"أمريكا ومن يواليها صانعو الإرهاب في العالم"، كان يمكنك أن تسمع مثل هذه الجملة بكثرة في العقد السابق، وفي أثناء ازدهار اسم بن لادن عالميا. ففي هذه الحقبة التي امتدت إلى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين كان نشاط تنظيم القاعدة في إجراء تفجيرات بالعواصم الغربية بل والمحلية كبير، ومع كل تهديد جديد كان يطفو للسطح على لسان الرجل العادي قبل المحلل السياسي أن هذا ما جنتهُ الولاياتالمتحدة على نفسها والعالم. فبن لادن الشاب الثري السعودي الذي استخدمته أمريكا بحجة الدفاع عن الدين والإسلام في دول الاتحاد السوفيتي السابق، ليكون شوكة وحجر عثرة في طريق خصمها الروسي آنذاك في أثناء الحرب الباردة. وهكذا رعت أمريكا هذه المجموعة من الشبان الذين شكلوا النواة الأولى لتنظيم القاعدة، لتضرب خصمها، فما كان من هؤلاء الشباب إلا أن استداروا لضربها وحلفائها عندما انتهت الحرب الباردة، وتفكك الاتحاد السوفيتي ولم يعد لهذا الشباب المتحمس الذي تم شحنه أي عمل. وهكذا عندما حضّرت أمريكا في يوم ما عفريت العنف لم تستطع صرفه.. فهل تعيد الولاياتالمتحدة التاريخ؟ الموقف الأمريكي الحالي من أحداث 30 يونيو كان محيّرا، فالتصريحات متضاربة بين الرئاسة والكونجرس ووزارة الدفاع الأمريكية فتخرج من بعضهم تصريحات قلقة، وأخرى لا تعتبر الرئيس السابق محمد مرسي رئيسا لمصر بعد الآن، وبعد ذلك تصريحات بأنهم يدرسون هل الوضع في مصر انقلاب عسكري؟ وما لبثوا أن يطالبوا بإطلاق سراح مرسي. شد وجذب كبير اعتبرته جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها في صالحها، حتى أصبحت منصة الاعتصام برابعة العدوية تهلل لتحريك قطع من الأسطول الأمريكي لتقترب من المياه الإقليمية المصرية. فهل تصنع أمريكا من الإخوان بن لادن جديدا يتقوى بتصريحاتهم وينمو تحت جناحهم ليكون نواة لإرهاب عالمي جديد، ويكونون هم أول من يُلدغ منه بانقلابه عليهم مرة أخرى، مثلما انقلب عليهم بن لادن سابقا وأدى ذلك إلى تفجير برجي التجارة في نيويورك؟! فبالأمس القريب هاجمت الجماعات الإرهابية، في 11 سبتمبر برج التجارة العالمي، وراح ضحية هذا الاعتداء 2973 ضحية، و24 مفقودا، إضافة إلى آلاف الجرحى والمصابين بأمراض جراء استنشاق دخان الحرائق والأبخرة السامة. هزت هذه الواقعة العالم كله، ولكن الحقيقة أن العالم بل والدول العربية والإسلامية قد ذاقت قبل هذه الواقعة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي من جنون الإرهاب الذي ربّته أمريكا سابقا، ودعمته فانقلب عليها كما ينقلب السحر على ساحره. اليوم تتدخل أمريكا في الشئون المصرية فتدعم هذا وتطلب الإفراج عن ذاك.. فها هي تحشر رأسها في الشأن المصري مطالبة بالإفراج عن الرئيس السابق محمد مرسي، ومحركة قطعا من أسطولها تحسبا لتطور الظروف في مصر -وفقا لتصريح مسئولين أمريكيين نقلت عنهم وكالة رويترز للأنباء- متجاهلة تماما ما يحدث في سيناء من تفجيرات وإرهاب يعيد ذكريات العصر السابق، متجاهلة تصريحات محمد البلتاجي عضو جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لهم، والتي أكدت اتفاق وتعاون الجماعات الجهادية والإخوان، وتخديم الجماعات على الإخوان عن طريق الإرهاب في سيناء للضغط على الداخل المصري للإفراج عن محمد مرسي وهو ذاته الطلب الذي طلبته الولاياتالمتحدة دون حق. فهل تعتقد الولاياتالمتحدة أن من يخدم الإرهاب لن يرد له الجميل يوما؟ فالرئيس أنور السادات ساعد هؤلاء يوما، واعتقد أنهم أهل للثقة، فما كان منهم سوى أن ردوا جميله بقتله، وكما أسلفتُ الذين خرجوا من عباءة أمريكا هم من قاموا بتفجير البرجين الأمريكيين.. فما المنتظر مما يحدث الآن؟ موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم؟ وهكذا فإن الولاياتالمتحدة قد احترفت لعبة التدخل السافر في شئون الدول الأخرى بغير وجه حق، ففي الوقت الذي اختار الشعب المصري الشرعية الثورية وخرج أكثر من 30 مليون مصري إلى الشوارع لرفض حكم جماعة تحاول سرقة البلاد وتهدد بالإرهاب والعنف، تخرج أمريكا لتقف ضد هذه الإرادة الشعبية لأسباب سياسية، وتلّوح بقطع المعونات واعتبار الأمر انقلابا عسكريا، وتطالب حتى بإطلاق سراح الرئيس المعزول لتكرر أخطاءها ثانية. هل من حق أمريكا أن تقف إلى جانب من يتطاولون على مصر والمصريين وعلى المنشآت العسكرية والوقوف ضد الشرعية الشعبية، والوقوف إلى جانبهم ومساندتهم؟ إذا كان هذا حقها فمن حق مصر هي الأخرى التدخل في شئون أمريكا الخاصة بل والعالمية، لكون أمريكا ترعى الإرهاب فيكتوي العالم بأكمله بناره. كما أن التلويح الدائم بقطع المعونة يجعلنا نتساءل أليست هذه المعونة تؤخذ كاستحقاق عن اتفاقية كامب ديفيد؟ فهل إن أوقفت أمريكا المعونة سوف تلغي الاتفاقية أو نعدل بنودها أو لن نلتزم بها؟ فلماذا تتعامل أمريكا مع المعونة وكأنها منحة دون مقابل؟ مع أنها في الواقع هي تبادل مصالح سياسية بشكل كامل. وفي النهاية فإن على دول العالم بأكملها وعلى رأسها الولاياتالمتحدة أن تفهم أن واقعا جديدا يُخلق الآن في العالم وتحالفات قديمة تُهد وجديدة تبنى وأنظمة تسقط وأخرى تصعد.. وأن دعم الإرهاب ومن هم قادرون عليه ويرعونه عمل لن يعود بالخير على البشرية بأكملها.. وأن الدول التي ثارت على حكامها لن تصمت على التدخل الخارجي في شئونها، وأول هذه الدول مصر التي قال عن أهلها الحجاج بن يوسف الثقفي يوما في وصيته لطارق بن عمر عندما دخل العرب مصر فقال: "ولاك أمير المؤمنين أمر مصر، فعليك بالعدل. فهم قتلة الظلم.. وهادمو الأمم وما أتى عليهم قادم بخير إلا التقموه كما تلتقم الأم رضيعها.. وما أتى عليهم قادم بشر إلا أكلوه كما تأكل النار أجف الحطب.. وهم أهل قوة وصبر وجلدة وحمل.. ولا يغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم.. فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا والتاج على رأسه.. وإن قاموا على رجل ما تركوه إلا و قد قطعوا رأسه.. فاتقِ غضبهم ولا تشعل نارا لا يطفئها إلا خالقهم.. فانتصر بهم فهم خير أجناد الأرض.. واتقِ فيهم ثلاثا.. نساءهم فلا تقربهم بسوء وإلا أكلوك كما تأكل الأسود فرائسها.. أرضهم وإلا حاربتك صخور جبالهم.. دينهم وإلا أحرقوا عليك دنياك".