في اللقطة الأولى من الفيديو المزور الذي انتشر على المواقع الاجتماعية مقطع لباسم يوسف ينتقد فيه طريقة الإخوان والسلفيين هذه الأيام في تكفير مخالفيهم ومنافسيهم السياسيين، فإذا بمزوّر الفيديو يسحب الكلام ليلقيه في حجر الشيخ الشعراوي في حوار قديم له كان يردّ فيه على ادّعاءات علمانيي عصره بالجمع بين التدين والعلمانية، فيقول الشيخ إنهم كاذبون، وإنهم يفضّلون العمى عن رؤية واحد متدين، وتتوالى لقطات الفيديو المزوّر تزويرا فاضحا لتكشف عن أنفس ملؤها الكذب والتدليس، فكلما تحدث باسم عن سلوك الإخوان مع مخالفيهم استدعى المزور مولانا الشيخ الشعراوي في سياق مختلف، ليبدو وكأنه يرد على باسم يوسف، أو كأن باسم يسخر من الشعراوي. ولكي ندرك مدى الافتراء على الحقيقة من أجل الكسب السياسي الرخيص فنحن نحتاج إلى إضاءة السياقين، سياق فيديو باسم يوسف وسياق فيديو مولانا الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه. ولنسأل أنفسنا: من هم علمانيو الشعراوي الذين يقصدهم؟ علمانيو الشعراوي يعرّفهم هو بنفسه في الفيديو الذي أتى به المزور ليكون دليلا له، فإذا به دليل قاطع عليه "الكذب مالوش رجلين" يقول إمام الدعاة "بالحرف الواحد": "العلماني هو الذي يريد أن يعزل دين الله عن الحياة، مافيش حاجة اسمها دين"، ويستطرد في وصفهم فيقول ما مفاده إنهم كاذبون بشأن تدينهم وإنهم يفضّلون العمى عن رؤية متدين واحد. هؤلاء من يقصدهم الشيخ الشعراوي، وهم موجودون منذ فجر نهضتنا الحديثة وحتى اليوم، وهم خصوم كل متدين يعرف دينه ويدرك أنه عقيدة وشريعة ومنهج حياة، وليس مجرد شعائر تعبدية وتسبيح وحوقلة، هم خصومنا وخصوم باسم يوسف وخصوم من يصفهم الإخوان بالعلمانيين، وخصوم كل من ينتمي صادقا إلى هذا الدين دون خلاف. والسؤال: هل هؤلاء من يقصد باسم يوسف الدفاع عنهم، هل هؤلاء هم خصوم الإخوان والسلفيين الذين يتوجه باسم بالحديث إليهم؟ الإجابة بكل تأكيد "لا"! إذن من هم علمانيو باسم يوسف؟ علمانيو باسم أو إن شئنا الدقة الذين وصفوا في زماننا بالعلمانيين لمجرد أن الإخوان والسلفيين قالوا عنهم ذلك، هم معارضو الإخوان وخصومهم السياسيون "عاطل في باطل" كلهم علمانيون، وكلهم -في رأي البعض- كفرة، وكلهم عدو للشريعة وكلهم يتصفون بأي حاجة في الدنيا تكرّه الناس فيهم، فينتخبوا الإخوان والسلفيين ولا ينتخبوهم! خذ عندك عبد المنعم أبو الفتوح: إخواني سابق، عضو مكتب الإرشاد، نائب المرشد، كان أحد أبرز الوجوه المرشحة لتولي قيادة الجماعة لولا سيطرة التنظيم الخاص عليها، ابن من أبناء الحركة الإسلامية منذ نعومة أظفاره، لا يمكن أن يزايد على خلقه وتدينه وتاريخه المشرف عاقل، ولا يمكن أن يزايد شخص يتمتع بأقل درجة من درجات الإنصاف على وطنيته وإخلاصه للمشروع الإسلامي في شقه الإصلاحي -لا سيما إذا كان هذا الشخص من الإسلاميين الذين عرفوا أبو الفتوح عن قرب- ومع هذا كله فهو في نظر الإخوان المسلمين رجل خالف عهده مع الله! وإيه كمان: رجل أحادي النزعة، مستبد، ديكتاتور، لا يقتنع إلا برأيه، مصاب بجنون العظمة "ده أبو الفتوح؟!!". يعمل لصالح أجندة أمريكية، يهدد الثورة، صدامي، ضلع في مشروع التوريث "ده أبو الفتوح برضه؟!!!". لسه: يعاني من مرض لن يمكّنه من القيام بمهام رئيس الجمهورية -خدت بالك؟؟- ولا يستطيع أن ينام إلا بعد الحصول على جرعة من الأكسجين عبر أجهزة التنفس الصناعي "حاجة تقطّع القلب!". خلاص؟ لأ لسه: الجماعة جابوا من الآخر، وقالوا إن أبو الفتوح ليس مرشحا إسلاميا أصلا "كافر بقى، علماني، ليبرالي، هولوكوست، اللي تحسبه!!". كل هذا قالوه عن الرجل في جلسات "وضوح الرؤية" "اسمها كده.. تخيل؟!!" أما ما قيل عن الرجل على لسان اللجان الإلكترونية وتجار الدين والمنشورات التي وزّعت ضده في الشوارع، والشائعات التي تعاونوا فيها مع كل خصوم الرجل فحدّث ولا حرج: لو بقى رئيس هيقلّع نسوانكم الحجاب.. "ده أبو الفتوح؟!" هيدخّل الإخوان السجن عشان بيكرههم، هيفتح المعتقلات زي أيام عبد الناصر، هيطلع لكم بالليل وأنتوا نايمين ويكهربكم في أماكن حساسة.. قول زي ما انت عايز.. الورق ورقنا والدفاتر دفاترنا.. اكذب لحد ما تتكيف.. واحلف بالله وبالمصحف وبرحمة أمك كمان.. المهم أبو الفتوح يخسر ومرسي ينجح وبعدين يحلّها ربنا!! هذا واحد من علمانيي باسم يوسف الذين يحاول صاحب الفيديو المزور أن يساوي بينهم وبين العلمانيين الذين لم ينكروا علمانيتهم، والذين كانوا ينادون صراحة بعزل الدين عن الحياة، والذين كان يتحدث عنهم ويرد عليهم مولانا الشيخ الشعراوي. ومن عينة أبو الفتوح: محمد حبيب، إبراهيم الزعفراني، كمال الهلباوي، مختار نوح، ثروت الخرباوي، وغيرهم الكثيرون وكلهم نالوا من الإخوان نصيبهم من الاتهام بالعلمانية والعمالة والخيانة وقيل عنهم المخلّفون، والمتساقطون على طريق الدعوة، وكل اللي قلبك يحبه! هؤلاء قطاع إسلامي صريح من "علمانيي باسم"!!، إسلاميون أمام الله علمانيون أمام الإخوان!! أما القطاع الآخر فهم من يرفضون بدعة التصنيف ويعتبرونها من مخلفات ماضٍ أسود، ويتجاوزونها إلى صيغة تتكامل فيها دوائر الانتماء ولا تتقاطع أو تتنافر. فهم مصريون حتى النخاع وعرب حتى النخاع ومسلمون حتى النخاع، ولا يتعارض فهمهم الواعي لدينهم مع عشقهم للحرية وتطلعهم إليها، مما يحلو للبعض تسميته بالليبرالية، ولا ميلهم للعدالة الاجتماعية ومناداتهم بحقوق الفقراء، مما ينسبونه للحس اليساري، ولا رغبتهم في تنزيه الدين عن المتاجرة به كورقة دعاية انتخابية لخداع البسطاء مما يسميه البعض بالعلمانية، وهي -إن صحت التسمية- العلمانية الجزئية التي أشار إليها المفكر الإسلامي الراحل عبد الوهاب المسيري حيث يستلهم أصحاب هذه الرؤية الإسلام فكرا وعملا وسلوكا بينما يرون الفصل بين الدعوي والسياسي ضرورة مصلحية واجبة ليعمل كل في مجاله الذي يحسنه. ومن هؤلاء: وائل غنيم، بلال فضل، عبد الرحمن يوسف، أسامة غريب، مصطفى النجار، هبة رؤوف، نهى الزيني، وباسم يوسف نفسه.. وكلهم كانوا في نظر الإخوان أبطالا مغاوير وثوارا محترمين حين أيّدوا محمد مرسي في الإعادة، ثم تحوّلوا في غضون شهور قليلة إلى علمانيين، وعملاء وفلول، وماسونيين وكفرة، وإذا أردت المزيد فاسأل اللجان الالكترونية أو اسأل Google ولا يخبرك مثل Google! ما فعله مزورو الفيديو هو استدعاء كلام باسم ودفاعه عن هؤلاء الشرفاء وتركيبه على كلام للشيخ الشعراوي قاله ردا على علمانيين حقيقيين ليبدو الأمر كما لو أن الشعراوي يرد على باسم ويفنّد حججه، في حين أن مولانا الشعراوي وباسم يوسف يقفان على أرضية واحدة، سواء من الذين يريدون فصل الدين عن الحياة وتهميشه وسجنه في المسجد، أو من الذين يتاجرون بدين الله ويتخذونه سلما للوصول إلى مطامعهم السياسية. وللشيخ الشعراوي رأي شهير منتشر على الشبكة العنكبوتية يمدح فيه حسن البنا ويستهجن فيه موقف من جاءوا بعده وتعجّلوا ثمرة غرسه، ويدعو لهم بالمغفرة على ما فعلوا! وله أيضا رأي واضح من الأحزاب التي تدّعي تمثيلها للإسلام يرد به على السائل: لماذا لا ينضم الشعراوي إلى حزب ديني، فيقول: "لأنني أرفض أن استجدي ديني في صندوق انتخاب، فديني لا أستجديه من غير خالقي.. لأن الانتماء إلى حزب ديني ليس من ركائز الإسلام، ولا يضر إسلامي شيئًا إن لم أنتمِ إلى هذا الحزب أو ذاك، فأنا مسلم قبل أن أعرف ذلك الحزب، وأنا