الأمثال الشعبية تمثّل جزءا كبيرا من ثقافة وفلسفة أي شعب؛ خصوصا الشعب المصري الذي يعدّ مِن أكثر الشعوب العربية استخداما للأمثال، ولكل مَثَل مناسبة يُقال فيها فيختصر فلسفة أو حكمة حياتية، بعض الأمثال من ورائها حكاية، والبعض الآخر استخلص من حديث شريف أو قدسي وتحوّر بمرور الزمن. ولأن الكثير مِنّا لا يعلم أصل الحكاية؛ فكّرنا في الرجوع بالزمن لنبحث عن أصل الحكاية.
"ده إحنا دافنينه سوا" "انكِر بقى! ده إحنا دافنينه سوا"، "عليّ أنا؟ ده إحنا دافنينه سوا"، "ما أنا عارف.. إحنا دافنينه سوا".. جُمل تتكرّر كثيرا في الحوارات اليومية المصرية، بين الأصدقاء أو شركاء العمل، ويكون القائل موجّها كلامه لشخص يُحاول أن يُنكر حقيقة أو يُزيّف حقا يعلمه القائل؛ هل فكّرت يوما في أصل هذا المثل؟ تعالَ معنا لنتعرّف سويا على حكاية "إحنا دافنينه سوا". أكثر الحكايات شيوعا وأقربها للصحة، أنه كان هناك أخوان في قرية لديهما حمار يعتمدان عليه في تيسير أمور الزراعة والتنقّل من قرية لأخرى، ارتبط الأخوان بالحمار، وأطلقا عليه اسم "أبو الصبر"، في يوم من الأيام مات الحمار؛ فحزن الأخوان عليه حزنا شديدا، ومن شدة تعلّقهما به قرّرا دفنه بمدفن يُشبه مدافن الإنسان تكريما له، ذهب الأخوان نهار اليوم التالي لدفن الحمار، وبعد دفنه جلسا يبكيان بحرقة بجانب القبر. فكان كل مَن يمرّ عليهما يسألهما ماذا أصابهما؟ فيجيبان: "أبو الصبر مات"؛ فيسأل الناس عن "أبو الصبر"؛ فيجيبان بأنه كان سندهما وعونهما، قائلين: "كان الخير والبركة.. يرفع الأثقال، ويقضي الحوائج ويُوصل البعيد"، وظلّ الأخوان بجانب القبر فترة، وكلما مرّ عليهما شخص سألهما كانا يقولان نفس الإجابة، إلى أن ظنّ الناس أن "أبو الصبر" هو شيخ تقي أو رجل مِن أولياء الله الصالحين، وبدأ الناس يحضرون لهما الطعام، ويتودّدون إليهما بالمال والمساعدة تقرّبا لله وتبرّكا بالشيخ؛ فاستغلّ الأخوان ما فهمه الناس دون ترتيب أو تخطيط منهما، وبدآ في النصب على الناس باسم الشيخ "أبو الصبر". وفي يوم من الأيام، اختلف الأخوان على مبلغ من المال؛ فقال أحدهما للآخر بغضب: "والله إن لم تعدل، لطلبتُ من الشيخ "أبو الصبر" الانتقام منك"؛ فكان ردّ الآخر: "أي شيخ؟ إنت نسيت.. ده إحنا دافنينه سوا".
وأنت عزيزي القارئ.. هل تستخدم الأمثال في حياتك اليومية؟ وهل "دفنت أي حاجة مع أي حد قبل كده"؟