتي من أجلها قال مرشدهم السابق "طز في مصر"، ونسوا الشعب الخارج عن نطاق الجماعة، وشرعوا فى الانتقام برمي كل مطالب الثورة فى أقرب مقلب زبالة. لقد تعاملوا مع مصر بعد الثورة ك"غنيمة" وليس كدولة، أو كقبيلة أغارت على أعدائها فسلبت ونهبت ما استطاعت، ثم حاولوا تحويل أبناء البلد إلى سبايا، ولكن للوطن رجالًا ونساءً يحموه من الغباء السياسي وميليشياته، والعنف لن يولد إلا العنف بعد اختفاء القانون والعدل.
ماذا كانوا يتصورون؟.. أن يقتلوا أولادنا ولا يُحكم على ضابط واحد، ومع ذلك يتمسكون ب"سلمية التظاهر"، ويقبلون بدولة الميليشيات وإملاءات فضيلة المرشد؟. أسألوا عن الذين دفعوا الشباب من فرط اليأس إلى تكوين مجموعات للدفاع عن حقوق أصدقائهم المغدور بهم، أسألوا أنفسكم يا سادة: من بدأ بالعنف والخطف وتعذيب المتظاهرين على باب الرئاسة؟.. ومن الذي كال بمكيالين، وأعطى القانون والعقل والضمير إجازة؟. أحصدوا ما زرعتم، أما نحن فلن نقبل بعودة الطوارئ التى تعنى موت القانون والحقوق وفتح المعتقلات، وتحول أصغر ملازم فيكي يا داخلية إلى وحش سادى يلقى فى المعتقل بأى إنسان دمه ثقيل على قلبه، ناهيك عن من يرى ذلك الضابط أنه كسر هيبته ونازعه سلطته المطلقة. اليوم هو "يوم المواجهة" بين الذين سرقت ثورتهم، وبين الكذابين وخانثي الوعود والجهلاء.
لقد تحطمت أنصاف الآلهة في مصر إلى غير رجعة، وبات العدل والحق فقط هما المقدس اليوم، وهما اللذان سيحققان الاستقرار والشرعية يا سيادة الرئيس. أما القتل فهو الذي سيقوض ويقلب السلطة على رؤوسكم، فالخوف غادرنا من غير رجعة، وما بعد موت الأبناء شيء نخاف عليه يا قتلة الأطفال، ولا حياة لنا إلا بالانتقام ممن اغتال أمل وحلم أمة بأكملها.
اليوم هو يوم الشباب، وتلك هى ثورتهم، وهم وحدهم الذين يموتون و"تُخزق" أعينهم وتنتهك أعراضهم، وهم الذين كانوا يُعتقلون فى سجون مبارك وطنطاوى، والآن مرسى. النظام لم يتعلم أى شيء ممن سبقه، وربما كان هذا عقاب الله لكى ينالوا نفس المصير.
ربما كان علينا أن نمر بمرحلة "الإخوان" حتى ينكشفوا ويتبخروا من عقول من توهموا أنهم بتوع ربنا، وأنهم يريدون الخير لمصر. والحقيقة أنهم لم يرغبوا في أى خير سوى لجماعتهم، و"طز فى مصر".
ربما كان علينا أن نمر بمرحلة النخبة، وتسقط فيها كل الأقنعة. تلك كانت مرحلة المخاض، واتصور أن سفينة الثورة قاربت على الوصول إلى مرفأها.