السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أشكركم على هذا الموقع الجميل ده.. أنا عندي مشكلة، وهي إني عشت حياة صعبة جدا، حياة بنت يتيمة مع إن والديّ عايشين.. حرمت من أب ماعرفش عنه شيء منذ كنت في الرابعة من عمري وأم لا تهتم بي إطلاقا ولها اهتمامات أخرى، بل أهانتني كثيرا وتسببت في ضياعي بسبب المادة وعلاقاتها مع الرجال، ولا أقصد علاقات محرّمة لا سمح الله، ولكنها تتلذذ بمعرفة الرجال وإقامة علاقات معهم ولا تهتم بنا إطلاقا، وأقول ذلك ليس من موقف أو اثنين، بل سيل من المواقف التي آلمتني كثيرا دون الخوض في تفاصيل. أعمل منذ كنت في الثالثة عشر من عمري وأصرف على نفسي، مع إن أهلي معاهم فلوس والحال ميسور جدا الحمد لله بس مش ليّ للأسف. اتخطبت لواحد وكنت بحبه بشكل لا يمكن وصفه، وبعد مدة خطوبة طويلة اكتشفت إنه كان يكذب عليّ وأخبرني أنه طلّق مراته الأولى، ثم اتخطبت لواحد تاني اكتشفت إنه كان على علاقة بأمي من قبلي، ولا أعرف كيف وافقت عليه أمي. أنا عندي 21 سنة ولكني أشعر بأني في ال90 من عمري من كثرة ما عانيت، ورغم كل ما عانيت منه الحمد لله ألهمني الله الصبر ولم يأتِني أي مرض نفسي، وساعدني الله على رجوعي بعدما كنت على شفا الانحراف. المشكلة الآن أني أصبحت عديمة التركيز، لا أتذكر أصغر الأشياء ولا حتى أكبرها حتى لو حد بيتكلم معايا بكون باصة له بس مش معاه خالص، ولا باكون بافكر في حاجة تانية، مثلا لما باقف في الشارع باقعد أبص حولي ومابعرفش أقف ثابتة، ودايما وأنا قاعدة باهز في رجلي، والحالات دي عندي كل الأوقات حتى لو أنا مبسوطة جدا وعلى طول حاسة إن أعصابي فالتة وتعبانة من غير أي سبب. هل الكلام ده كله يعود لمرض نفسي مثلا أو حاجة في الأعصاب؟ وهل أحتاج إلى زيارة طبيب نفسي؟ أرجو الرد سريعا.. شكرا.
h.i
أنتِ الآن عندك 21 سنة وتركك والدك وأنت في الرابعة من عمرك، وتتهمين أمك بأنها لا تهتم بكِ إطلاقا، فكيف كبرتِ ومن ربّاكِ ومن علمكِ ومن اهتم بأمرك حتى وصلت إلى هذه السن؟! المشكلة أنك لا ترين في أمك سوى عيوبها، وجميعنا لا يخلو من العيوب أو الأخطاء والنقائص، وحياة المرء مليئة بالاحتياجات، فأكيد والدتك نجحت في تلبية الحاجات الأساسية لك، ولكننا دائما نطمع في المزيد. إن استمرارك معها في نفس المنزل وتحمّلها مسئوليتك دون والدك دليل على أنها تفعل الكثير من الأشياء الحسنة، ولكنك تناسيتِ هذه الحسنات واهتممتِ بعد النقائص والأخطاء ونصب المحاكمات، مثل كثير من الأبناء الذين يتعامون عن المزايا ويرصدون نقائص الآباء بل ويكبّرونها، فيصنعوا بذلك مشكلاتهم التي توقعهم في القلق والاضطرابات النفسية، وهذا ما تفعلينه أنت الآن بنفسك. تقولين إنك تعملين وأنتِ في الثالثة عشر وتنفقين على نفسك، وترين أنك تعيشين في مأساة لأن والديك قادران ماديا، مع أن من مؤشرات التقدم التحاق