عمومية المحاكم الإدارية العليا بمجلس الدولة الأحد    القومي للمرأة بدمياط ينفذ دورات تدريبية للسيدات بمجالات ريادة الأعمال    وزير العمل: حريصون على سرعة إصدار الاستراتيجية الوطنية للتشغيل    وزير الأوقاف يشهد احتفال "الأشراف" بالمولد النبوي.. والشريف يهديه درع النقابة    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من المسجد المحلي بالبحيرة    وزير المالية: الوضع الاقتصادي فى مصر «مطمئن»    كوجك: حققنا 6.1% فائضا أوليا متضمنًا عوائد "رأس الحكمة"    خلال ساعات.. قطع المياه عن مناطق بالجيزة    جمعية الخبراء: نؤيد وزير الاستثمار في إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية في البورصة    الحكومة اللبنانية تبدأ تحقيقات موسعة في انفجار أجهزة الاتصالات اللاسلكية    مصدر لبناني: البطاريات التي يستخدمها حزب الله مزجت بمادة شديدة الانفجار    أجندة ساخنة ل«بلينكن» في الأمم المتحدة.. حرب غزة ليست على جدول أعماله    القنوات الناقلة وموعد مباراة بيراميدز والجيش الرواندي في دوري أبطال إفريقيا    خبر في الجول - الإسماعيلي يفاضل بين تامر مصطفى ومؤمن سليمان لتولي تدريبه    نجم ليفربول يرغب في شراء نادي نانت الفرنسي    سلوت: مشاركة أليسون أمام بورنموث محل شك.. وربما تألق جاكبو بسبب الغضب    قبل ساعات من انطلاق العام الدراسي الجديد، إقبال ضعيف على شواطئ الإسكندرية    بعد الموجة الحارة.. موعد انخفاض الحرارة وتحسن الأحوال الجوية    النيابة تواجه التيجاني بتهمة التحرش بفتاة عبر وسائل التواصل الاجتماعي    مدارس الوادي الجديد جاهزة لانطلاق الدراسة الأحد المقبل    المتحدة تتعاقد مع أحمد عزمي على مسلسل لرمضان 2025    بالصور- 500 سائح يستعدون لمغامرة ليلية على قمة جبل موسى من دير سانت كاترين    إطلاق الإعلان التشويقي الرسمي لفيلم بنسيون دلال    «المتحدة» تستجيب للفنان أحمد عزمي وتتعاقد معه على مسلسل في رمضان 2025    الإفتاء تُحذِّر من مشاهدة مقاطع قراءة القرآن المصحوبةً بالموسيقى أو الترويج لها    فضل الدعاء يوم الجمعة لرفع البلاء وتحقيق الطمأنينة    وكيل الأزهر: النبي أرسى دعائم الدعوة على التيسير والحكمة والموعظة الحسنة    جامعة عين شمس تعلن إنشاء وحدة لحقوق الإنسان لتحقيق التنمية المستدامة    الصحة تطلق تطبيقا إلكترونيا لمبادرات 100 مليون صحة    طريقة عمل بيتزا صحية بمكونات بسيطة واقتصادية    طعن كلٌ منهما الآخر.. طلب التحريات في مصرع شابين في مشاجرة ببولاق الدكرور    بتكلفة 7.5 مليون جنيه: افتتاح 3 مساجد بناصر وسمسطا وبني سويف بعد إحلالها وتجديدها    الأزهر للفتوى الإلكترونية: القدوة أهم شيء لغرس الأخلاق والتربية الصالحة بالأولاد    إعلام إسرائيلي: تضرر 50 منزلا فى مستوطنة المطلة إثر قصف صاروخي من لبنان    مفتي الجمهورية يشارك في أعمال المنتدى الإسلامي العالمي بموسكو    موعد مباراة أوجسبورج وماينز في الدوري الالماني والقنوات الناقلة    الزراعة: جمع وتدوير مليون طن قش أرز بالدقهلية    الجيش الصينى: سنتصدى بحزم لأى محاولة ل "استقلال تايوان"    ضبط شخصين قاما بغسل 80 مليون جنيه من تجارتهما في النقد الاجنبى    خبير تربوي: مصر طورت عملية هيكلة المناهج لتخفيف المواد    رئيس جهاز العبور الجديدة يتفقد مشروعات المرافق والطرق والكهرباء بمنطقة ال2600 فدان بالمدينة    ضبط 4 متهمين بالاعتداء على شخص وسرقة شقته بالجيزة.. وإعادة المسروقات    «الداخلية» تنفي قيام عدد من الأشخاص بحمل عصي لترويع المواطنين في قنا    أزهري يحسم حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم    وثائق: روسيا توقعت هجوم كورسك وتعاني انهيار معنويات قواتها    فعاليات ثقافية متنوعة ضمن مبادرة «بداية جديدة لبناء الانسان» بشمال سيناء    الأنبا رافائيل: الألحان القبطية مرتبطة بجوانب روحية كثيرة للكنيسة الأرثوذكسية    مستشفى قنا العام تستضيف يوما علميا لجراحة المناظير المتقدمة    عبد الباسط حمودة ضيف منى الشاذلي في «معكم».. اليوم    استطلاع رأي: ترامب وهاريس متعادلان في الولايات المتأرجحة    القوات المسلحة تُنظم جنازة عسكرية لأحد شهداء 1967 بعد العثور على رفاته (صور)    على مدار أسبوع.. «حياة كريمة» توزع 3500 وجبة في العريش ضمن مطبخ الكرم    تراجع طفيف في أسعار الحديد اليوم الجمعة 20-9-2024 بالأسواق    التوت فاكهة الغلابة.. زراعة رئيسية ويصل سعر الكيلو 40 جنيه بالإسماعيلية    نجم الزمالك السابق يتعجب من عدم وجود بديل ل أحمد فتوح في المنتخب    حرب غزة.. الاحتلال يقتحم مخيم شعفاط شمال القدس    ملف مصراوي.. جائزة جديدة لصلاح.. عودة فتوح.. تطورات حالة المولد    مصطفى عسل يتأهل لنصف نهائي بطولة باريس المفتوحة للإسكواش 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. نبيل فاروق يكتب.. "الستار الأسود": الآخر
نشر في بص وطل يوم 05 - 06 - 2012


