صدرت مؤخّراً الترجمة العربية لرواية دان براون الأخيرة، بعنوان الرمز المفقود، عن دار نشر الدار العربية للعلوم بالاشتراك مع مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم. كان نجم دان براون قد تألق -وما زال يزداد تألقاً مما يثير الكثير من حسد معاصريه- عندما نُشرت روايته المثيرة للجدل والصدام "شفرة دافنشي"، والتي كانت فاتحة الخير على الكاتب الأمريكي الذي نُشر له من قبل ثلاث روايات هي: الحصن الرقمي - حقيقة الخديعة - ملائكة وشياطين. والأخيرة شهدت مولد بطل رواياته التالية: روبرت لانجدون أستاذ علم الرموز بجامعة هارفارد، لكنها لم تجذب أنظار القراء والنقاد بشكل كافٍ؛ حتى صدرت شفرة دافنشي، وما تمثله من هدم لثوابت متعارف عليها في الكنيسة، وهو ما جعلها حديث الساعة، ولم تخلُ صحيفة من الحديث عنها، سواء بالسلب أو الإيجاب، وهو ما جعل هوليوود تنتبه -كعادتها كلما حقق أحد الكتب مبيعات خيالية- وتتعاقد على تحويل رواية شفرة دافنشي لفيلم قام ببطولته توم هانكس. وعلى الرغم من أن الفيلم كان مخيبّاً للأمال، ولم يرقَ لربع روعة الرواية، إلا أن الفيلم التالي ملائكة وشياطين -وهو يسبق فيلم شفرة دافنشي في زمن الرواية الأصلي- جاء جيداً إلى حد ما. نعود إلى دان براون، والذي عكف منذ نجاحه الساحق بشفرة دافنشي على كتابة رواية تدور في نفس النسق والعالم المليء بالرموز والأحاجي والألغاز، مع بطله الذي يبدو أنه سيظل مرافقاً لمؤلفه ولنا لفترة غير قصيرة روبرت لانجدون. وبعد ست سنوات تقريباً خرجت رواية الرمز المفقود، والتي يقال بأن اسمها في البداية كان: مفتاح سليمان. الرواية حققت انتباهاً عالمياً حتى قبل صدورها، حتى أن موقع أمازون كان يضع ما يشبه الساعة الزمنية التي تتناقص تدريجياً لليوم الذي ستصدر فيه الرواية، وهو 15 سبتمبر 2009. حققت الرواية مبيعات مليون نسخة في أول يوم، ثم مليوني نسخة بعد أسبوع، وصدرت ورقياً، وإلكترونياً، وعلى هيئة كتاب مسموع في نفس اليوم! الرواية تتحدث عن مغامرة جديدة للبروفيسور روبرت لانجدون، حيث تلقّى دعوة من صديقه بيتر سولومون لإلقاء محاضرة في مبنى الكابيتول، وفور وصوله إلى هناك يُدرك أنه ضحية خدعة من شخص شرير يريد تكليف روبرت لانجدون بمهمة تتعلق بتخصصه الفريد، وإلا سيكون الموت من نصيب صديقه. لذا فعليه أن يغوص تحت الأرض -أسفل مبنى الكابيتول- في أغرب مغامرة مرّ بها لانجدون حتى الآن، وفي فترة زمنية قصيرة. لا يفوت دان براون هنا أن يؤكد أن كافة المعلومات والأرقام حقيقية تماماً، لكن تبقى قدرته الفريدة على مزجها بالخيال، وبتدرج سردي ممتع، ولعلّ جملة الرواية الافتتاحية تجعل القارئ يُدرك أنه مقبل على قراءة عمل دسم وجميل: "أن تعيش في الحياة دون أن تعي معنى العالم؛ هو مثل أن تتجوّل في مكتبة عظيمة دون أن تلمس الكتب".