لم أصدق عيني وأنا المحه يعبر الطريق بالاتجاه الآخر وعدلت من وجهتى فوراً للحاق به، سرت بخطى واسعه وأنا أرقبه بمشاعر متضاربة وعندما هممت بعبور الطريق اندفع شلال من السيارات فحال بيننا. وقفت بخطوات مضطربة محاولة اقتحام الطريق خشية أن أفقده ولكن أبواق السيارات كانت تصرخ في وجهي بجنون، ظللت لبرهة عينى تارة على الطريق تتحين الفرصة المناسبة حتى أعبر وتارة ترقبه وهو يمشي فى ذلك الشارع الطويل بخطوات هادئة تشجعني للحاق به وما أن هدأت السيارات حتى عبرت مسرعة تسبقني أشواقي إليه أخذت المسافة بيننا تقصر وأنا الهث من فرط المفاجأة واندهاشي من ظهوره الغير متوقع.. يالله.. لم يتغير كثيراً مع أنى أتأمله من الخلف وكأن ملامحة محفورة فى عقلى لم يستطع أن يمحها النسيان.. نفس الهيئة لم تتغير، جسمه الممتلئ وأكتافه العريضة حتى سرواله الواسع الذى كان يتدلى منه دائما.. فابتسمت فى حنان وعقلى يجتر كثير من الذكريات.. خطوات قليلة تفصلنى عنه... وددت ان أنادى عليه ولكن ألجمنى حيائى فمددت يدي حتى استطيع انا المس كتفه ليرانى لولا أن شق سمعى صرخات سيدة على الجانب الآخر من الطريق فنظرت باتجاه الصوت بفزع فإذا بها كادت تفقد ولدها تحت عجلات سيارة طائشة مرقت بجانبها فالتف حولها المارة يهدأون من روعها وهم يرددون عبارات الحمد والشكر ويسبون ذلك السائق المستهتر،وانهمكت أتابع الموقف لدقائق كانت كفيلة أن أفقد هدفى الذى كدت أن ألمسه فانتبهتُ، يا الهي لقد فقدته...
تبا لهذه السيدة، بل تبا لكم جميعا. ألم تجدوا غير هذا الشارع لتمارسوا به عبثكم المجنون ؟! كيف سأجده الآن؟ ترى أين ذهب؟ هل سلك ذلك الاتجاه أم ذلك الاتجاه؟؟!! أخذت ابحث عنه ببصرى هنا وهناك والتهم الشارع والناس بنظراتى الجائعه لملامحه وتجمعت سحابة من الدموع فى عينى حجبت عنى الرؤية جيدا حتى كدت أن اتعثر..فلأتمزق إرباً ولكن أجده. . أخذت امسح عيني بعصبية وانا أسرع السير. لا لم أفقده... حمداً لله..... ها هوا هناك يبتاع جريدة حمداً لله. .. تهاوت دموعى رغما عنى وانا احث الخطى على الإسراع. . أمتار قليلة تفصلنى عنه لن اضيعه هذه المرة علقت عينى به وانا اتأمله وأتخيل اللقاء بالتأكيد سيفرح عندما يرانى وسأصطحبه معى للبيت ستكون مفاجأة لهم. .عندما أصل اليه سأحتضنه وأقبله أيضاً. .. نعم فى الشارع هكذا لا يهم. .. سأقبل جبينه ويديه و.. و مال ذلك الشارع مزدحم بالناس هكذا؟ ابتعدوا... ابتعدوا.. أخذت اتعرج بينهم وانا الهث وأدفع عنى من يعترض طريقى وعيني ما زالت معلقة عليه.. رباه ماذا يفعل ؟! إنه يستوقف تاكسياً. . لا لا انتظر. . انتظرنى ارجوك لا تضيع منى ثانية... أشرت بيدي فى الهواء ولكن ما هذا الغباء إنه لن يرانى فأنا خلفه. رفعت صوتي أنادى لكن خنقتني عبراتي. لم أجد بدا من الجرى وما هي إلا لحظات حتى وقف التاكسى ومد يده ليفتح الباب أسرعت أكثر حتى اندفعت أمامه وأنا مبهورة الانفاس فنظر لى بدهشة كبيرة متسائلاً هل هناك شئ ما يا آنسة؟؟! فنظرت له وقد تجمعت الدماء كلها فى وجهى وأخذ قلبي يدق بعنف فابتعلت ريقى بصعوبة وأنا أهذى بكلمات غير مفهومة من شدة الحرج فركب مستغربا وتركنى أتأمل الفراغ الذى خلّفه.. وصوت قبيح يرن فى عقلى مردداً أيتها الحمقاء... أبوك مات من خمس سنوات.
إيمان زكي التعليق: قصة جميلة، الكاتبة تجيد الحكي والتفاصيل والبناء الدرامي. ومن ثم هي محبوكة جيداً والنهاية ممتازة. والمشكلة الكبرى هي الأخطاء اللغوية. د. سيد البحراوي أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب، جامعة القاهرة