لا يمكنني احتمال كل هذا..
لا يمكنني أبدا..

ذلك القاتل الوحشي قيدني في إحكام، حتى لم أعد أستطيع تحريك طرف واحد في جسدي كله..
ولا يمكنني حتى إبعاد رأسي..
أو إغلاق عيني..

أنا مُجبر على رؤية كل ما يرتكبه من أعمال وحشية دموية..
لست أدري حتى كيف فاجأنا..
ولا كيف فعل بنا هذا..

كنت ورفاقي نبحث عن مكان متوارٍ يمكننا فيه أن ندخن بعض المخدرات دون أن يلمحنا أحد..
ولقد عثرنا بالمصادفة على هذا المكان..

منزل قديم متهدم، تطل إحدى حجراته، التي فقدت جدارا أساسيا، على ساحة خالية، تمتد لمسافة كيلو متر تقريبا..
ولقد بدا لنا المكان مثاليا للغاية..
مكان بعيد..
خالٍ..
مهجور..

لا يمكن أن يشعر بك أحد، أو حتى يسمعك أحد فيه..
وبالفعل بدأنا في إعداد مجلسنا المطل على تلك الساحة الخالية، وأشعل بعضنا النار، في حين بدأ البعض الآخر في إعداد النرجيلة، و...

وفجأة، ظهر هو..
لم نكن قد بدأنا في تدخين أي مخدرات، كما قد يتبادر إلى ذهنك في البداية، ولم يكن أينا قد اقترب منها حتى..
كنا جميعا في أتم الصحة والعافية..
وعقولنا كلها يقظة..
تماما..

وعندما ظهر هو، كان شرسا صارما، من اللحظة الأولى..
وكان يحمل مسدسا..

في البداية، تصورنا أنه شخص يمازحنا، حتى أن بعضنا قد أطلق ضحكات مرحة، ودعابات لطيفة..
لكنه لم يكن مازحا..

علمنا هذا، عندما أدار عينيه الشريرتين في وجوهنا، بكل غضب الدنيا..
عندها توقفنا عن الضحك والدعابة..
وبدأ الخوف يتسلل إلى نفوسنا..
فماذا يريد منا؟
ماذا؟

كنا خمسة شباب أقوياء..
ولكنه كان يحمل مسدسا..
وتصورنا كلنا أن ما يستهدفه هو سرقتنا، والاستيلاء على ما نملك..
ولقد عرض عليه بعضنا هذا بالفعل..
وجاءت إجابته، لتفسر لنا كل شيء..
جاءت عبر رصاصة من مسدسه، أصابت رأس أحدنا مباشرة..

