بنيامين بن إليعازر -وزير البنية التحتية الإسرائيلي السابق- يعدّ مهندس صفقة الغاز المصرية-الإسرائيلية؛ فهو مّن قام بالتوقيع على الاتفاقية عن الجانب الإسرائيلي، علاوة على أنه كان يعدّ صديقا مقربا للرئيس المخلوع محمد حسني مبارك.. كل هذا دفع مراسل الملحق الاقتصادي لصحيفة هآرتس الإسرائيلية بإجراء حوار صحفي معه؛ لاستطلاع رأيه حول القرار المصري بوقف تصدير الغاز لإسرائيل، وعلاقته بالرئيس المصري السابق وبالمسئولين الحاليين في مصر.. فتعالوا نتابع ما دار خلال هذا اللقاء المهم... هآرتس: ما الذي يجب أن يستشعره المواطن الإسرائيلي جرّاء القرار المصري بوقف تصدير الغاز لإسرائيل؟ بن إليعازر: مصر دولة محورية بالنسبة لإسرائيل، وهناك أشخاص لا يعلمون وزنها بالضبط؛ فهي كانت العنصر الذي يُؤدّي إلى استقرار السعودية وباقي دول الخليج، وهي كانت متحكمة في جامعة الدول العربية، وفقدانها سيُشكّل ضربة قاسمة لنا نحن كإسرائيليين، والقصة برمتها ستتغيّر تماما من الآن؛ فالجيش المصري سيفقد نفوذه لصالح الحكومة، وهذا شيء سيئ جدا بالنسبة لإسرائيل، ومن المهم أن تظلّ هناك علاقة تربطنا بمصر بأي ثمن.
هآرتس: بماذا تفسّر التصريحات الأخيرة لنتنياهو بهذا الشأن؟ بن إليعازر: نتنياهو يتمنّى أن يجد نفسه في وضع تكون فيه العلاقات مع مصر مستمرة كما كانت في السابق، وهو يتصرّف بشكل صحيح، وأنا سأكون سعيدا لو عثرنا على طريق نتمكّن من خلاله من استئناف العلاقات بين مصر وشركة شرق المتوسط، ويمكن التفاوض حول عقد وسعر جديد؛ ولكن إذا تابعنا تصريحات جميع المرشحين للرئاسة في مصر سنجد أنهم جميعا يعلنون عن نيتهم إلغاء اتفاقية الغاز.
هآرتس: هل تقصد أن قرار مصر إلغاء اتفاقية الغاز قرار سياسي؟ بن إليعازر: بالتأكيد قرار سياسي، فلا يمكن أن يتم إغلاق أنبوب غاز دون تصديق من المستوى السياسي؛ ولكن على الجانب الآخر علينا أن نتذكّر أن الحكومة المصرية الحالية هي حكومة انتقالية؛ لذلك علينا الانتظار لرؤية ما ستفعله الحكومة القادمة، ونتنياهو يتحدّث عن أن إسرائيل أصبحت قوة عظمى في الغاز، وهذا صحيح؛ لكنني رغم ذلك أريد أن تستمرّ اتفاقية الغاز مع مصر بأي ثمن؛ لأن أهميتها تنبع من كونها دعامة للسلام.
هآرتس: إذا كان الأمر كذلك؛ فهل يعني هذا تصدّع السلام؟ بن إليعازر: عندما علمت بقرار وقف تصدير الغاز المصري قلت إن الحلقة الأخيرة في عقد السلام بين مصر وإسرائيل قد انفرطت، وأنا أرى أن الشرق الأوسط أصبح أكثر تدينا، وأكثر أسلمة، وأكثر كرها لإسرائيل، وأنا لا أعتقد أن الشرق الأوسط سيهدأ خلال السنوات الثلاثة أو الأربعة القادمة.
هآرتس: أنت تتفق مع تصريحات شاؤل موفاز الذي وصف إلغاء عقد الغاز بأنه بمثابة خرق لاتفاقية السلام، أم مع تصريحات نتنياهو الذي حاول التقليل من أهمية هذا الإلغاء؟ بن إليعازر: كنت سأنتهج خطا وسطا بين الاثنين؛ حيث كنت سأرحّب برغبة المصريين التفاوض حول عقد غاز جديد، وفي المقابل كنت سأضع في حسباني أن الوضع ليس جيّدا.
هآرتس: في عام 2005 رأيت بالفعل أن مجموعة صغيرة من الأشخاص يجنون فوائد ومكاسب ضخمة من صفقة الغاز، في الوقت الذي لم تتحسّن فيه أوضاع ملايين الفلاحين المصريين على طول دلتا النيل.. ألم تُفكّر حينها أن هذا الاتفاق سينهار في النهاية نتيجة لهذا الأمر؟
بن إليعازر: كوزير في الحكومة الإسرائيلية؛ فإنني لا أفكّر إلا في أمر واحد فقط؛ ألا وهو مصلحة دولتي؛ فإسرائيل كانت تبحث عن غاز يورد إليها سريعا، لذلك تنقّلت ما بين موسكو وتركيا ومصر.. والتقيت بوتين، والتقيت مدير عام شركة جازبروم الروسية مرتين، وأقمت منظومة علاقات صداقة مع كل من رجب طيب أردوجان ووزير النفط التركي، وأنا لا أقوم بعمل حسابات اجتماعية-اقتصادية لدولة أخرى؛ لكنني معنيٌ فقط بالسرعة التي أنجح فيها في مد خط الغاز الرابط ما بين سيناء وعسقلان.
