سيادة الرئيس (أيا من كنت).. تحية طيبة وبعد،،، أكتب إليك رسالتي هذه، وأنا أعلم يقينا صعوبة تنفيذ فكرة تشكيل مجلس رئاسي مدني من شخصيات محترمة محل تقدير واحترام الشعب، ويمثلون مختلف أطيافه ونوعياته للخروج بالبلاد من أزمة التناحر والخلاف، ووضع دستور يأتي على أساسه رئيس جديد يعرف مسبقا من قبل مجيئه طبيعة مهام عمله؛ لأن الإخوان بكل ثقة لن يرحّبوا بهذه الفكرة رغم أنها سترفعهم على الأعناق وتدحض كل الآراء المعارضة لهم، وتصفهم بالطمع والرغبة في "التكويش" السياسي، وبناء عليه فستكون الفريق شفيق أو دكتور محمد مرسي. بالطبع تعلم أن عدد الناخبين الذين نزلوا ليدلوا بأصواتهم في المرحلة الأولى من انتخابات رئاسة الجمهورية لم يتعدّ عددهم 23 مليون ناخب (بافتراض أن جميع أصواتهم صحيحة ولم يكرر أحدهم عملية التصويت)، وهو ما يمثل 43% فقط من إجمالي عدد الناخبين في مصر من الذين كان من المفترض أن يشاركوا في اختيار رئيسهم، بينما غاب أكثر من 27 مليون مصري عن الصناديق الانتخابية؛ ربما لأن بعضهم لا يثق في نزاهة العملية الانتخابية، في حين لا يرى البعض الآخر أي مرشح جدير بحكم مصر. وبعد أن شارك في المرحلة الأولى 23 مليون مصري فقط، يتجه نصفهم من الذين أعطوا أصواتهم لمرشحي الثورة المحصورين فقط في ثلاثة أسماء هم حمدين صباحي، وعبد المنعم أبو الفتوح، وخالد علي إلى مقاطعة المرحلة الثانية أو إبطال أصواتهم لتصل التوقعات أن يشارك حوالي 15 مليون ناخب فقط في المرحلة الثانية والأخيرة، جزء منهم سيذهب إلى خصمك ومنافسك، لتصل بعدها سيادتك إلى الحكم بما لا يزيد على 10 مليون صوت كأقصى تقدير في بلد فاق تعداد سكانه 90 مليون مواطن، فهل تشعر أن كرسي الرئيس سيكون راسخا بقوة من تحتك؟ أم إنه مهزوز وغير مدعم من كافة المصريين قبل مجيئك؟ لا تنسَ يا سيدي أنه في أجواء مماثلة حصل مبارك على حوالي 7 مليون صوت فقط في انتخابات 2005، وقت أن كان تعداد مصر 70 مليون نسمة لينتهي به المطاف إلى خلعه من ثورة شعبية خرج فيها من لم ينتخبوه سواء لأنهم لم يقتنعوا به، أو لأن أعمارهم الصغيرة كانت أقل من 18 عاما بما يسلب منهم الحق القانوني في الانتخاب، لكنه لم يسلبهم حقهم الدستوري في التظاهر والاعتصام، فغيّروا جميعا تاريخ مصر رغم جبروت النظام ودولته البوليسية، فما بالك بمن أتى في أجواء ثورية لم ولن تخمد على مدار السنوات المقبلة، وهو غير مدعّم من الأساس سوى بعدد هزيل من أصوات الناخبين الذين أكسبوه الشرعية، لكنهم لن يكسبوه أبدا الطمأنينة والاستقرار لينام قرير العين مطمئنّ البال، في حين أن هناك مئات الأزمات التي ورثناها عن حكم مبارك على مدار 30 عاما، أو حكم المجلس العسكري على مدار أكثر من 16 شهرا. لا تراهن على أن جميع الكتلة الصامتة قد كفرت بالثورة والتظاهر والتعبير عن