ومع سقوط رفيقنا جثة هامدة، أدركنا الحقيقة..
إنه ليس سارقا..
إنه قاتل..
رحنا نرتجف، ونبكي، ونتوسل..
وما من مجيب..

كان قاسيا، صارما، ساديا، يستمتع برعبنا وعذابنا وتوسلاتنا وألمنا..
وبكل وحشية الدنيا، أمرنا أن يقيد بعضنا البعض..
ومع الرعب الذي ملأ نفوسنا، أطعناه..

كنا نعلم أن القيود ستعني أننا قد صرنا في قبضته تماما..
ولكننا لم نملك الاعتراض..
وكان هذا ما ينشده بالضبط..
القوة..
والشعور بالقوة..

وبكل مهابة الدنيا وخوفها ورعبها، رحت أحدق فيه، بعد أن انتهيت من تقييد آخر رفاقي، عندما انتبهت إلى تلك النظرة الوحشية، التي يرمقني بها..
لم أكن أدري لحظتها أن اختياره قد وقع عليَّ لأكون شاهدا على وحشيته وساديته، قبل أن يحين دوري..
ولست أدري حتى كيف قيدني، ولكنني وجدت نفسي مكبلا تماما، وغير قادر على تحريك إصبع واحد..

ولقد جذب جفني إلى أعلى وأسفل بوسيلة ما، فلم أعد قادرا على إغلاق عيني أيضا..
كنت مضطرا إلى مراقبته، وهو يرتكب جرائمه الوحشية..
وكان جسدي كله يرتجف..
ويرتجف..
ويرتجف..

وفي برود سادي عجيب، اتجه نحو أول رفاقي، وأخرج من جيبه سكينا ذا نصل طويل حاد، راح يمرره على وجه رفيقي، الذي راح ينتحب في رعب، والكمامة اللاصقة على فمه تمنعه من الاستنجاد..

ثم بدأت اللعبة السادية..
بطرف نصل السكينة الحاد، راح ذلك السفاح يمزق وجه رفيقي، بضربات سريعة سطحية..
رأيت الدم يغرق وجهه..
والرفيقان الآخران تتسع أعينهما في رعب هائل..
ثم جاءت الطعنة الأخيرة..
بعد أن تمزق وجه رفيقي الأول تماما، طعنه ذلك السفاح في جانب عنقه، طعنة سريعة غادرة قوية..

وبعينيّ المذعورتين، شاهدت النصل يغوص في عنق رفيقي، من الجانب الأيسر، ثم يبرز من الجانب الأيمن..
واتسعت عيناه في ألم ورعب..
ثم سقط جثة هامدة..
وتدفقت الدماء من عنقه في غزارة..
وفي هدوء، التفت السفاح إلى الثاني..
وفي بطء أيضا، راح يمرر نصل خنجره..
ليس على وجهه هذه المرة، وإنما على صدره..

وعبر الكمامة اللاصقة، سمعت رفيقي يهمهم متوسلا، ويحاول الصراخ، ولكن ذلك السفاح لم يبد ذرة واحدة من الاهتمام..
ولا من الرحمة..

لقد بدأ بكل هدوء في تمزيق صدر الثاني بنصل خنجره، ورفيقي يتلوى ألما وعذابا..

ثم بدأ السفاح في شق صدره..
كان يعمل في هدوء مذهل، كما لو أنه يشق صدر لعبة من الفراء..
وأمام عيني الذاهلتين، رأيت قلب رفيقي الثاني..
رأيته يبرز، عبر ضلوعه المقطوعة وصدره الممزق..
رأيته ينبض..
وينبض..

وتساءلت في حيرة، على الرغم مما ملأ جسدي من خوف ورعب: كيف يمكن أن ينبض قلب على هذا النحو المكشوف؟
بل كيف يمكن أن يحيا؟

وبكل رعب الدنيا، شاهدت السفاح يمد يده، ويمسك قلب صديقي داخل صدره، ثم ينتزعه في قوة..
وانتفض جسد رفيقي الثاني، قبل أن يسقط جثة هامدة..
وأصيب الرفيق الثالث والأخير بحالة رعب، لم أرَ لها مثيلاً، وهو يحدق في يد السفاح التي أمسكت قلب رفيقه وهو يتطلع إليه في ازدراء، ثم ألقاه بكل قوته نحو تلك الساحة الخالية قبل أن يلتفت إلى ضحيته الثالثة..

