السلام عليكم.. أنا عندي مشكلة مؤرقة؛ حاسة إني ضايعة وأفكاري مشتتة ومش عارفة أنا عاوزة إيه، مع إني مش باعرف أعبر عن أفكاري أو مشاعري بس هاحاول، مع إنها أفكار مشتتة بس حاولوا معايا. أنا اتخطبت بعد ما خلصت دراستي وقبل النتيجة حتى، المهم إنه كان إنسان كويس ملتزم ومحترم وبيحبني ودايما كنت أتمنى المواصفات دي، وافقت عليها لأن تقريبا كل أقاربي مجتمعين على الشخص ده، أنا بصراحة ترددت الأول كتير بس في الآخر وافقت إنما كنت مش مرتاحة وكل ما أقول لحد يقول إنتي لسه ماعرفتيهوش.
نسيت حاجة مهمة.. أنا مؤمنة إن الحب الحقيقي بيكون بعد الزواج، لكن لازم أكن مشاعر للإنسان اللي أرتبط بيه وبعد كده تكبر وتبقي حب، فضلت مش مرتاحة والوقت بيمر وهو يثبت حبه يوم بعد يوم؛ كل ما آجي آخد خطوة وأقول إني أبعد عنه يحسسني بالذنب ويحاول يقرب قولا وفعلا.
فترة الخطوبة أصلا كانت مش كبيرة ولقيت معاد الزواج قرب وحسيت بانهيار وحالتي اتدهورت؛ خايفة أجرح إنسان كل ذنبه إنه حبني وخايفة أظلمه، ولو ظلمته ربنا هايعاقبني، وكان فيه ضغط كبير من البيت، لأنهم شايفين إنه إنسان كويس والمهم أخدت الخطوة وقررت، وفعلا حالتي النفسية بقت زفت وعايشة في صراع كبير وإحساس بالذنب وإني ظلمت حد مش يستاهل؛ كان بيقول دايما قدام الكل إنه نفسه يسعدني.
كنت عاوزة أكمل دارسة، يعني أعمل دراسات عليا في السنة دي، وماكملتش بعد ما فسخت الخطوبة، قدمت في الجامعة السنة دي.. بس المشكلة إني مش ليّ نفس أعمل حاجة وحتى موضوع الارتباط من جوايا رفضاه؛ بلاقي نفسي مش مرتاحة وباخاف أظلمهم زي ما ظلمت خطيبي الأول.
أنا طلبت منه إنه يسامحني بعدها وقال لي إنه سامحني بس أنا والله مش مسامحة نفسي وعرفت إنه رافض الارتباط، وهو حاول يرجع كتير وقال لي أنا موافق إنك تظلميني.. بس أنا قلت له إنت ماتستاهلش إني أظلمك؛ إنت تستاهل إنسانة تحبك وتقدرك والله دايما أدعي له بالزوجة الصالحة لأنه يستاهل.
أنا مش ندمانة إني فسخت الخطوبة، بس خايفة من عقاب ربنا ليّ، كمان لأن الظلم ظلمات يوم القيامة.. حاسة إني وحشة جدا وآذيت وجرحت إنسان حبني، إحساس فظيع والله، نفسي ربنا يسامحني وعاوزة أركز في دراستي وأنتظم فيها لأني صممت عليها، ودلوقتي مهملة فيها جدا وأنا أصلا مش طالبة مهملة..
هأجل موضوع الارتباط فترة لحد ما أستعد نفسيا، لأني حاليا ماعنديش استعداد وده مضايق ماما بس أعمل إيه مش عاوزة أكرر الغلط.
a.a
صديقتي.. أجمل ما استشعرته من بين هذه السطور الرقيقة هو تلك الحالة غير العادية من تأنيب الضمير وتعذيب الذات من أجل مجرد شكوك في نفسك توسوس إليك بأنك ربما تسببت في إيلام وإيذاء أحاسيس شخص آخر، والأجمل من هذا وذاك أنك تفعلين ذلك دون إدراك حقيقي له أو تعمد أو اصطناع، بل هي فطرة نقية حقيقية 100%.