مسلم قبل أن يتكون الحزب، وأنا مسلم بعد زواله، ولن يزول إسلامي بدون الأحزاب؛ لأننا كلنا مسلمون، وليسوا هم وحدهم من أسلموا". ويكمل الشعراوي: "أرفض أن أنتمي إلى حزب يستجدي عطفي مستنداً على وازعي الديني، قبل أن يخاطب عقلي؛ لأنه حزب سياسي قبل أن يكون دينيا، وهو يمثّل الفكر السياسي لأصحابه ولا يمثل المسلمين". والشيخ الشعراوي أيضا هو القائل: "أتمنى أن يصل الدين إلى أهل السياسة، ولا يصل أهل الدين إلى السياسة، فإن كنتم أهل دين فلا جدارة لكم بالسياسة، وإن كنتم أهل سياسة فمن حقي ألا أختاركم ولا جناح على ديني"، وهو الكلام نفسه الذي كان يردده ولا يمل من تكراره مولانا الشيخ الثائر عماد عفت شهيد الأزهر الشريف. هذا هو رأي الشيخ الشعراوي الذي يجرّونه معهم إلى مستنقع الكذب -نزّهه الله عن ذلك- إن الذين كذبوا على الشيخ الشعراوي وعلى باسم يوسف وحاولوا أن يستغفلوا الناس بالفيديو المزور لم يفعلوا ذلك بغرض التفنيد أو الرد أو الدفاع عن الحق كما يصور لهم خيالهم، وإنما هو نوع من الكذب الانتقامي الذي يعتبره علم النفس الحديث مرضا يستوجب العلاج، فهم في حقيقة الحال لا يحتاجون إلى انتقاد "باسم"؛ لأنهم لا يستطيعون إنما يحتاجون إلى العلاج من "باسم"، شفاهم الله. ففي هذه الأحوال يتصوّر الكاذب أنه ينصر دينه بكذبه ويكذب "بما لا يخالف شرع الله" فيتبع منطق الوضاعين الذين كانوا يكذبون على رسول الله ويقولون القول وينسبونه زورا للنبي الكريم، فإذا سألهم الناس قالوا إننا نكذب "لرسول الله لا عليه". ورسول الله منهم براء، وهو القائل صلوات الله عليه: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار". المدهش أن فيديو الإخوان والسلفيين المزور استدعى أيضا فضيلة الشيخ علي جمعة مفتي مصر، ليحرجوا به باسم يوسف ويستخدموه في النيل منه، وعلي جمعة عند هؤلاء كما هو معلوم لمستخدمي يوتيوب بالضرورة، هو "الصوفي المبتدع الضال المضل الكذوب المخرف"، والألفاظ أنقلها بنصها من فيديوهات كثيرة تهاجم علي جمعة وتقدح في خلقه وفي دينه وفي عقيدته، وإذا أردت التثبت فاذهب إلى يوتيوب تجد ما يسرك وما لا يسرك! فجأة تحوّل الصوفي الأشعري الضال إلى وسيلة للدفاع عن الإخوان والسلفيين وخالد عبد الله وأبو إسلام ومحمود شعبان ومحمد مرسي والعريان، فجأة تحول المخرف المبتدع إلى العالم الفاضل الجليل، لله درك يا باسم! لو هاجمك شارون لصار من أولياء الله الصالحين!! أيها الأفاكون لو كنتم صادقين حقا فلا تكذبوا على الناس وتخلطوا الحق بالباطل ثم تدّعوا أن باسم يوسف يفعل المثل، وهو ادعاء كاذب فضلا عن كونه لا يعفيكم من العقاب لو افترضنا جدلا أنه حقيقي.. فالمسلم الحق الذي يحب الله ورسوله ويحمل منهج الله لا يكذب على من كذب عليه ولا يسرق من سرقه ولا يسب من سبه. لقد كذبتم لأن الكذب هو الوسيلة الوحيدة لحفظ ماء الوجه، وجه الأحزاب التي تتاجر بفقر الناس وحاجتهم ومشاعرهم الدينية، ووجه فضائياتكم التي تطفح غلا وحقدا وكراهية وتدليسا وكذبا على الله وعلى الناس. لقد كذبتم للعودة بالناس إلى المناضل خالد عبد الله الذي كان يؤيد جمال مبارك والذي يكذب أكثر مما يتنفس، لقد كذبتهم لأنكم أجبن من أن تواجهوا أنفسكم بحقيقتكم. ولو كان باسم هو الكاذب حقا كما تزعمون فاعرضوا فيديوهات شيوخكم على الناس كاملة، دون اقتطاع.. وما أسهل أن تكشفوا كذب باسم وتضليله إن كان حقا يقتطع العبارات من سياقها ويقدمها للناس بمعاني غير التي حملتها، فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فانشغلوا بعيوبكم وأمراضكم، واتركوا الناس لدينها ولوطنها ولثورتها التي ضيعتموها وأنتم تحسبون أنكم تحسنون صنعا.