كان الرعب قد بلغ من الثالث مبلغه، حتى أنه راح يطلق صرخات هستيرية مذعورة مكتومة، من خلف كمامته اللاصقة، فجذبه السفاح من شعره، وراح يتطلع إلى رعبه في استمتاع صامت قبل أن يخالف أسلوبه السابق ويضع نصل سكينه الطويل على عنقه ويبدأ في ذبحه بكل هدوء وبرود..

وراح رفيقي الثالث ينتفض..
وينتفض..
وينتفض..

وتفجرت الدماء من عنقه في قوة، وأغرقت ثيابه وثياب السفاح، الذي واصل عمله بنفس الهدوء والبرود، قبل أن ينهض واقفا وهو يحمل رأس رفيقي الثالث من شعره وقد ظلت عيناه متسعتين من الرعب والألم..

رأيت جسد رفيقي الثالث يسقط بلا رأس، والسفاح يقف في هدوء ممسكا بالرأس الذي يقطر دما قبل أن يرفعه إلى وجهه، وكأنما يريد أن يلقي عليه نظرة متشفية أخيرة قبل أن يلقيه أيضا بكل قوته نحو تلك الساحة الخالية..

وبعدها التفت إليّ..
وبكل رعب الدنيا، راح جسدي يرتجف..
لقد حان دوري..
لو أنه قتلهم بكل تلك الوحشية، فماذا سيفعل بى؟
ماذا؟
ماذا؟

اقترب السفاح مني في بطء وانحنى يواجهني مباشرة، التقت عيناه بعينيّ دون مواربة وأصبحت أرى ملامحه في وضوح..
رباه! إنني أعرف هذه الملامح جيدا..
أعرفها بكل تفاصيلها..
أعرفها حتما..
واقترب مني السفاح بوجهه..
واقترب..
واقترب..
و..
"ما كل هذه البشاعة ؟!".

سمعت العبارة فجأة، وتلاشى معها ظلام الليل، لأنتبه إلى أنني راقد على فراش نظيف، في حجرة قليلة الأثاث بها إضاءة جيدة، وعلى مسافة خطوات مني يقف رجل في معطف أبيض، يقول لآخر في ثياب مدنية:
- حالات انفصام الشخصية، التي تبلغ هذا الحد، لا يمكنها أن تتوقف عن تناول الدواء أبدا.

سأله المدني في توتر:
- ما فائدة العلاج إذن؟
أجابه صاحب المعطف الأبيض في حزم:
- الحفاظ على المريض في حالة توازن.. فبدون العلاج، يمكن أن يصنع المريض لنفسه عالما وهميا خياليا، يحقق فيه ما يعجز عن تحقيقه بشخصيته العادية في عالمه الفعلي..

ألقى ذو الثياب المدنية نظرة عليّ، قبل أن يقول:
- أتعني أن عجزه عن الانتقام من هؤلاء الأربعة، الذين أهانوه وسط حيه السكني، هو الذي دفعه إلى تقمص شخصية السفاح الوهمي.
أجابه صاحب المعطف الأبيض في حماس:
- بالضبط.. لقد تقمص في خياله المريض تلك الشخصية الدموية البشعة التي استدرجتهم إلى منطقة مهجورة وقتلتهم جميعهم بلا رحمة، كما سمعته يروي في هذيانه.

أشار إليّ ذو الثياب المدنية، قائلا:
- في عالمه الوهمي؟!
كرر صاحب المعطف الأبيض:
- بالضبط.

التقط ذو الثياب المدنية نفسا عميقا، قبل أن يقول في حزم:
- معذرة أيها الطبيب، ولكنني كرجل أمن لم أستطع غض البصر عن أربع جرائم بهذه الوحشية رواها لي مختل عبر الهاتف، مهما كانت تفسيراتك الطبية، خاصة أنه عندما وصلت سيارة النجدة إلى حيث أشار في اتصاله، كانت هناك دمي ممزقة في كل مكان، وكان هو يقف هناك، ممسكا رأس دمية من القطن، ويصر في هستيريا واضحة، على أنها رأس آخر ضحاياه.

تساءلت في حيرة: عمن يتحدثون؟
السفاح هو من فعل هذا، وليس أنا.
إنهم مصابون بمشكلة نفسية حتما.
لقد خلطوا بيني وبين الآخر.
لديهم انفصام في الشخصية بالتأكيد.
لست أنا من فعلها.

إنه هو..
ذلك السفاح..
الآخر.

***


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.