الرأي، فلو كانت قد كفرت بكل ذلك حقا، لكانت قد نزلت وصوّتت على الأقل لأي مرشح أيا ما كان، لكنها ظلت على صمتها ولم تشارك في العملية الانتخابية؛ لأنها صامتة بطبيعة الحال ولا تفعل سوى المتابعة، تماما مثلما شاهدت نظام مبارك يتهاوى أمام شاشات التلفاز ولم تتحرك لدعمه أو إكسابه الشرعية ليبقى، وبالمثل لم تتحرك مع باقي الأحداث الجسام التي توالت بعد رحيله في محمد محمود ومجلس الوزراء ومذبحة بورسعيد وأحداث العباسية، ولن تتحرك حتما في أي حدث مستقبلي سواء لصالح النظام الجديد أو الثوار، وأقصى ما سيمكنها فعله هو الكلام وليس الفعل، بينما سيظل هناك أهالي الشهداء والمصابون وأهاليهم، وشباب الأولتراس، وحركة 6 إبريل، وكفاية، والاشتراكيون الثوريون، وغيرهم من الثوار والنشطاء السياسيين، وكل هؤلاء ليسوا في صفّك سواء كنت الدكتور محمد مرسي أو الفريق شفيق، وبالطبع نزولهم جميعا في الأحداث الأخيرة خير دليل وعبرة. هل أدركت فداحة الموقف، وعلمت أنك متورط في تركة ثقيلة، وشعب أغلبه معارض لك من قبل مجيئك أيا من كنت؟ هل حسبتها جيدا وعلمت أنك محسوب على تيار محدد هو الذي أتى بك إلى الحكم، ولست محسوبا على باقي المصريين الذين سينظرون إليك على مدار الأربع سنوات القادمة نفس نظرة أي طفل لزوج الأم الغريب الذي يدخل بيتهم لأول مرة؟ لو فشلت فكرة تكوين مجلس رئاسي مدني، وأتيت إلى الحكم منفردا فستكون أزمتك الكبرى في إقناع المصريين بأنك رئيس من الأساس، وحلّ ذلك سهل وبسيط، ولا يحتاج إلى القوة والصرامة، بقدر ما يحتاج إلى العدل الذي اتفق الجميع على أنه أساس الملك، بجانب توفير أبسط متطلبات المواطن العادي في الصحة، والتعليم، والمواصلات، وحرية التعبير عن الرأي، وكلها أمور سهلة رغم كل أزماتنا ومشاكلنا في بلد خيرها لم ينضب أبدا رغم أنها تتم سرقتها منذ فجر التاريخ. لن يقبل المصريون مرة أخرى بمن يخرج لهم في المواكب ليمنّ عليهم بالتلويح لهم من بعيد، دون أن يعلموا كيف تدار الدولة، وأين تذهب خيراتها.. لن يقبل المصريون مرة أخرى بمن يكبت حريتهم بالقهر والكبت والتهديد.. لن يقبل المصريون مرة أخرى بمن يغمض عينيه عن الفساد والفاسدين الذين تزكم رائحتهم الأنوف. لن يقبل المصريون مرة أخرى بمن يغيّر شكل الدولة ونظامها على هواه، دون الرجوع عليهم واستفتائهم بشكل قانوني لا تشوبه شبهات التزوير والتزييف. لن يقبل المصريون برئيس يحتكر السلطة لصالح فئة وجماعة من الناس يدينون له بالولاء، على حساب باقي التيارات السياسية، والقوى الوطنية. ورغم ذلك أقسم بالله مكررا أن الأمر سيكون سهلا إذا ما وضعت كل ما سبق في ذهنك وأنت تهمّ باتخاذ أي قرار، وعندها سيقول البسطاء إنك حقاً "واحد مننا"، حتى وإن لم يكن اسمك حمدين صباحي، فليس المهم الاسم وإنما الفعل، فهل أنت مستعد وتريد ذلك فعلا؟!