ولكن إذا نظرنا إلى الأمر بشيء من التعقل الزائد نوعا ما، وغير المنغمس في العاطفة كما هي الحال بالنسبة إليكِ الآن فسوف نستنتج أن تعاملك مع المشكلة كان به إيجابيات وشابه بعض السلبيات، ولنتعرض أولا للإيجابيات..
أولا أنك لم تحتملي فكرة التجربة على حساب مشاعر وحياة إنسان آخر، وهو أمر لا تمانع الكثيرات أن يفعلنه دون أدنى ذرة تأنيب للضمير، وما أعنيه هنا هو أنك رفضتي أن تقبلي بالزواج بالرجل؛ لأنك لم تري مجرد احتمال أن تنبت أعشاب الحب الشيطانية في عشكم الصغير سببا كافيا للزواج، وهو احتمال ربما يحدث وربما لا يحدث وبالتالي رفضتي المقامرة بأمر جلل كهذا.
النقطة الإيجابية الثانية والتي ربما أشرنا إليها أعلاه وهو ذاك الشعور الغامر بالذنب وتأنيب الضمير، وتلك الكلمات النادمة بحق عن أشياء فعلتيها وتعقدينها جرما لا يغتفر، وهو كما أسلفت ينم عن فطرة سليمة وأصل طيب صافٍ لم يلوث بعد، فأبقيه على هذا الوضع ولا تدعي أي يد تمتد إليه بروث الحياة.
ولكن هذه الإيجابيات بالتأكيد لا تمنع أن لنا بعض الملاحظات على الطريقة التي تعاملتي بها مع الموقف، ونحن إن كنا نقوم بذكر هذه الملاحظات فبالتأكيد ليس من أجل تعزيز شعورك بالندم على ما فات، والولولة من نوعية "لو كنت فعلت كذا لكان كذا وكذا" ولكن الهدف الأساسي من ذكر هذه الملاحظات، هو أن تكون نموذجا لك في المرة القادمة تتصرفين على أساسه ولا تضطري إلى اللجوء إلى هذه التضحية التي قمتي بها في المرة الأولى.
وما نعنيه هنا أنك تسرعتِ بعض الشيء في الحكم على مشاعركما بالفشل التام والذريع، وأعتقد أن كل ما كنتما تحتاجانه هو بعض الوقت كي تتأكدا خلال هذه الفترة ما إذا كانت المشاعر القائمة بينكما حاليا عفية بما يكفي كي تتحول إلى مشاعر حب حقيقي بعد الزواج بعد أن تقوى ببذور العشرة وتقاوي الحب الحلال.
ولكن –وهذا ما فهمته من حديثك- أن خطيبك أو أهله كانوا يدفعون بقطار الخطوبة بأسرع ما يمكن نحو محطة الزواج، وهو ما أثار رعبك وأثار هلعك وهيج عندك فوبيا الزواج والخوف من الخطأ في الاختيار، فأصبحت الدنيا كلها سوداء، وانتهيت إلى تلك النهاية التي وقفتي عندها، وهي أن المشاعر القائمة حاليا لا تصلح كي تكون مشاعر أزواج.
هوني على نفسك ما تعانيه، ولا تبالغي في تعذيب الذات حتى لا تستلذي الألم وتعتادي عليه، ولا أنصحك بأن تتمادي في قصة مقاطعة الخطوبة والزواج حتى لا ينقلب الأمر معك بفوبيا من فكرة الارتباط في حد ذاتها.. تحلّي بالشجاعة الكافية لكي تختبري مشاعرك ومشاعر الطرف المقابل من خلال فترة أنت من تحددين طولها وعرضها دون سيطرة أو ضغط من أي طرف آخر، ولا أعتقد أن الأهل قد يعاندون في هذه المسألة طالما كنت تتعاملين بشكل فيه من الاحترام الكثير.
وتذكري في النهاية وقبل كل شيء، أننا في الأساس أناس قدريون، وبالتالي فالاختيار سوف يأتي في الوقت الذي حدده الله عز وجل، وهو وقت لا نعرفه، وبالتالي علينا أن نعمل العقل كما أمرنا عز وجل ونأخذ بالأسباب في كل من يتقدم للزواج منك، لعله يكون هو المذكور في الكتاب.. وفقك الله إلى ما يحبه ويرضاه.