المراهقين بالعمل والاعتماد على النفس، مما يزيد خبراتهم ويدعّم شخصياتهم ويؤهلهم لاتخاذ القرار الصحيح ويبصّرهم بحقائق الأشياء بعيدا عن الوهم أو الخيال، مما يساعد على قوة الشخصية وتماسكها وليس انحرافها أو نصب المحاكمات للغير، والبكاء والنواح على عدم اهتمام الآباء كما نفعل نحن. إن خروجك للعمل واندماجك فيه من المفروض أن يعطيكِ مرونة وثقة بالنفس يؤهلانك للحكم الموضوعي على الأشياء، ولكن انشغالك بحقوقك المزعومة على والدتك أهدر طاقتك ومنعك من الفطام النفسي عنها، وظللت متعلقة بها تفكرين فيها بالسلب ولا تستطيعين الفكاك منها. إن نجاحك في العمل واستمرارك فيه كل هذه المدة دون أن تقعي في المحظور دليل قوى على نجاح والدتك في تربيتك. أنا لا أقول إنها على صواب في كل تصرفاتها ولكن تقييمها أو حسابها عند الله وليس من شأنك أنتِ، كما أنه ليس من حقك بالطبع، بل كل ما عليك هو برّها والدعاء لها بصلاح الحال، وقد يجعل الله من برّك بها وسيلة لصلاحها ويقظة ضميرها وعودتها إلى الصواب، لكن المكابرة والعناد والقسوة منك قد تحرّضها على مزيد من الانحراف والوقوع في الخطأ. إن الله سبحانه وتعالى يساعد عبده المطيع ويعينه، وبر الوالدين وطاعتهما أفضل وسيلة للتقرب إلى الله. اقتربي منها أكثر وأحسني إليها، عامليها على أنها أمك التي حملتك وربّتك وكبرتك لا على أنها المتهمة المقصرة في حقك، اسألي نفسك ماذا قدمتِ أنت لها ولا تقفي مكتوفة الأيدي دامعة العينين تتسولين الاهتمام منها أو من غيرها، جاهدي نفسك وتخلّصي من وساوس الشيطان التي تبعدك عن طاعة الله. لقد كبرتِ وتستطيعين التصرف واتخاذ القرار، ولكن قلقك وانشغالك بنقائص والدتك يفقدك كثيرا من قدراتك، تخلصي من الشعور بالاضطهاد واعلمي أنك أفضل من غيرك وأن أمك أفضل من الكثيرين، فكم من الأمهات يلقين بأبنائهن في الشارع أو يدفعن بهم إلى ارتكاب المحرّمات والفواحش والتربّح من ورائهم! وإن لم يستجب لهم الأبناء يتعرضون للتعذيب والطرد. انظري إلى الأشياء الإيجابية في حياتك، وستتخلصين من القلق الذي أودى بك إلى هذه الحركات اللاإرادية، من هز الرجلين وضعف التوازن الجسمي والشرود وعدم القدرة على التركيز.. إنك تقتلين نفسك وتغضبين الله بالتركيز على مساوئ أمك أو إلقاء اللوم عليها. إن مشكلة الكثيرين هي أنهم يقعدون مكتوفي الأيدي ويريدون أن يبادر الغير لحبهم والاهتمام بهم، وإن لم يحدث ذلك يتهموا الناس بالتقصير في حقهم، في حين أن الحكمة العملية والدينية تقول ابدأ بنفسك، أي بادر وقدّم كل ما لديك ولا تجعل نفسك قيّما على الغير، الذين ترغب أن يدوروا في فلكك ويقدمون لك الخدمات بل يذوبون فيك عشقا، وإن لم يفعلوا تقع في الأمراض النفسية.. وفقك الله وهداك لما فيه الخير. عليكِ بتغيير مفاهيمك عن حقوقك وواجبات الغير، لا أن تعقدي المحاكمات لمن هم أكبر منك ولهم الفضل عليك.