بيت المرحوم الحاج مصري.. بيت أوسع مما اعتيد عليه في البيوت الشعبية.. في المدخل لافته كبيرة مكتوب عليها {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}، يسكنه أرملته الحاجة عيشة، لم يُعرف إن كانت حاجة أم لا، ولم يعرف أصلا إن كانت خرجت من شارعهم من قبل أم لا.
أولاد الحاج مصري: عاصم: الأخ الأكبر.. موظف بالقطاع الخاص في شركة الشيخ فلان عضو البرلمان عن الدائرة، نصف حيادي، نصف متدين، نصف عاقل. علياء: صحفية بجريدة مابيقرهاش غير كتّابها، قاعدتها في الحياة كسر القواعد. عمر: نصّب نفسه مفتي المنطقة صباحا، ومعتكف ليلا ولم ينشغل كثيرا بالبحث عن عمل.
كل يوم الشارع ينتظر تجمعهم ليأنس بتناغمهم كنموذج مثالي للأسرة المصرية في 2013، وأي تشابه بين الأحداث والواقع.. صدفة مش أكتر والله.
***************************
اليوم واحد رمضان.. الحاجة عيشة واقفة في المطبخ عاوزة تلحق تعمل قمر الدين علشان يسقع كويس قبل مدفع الإفطار، وتنظر في الساعة تحسب فاضل أد إيه على خبطة كل واحد من عيالها.. قد تخطئ ساعة بيج بن ولكن "سينس" الحاجة عيشة لم يخطئ.
عمر مقيم في المسجد من ليلة أمس؛ بدأ اعتكافه باكرا جدا.. هو تقريبا في شبه اعتكاف طول السنة، وعلياء في الشغل، أصلها مش بتحب تغيب حتى في الأجازات، وعاصم نايم؛ أول يوم صيام بقى وكده.
تفتح عيشة التليفزيون على تتر برنامج الشعراوي فتدرك أن علياء تأخرت دقائق على ميعادها، تفكر في الاتصال بها لكن الأولوية لقمر الدين، لازم يتعمل علشان يلحق يسقع.
يعود عمر: كل سنة وإنتي بخير يا أمي.. عساكم من عواده.
ترد عيشة إجابة كل رمضان: والله وخلصت يا رمضان باقي عشرتين وتسع أيام وبقية النهار، السنة الجاية تكونوا في بيوتكم يا رب.
عمر: أضحك الله سنك يا أمي! إيه المقولة دي؟! ده رمضان كله بركة! يخرج عاصم من حجرته: كل سنة وإنتم طيبين، علّوا التليفزيون ده شوية خلونا نسمع الشعراوي. عمر بعصبية: تسمع إيه يا أخي، قوم اقرأ لك ورد وإحنا في أيام الرحمة، قوم اغترف من نهر الرحمة يا شيخ.
تدخل علياء عائدة من عملها: رمضان كريم يا رجالة.. المواصلات فظيعة. تمد يدها على كوب الماء ناسية الصيام، ثم تتراجع: اللهم إني صائمة!
عاصم: إنما أطعمك ربك وسقاكِ، الخير جواكي والله يا علياء بس لو تتهدي شوية. عمر: ربنا يهدي عباده.. خشي يا أختي اتوضي وصلي عسى الله يغفر لك نزولك غير المبرر ده في نهار الشهر الكريم. علياء وكأنها لم تسمع شيئا وكأنهما يكلمان شخصا غيرها.
على الشاشة فاصل إعلاني ينتفض له عمر: أعوذ بالله! اقفلوا المفسديون ده.. ده بوق من أبواق الشيطان. تتجه الحاجة عيشة باقتناع لقفل التليفزيون، فترد علياء: المفسديون ده اللي بتتابع عليه مشايخ الهشتكة بتوعك. فتتراجع الحاجة عيشة عن قفل التليفزيون باقتناع برضه.
عمر: استغفري بسرعة، دول علماء الأمة، ما تقول حاجة يا أخ عاصم. عاصم: يا جماعة التليفزيون ده سلاح ذو حدّين المهم نستغله صح. علياء: وإنت بقى اللي هتحدد إيه الصح وإيه الغلط؟ الحاجة عيشة: بس بس خلاص، هو رمضان يبقى رمضان من غير تليفزيون؟! فين الريموت؟
تحوّل الحاجة عيشة القناة بعد أن انتهي درس الشعراوي ولم يسمع منه كلمة واحدة.. ويجلجل صوت منير "من قلبه وروحه مصري والنيل جواه بيسري".