هآرتس: وهل هذا تصرّف أخلاقي؟ بن إليعازر: نعم.. وأنت ملزم دائما بأن تسأل نفسك ما هي القيمة التي ستُحقّقها في البداية، وفي نظري فإن تدعيم السلام كان هو القيمة العليا، وصفقة الغاز كانت مع شركة EMG التي يمتلكها رجل الأعمال الإسرائيلي يوسي ميمان، ولم يكُن يعنيني شيئا سوى مدّ أنبوب الغاز، ولم أتدخل في أي مفاوضات تجارية.
هآرتس: بصفتك متابع جيد لما يحدث في الشرق الأوسط.. ألم تلاحظ وجود خطر، ألم ترَ الاحتجاجات تتصاعد؟ بن إليعازر: هذا لا يعنيني، وحتى إنني لم أفكّر في هذا الأمر لأن ذلك لم يقلقني.
وأنا أرى أن إسرائيل ترتكب خطأ عندما لا تبادر بعمل تسويات مع المحيطين بها، وأعتقد أيضا أنه يجب فتح قناة حوار حتى مع الإخوان المسلمين؛ حيث يجب ألا ننسى أنه كان محظورا في الماضي التحدّث مع منظمة التحرير الفلسطينية، بينما أصبح أعضاؤها الآن شبه صهيونيين.
هآرتس: هل ترى أن سيناء تضيع؟ بن إليعازر: أفضل فترات سيناء والبدو هناك عندما كانت إسرائيل تسيطر عليها؛ فالأنشطة التجارية نمت، والسياحة ازدهرت، والصيد كان يتم بحرية، والآن سيناء أصبحت بمثابة قنبلة موقوتة، والإحباط يسودها.
هآرتس: إذن ما هو الحل؟ بن إليعازر: كلي أمل في أن يقف النظام المصري الجديد على قدميه ويعود ليصبح صاحب الكلمة هناك؛ لكن السؤال هنا: من سيصل إلى مؤسسة الرئاسة؛ السلفيون أم الإخوان المسلمون أم في نهاية الأمر عمر سليمان؛ فالاحتجاجات لم تهدأ؛ بل لا تزال قائمة ولن تهدأ، وعامة الشعب لا يلعبون حاليا في هذا الملعب؛ بل هم مشغولون بالبحث عن الخبز والزيت والفول.. والمشكلة تكمُن في الشباب المثقف الذين هم نواة الثورة.. انظر إلى لغتهم الإنجليزية، وكم أنهم يقضون طوال الوقت على فيسبوك وجوجل، وهو الذي سيجعلهم يطالبون بمزيد من الميزانيات والمخصصات، ويعملون على أن تصل الأموال إلى الجماهير، وإذا لم يجدوا استجابة سيتوجهون إلى الله.
هآرتس: إذن اتفاقية السلام ماتت بالفعل؟ واتفاقية الغاز أصبحت تذكارا؟ بن إليعازر: طوال الوقت يجب أن تستعد إسرائيل لاحتمالية الدخول في مواجهات مع مصر، وأتمنى أن أكون مخطأ في ذلك، وأن يكون لدى الحكومة المصرية القادمة الرغبة في الجلوس معنا، وإذا كنت مستشار الرئيس المصري القادم؛ كنت سأقول له تمسك باتفاقية السلام بأي ثمن؛ أولا: لأنها تضمن له سنويا مبلغ 2 مليار دولار مساعدات أمريكية، ثانيا: لأنه غير مُهيأ حاليا لتخصيص مبالغ ضخمة لتجهيز الجيش للدخول في مواجهات، بينما لا شعب يئن.. فمصر بها 85 مليون نسمة، ثلثهم لا يتعدّى دخله 2 دولار يوميا.
هآرتس: وماذا كنت ستنصحه بشأن اتفاقية الغاز؟ بن إليعازر: كنت سأنصحه بأن يحافظ عليها؛ فأنا أرغب في وجود علاقات جوار طيبة، وتنسيق أمني وسفارات؛ فأهمية وجود خط الغاز تتساوى في نظري مع أهمية وجود اتفاقية السلام نفسها.
وأودّ أن أشير هنا إلى صحيفة مصرية نشرت مؤخرا مقالا يتحدّث عن مذكرات كتبها مبارك من محبسه، واعترف فيها أنه دفع لي 25 ألف دولار شهريا مقابل خدمات استشارية.
وأنا أؤكّد هنا أن القصة برمتها لا أساس لها من الصحة، ولم يقُم مبارك بكتابة أي مذكرات، وأودّ أن أُشير إلى أن المعارضة المصرية كانت تطلق عليّ "المجرم"؛ بعد اتهامي بقتل 250 مصريا خلال عملية "شاكيد"، وتمّ إصدار حكم بالإعدام ضدي، ولولا مبارك الذي قام بتهدئة الأجواء هناك لتعرّضت لخطر فعلي، وهذه هي نفس المعارضة التي اختلقت هذه القصة ضدي عن طريق صحفي صغير ومغمور.