في الأيام الماضية ثار جدل كبير في المملكة المتحدة حول إمكانية ترحيل رجل يوصف بأنه "شخص شديد الخطورة" و"مفتاح رئيسي" لكل أنشطة تنظيم القاعدة الإرهابية في بريطانيا.. ذلك هو الداعية الإسلامي المتشدد أبو قتادة. أبو قتادة واسمه الحقيقي عمر عثمان، أردني من أصل فلسطيني، ما زال يكافح منذ ست سنوات قرار ترحيله إلى الأردن. وقد كانت خسارته للطعن المقدّم بقضيته إلى لجنة طعون الهجرة الخاصة في فبراير 2007 انتصار كبير لخطة الحكومة البريطانية في إيجاد طرق لترحيل المشتبه بتورطهم في الأعمال الإرهابية، والذين لا يمكن محاكمتهم داخل بريطانيا. لكن أبو قتادة طالب بعدم ترحيله بدعوى أنهم سيستخدمون في محاكمته بالأردن معلومات يقال إنها انتزعت منه تحت التعذيب، حيث يواجه اتهامات بالتخطيط لحوادث تفجيرية. في يناير اضطرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إلى الحكم لصالحه وأخلت سبيله، وإن كان ذلك بكفالة وشروط مشددة، مما جعل الوزراء يطلبون ضمانات إضافية من الحكومة الأردنية؛ لتمكينهم من تجديد إجراءات الترحيل وتفعيلها. وصل أبو قتادة البالغ من العمر 51 عاما إلى بريطانيا كباحث وعالم في سبتمبر 1993، وطلب حق اللجوء بدعوى أنه تعرّض للتعذيب في الأردن، وكان قُبيل وصوله إلى بريطانيا يعيش في باكستان بالقرب من الحدود الأفغانية. وبالفعل في عام 1994 تم الاعتراف به كلاجئ، وسُمح له بالبقاء. على الصعيد الإسلامي كان أبو قتادة من ضمن مجموعة كبيرة من الإسلاميين الذين لجأوا إلى بريطانيا في أواخر الثمانينيات والتسعينيات أثناء فرارهم من الأنظمة العربية الاستبدادية التي كانوا يسعون للإطاحة بها. وأصبح أبو قتادة بسبب مؤهلاته ومكانته العلمية لاعبا مهما في الساحة الإسلامية بلندن، والتي سميت مؤخراً من قبل معارضوها "لندنستان". وخلال أعوامه الأولى في لندن، مارس أبو قتادة الدعوة في أحد المراكز الاجتماعية " the Fourth Feathers community centre" بالقرب من حديقة ريجينت Regent's Park كما عقد اجتماعات في بيته. وكان الداعية جزءا من حركة واسعة تدعو لفرض الحكم الإسلامي على البلدان الإسلامية، وقال إن الشريعة الإسلامية تقر حمل السلاح ضد الطغاة والغزاة الأجانب باعتبارهم أعداء للمسلمين. وهذه الأفكار التي تطورت عبر سنوات عديدة ما هي إلا جزء من الجذور الفكرية لتبرير وإقرار تنظيم القاعدة بكم أكبر من العنف. وفي محاولات الأجهزة الأمنية البريطانية تفهّم الساحة الإسلامية اقتربت المخابرات العسكرية MI5* من أبو قتادة في أكثر من مناسبة؛ لتطلب منه المساعدة في تخفيف التهديدات لبريطانيا. وبحلول عام 1995 كان من الواضح أن تأثير أبو قتادة كبير للغاية، خاصة في صفوف الإسلاميين المسلحين بالجزائر ومصر، فكانت أحكامه الدينية "الفتاوى الخاصة به" تؤخذ بمنتهى الجدية من قبل أتباعه. وفي أحد الفتاوى في ذلك العام قال الداعية بجواز قتل الزوجات والأبناء "المرتدين" (أولئك الذين خرجوا من الإسلام) من أجل وقف القمع في الجزائر. وكان الأثر العملي لهذه الدعوة أن الإسلاميين المسلحين في البلد استخدموا فتاواه هذه؛ لتبرير الهجمات ضد المدنيين على أساس أن أي شخص لا يتبعهم هو ليس مسلما حقا. آراء قاسية حتى أواخر عام 1997 لم يعتبر أبو قتادة بشكل كامل جزءا من الحركة الأوسع لأعمال العنف الدولية المسماة "الجهاد" والتي كان تنظيم القاعدة على رأسها. ولكن السلطات تعتقد أن آراءه كانت قاسية ومتصلبة، خاصة بعد خطبة استهدفت اليهود، وبحلول عام 2001 كان الداعية قد أصدر أحكاما لتبرير الهجمات الانتحارية، كما رأينا في مقابلته مع بانوراما BBC في نفس العام. وقد وصف القاضي الإسباني بالتزار جارزون أبو قتادة بأنه "الأب الروحي للمجاهدين في بريطانيا"، وبالتالي فإن السؤال المطروح على السلطات البريطانية هو: هل يدعم أبو قتادة الآن "العمليات الاستشهادية" ضد الأهداف الغربية أم لا! وفي النهاية خلصت أجهزة الأمن والشرطة إلى أن أبو قتادة يشكّل تهديدا، حيث قالوا في بيان المحكمة "إن الداعية كان يقدّم من المشورة ما يضفي شرعية دينية للأشخاص الراغبين في التطرف أو الاشتراك في هجمات إرهابية بما في ذلك التفجيرات الانتحارية". وقالت السلطات إن عددا من الأشخاص الذين تم القبض عليهم في حوادث متعلقة بالإرهاب قد تأثروا بأبو قتادة، فكل من ريتشارد ريد (الذي حاول تفجير إحدى الرحلات الجوية عبر الأطلسي بقنبلة أخفاها في حذائه) وزكريا موسوي (المعروف بأنه الخاطف رقم 20 في مجموعة تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001، ولكنه فشل في الوصول للولايات المتحدة؛ لعدم منحه تأشيرة دخول) قد سعيا للحصول على فتوى منه، وكلاهما حُكم عليه بالسجن لمشاركته في أعمال إرهابية، كما تم العثور على خطب الداعية في شقة هامبورج المستخدمة من قبل بعض مرتكبي 11 سبتمبر. وعندما تم استجواب أبو قتادة عام 2001 عن اتصالاته المزعومة بخلية ألمانية، عثرت الشرطة على 170 ألف يورو بمنزله ومن ضمنها 805 يورو في مغلف مكتوب عليه "للمجاهدين في الشيشان"، ولم توجّه له أي اتهامات. ولكن أبو قتادة اختفى ليلة صدور قانون جديد يتيح للسلطات اعتقال الأجانب المشتبه بتورطهم في الأعمال الإرهابية من دون تهمة أو محاكمة، لاحقا تم تتبعه حتى وصل إلى مجمع سكني حكومي في جنوبلندن وأخذ إلى سجن "بيلمارش". ولكن أخيرا سيادة القانون حكمت بأن احتجازه غير قانوني، وأصبح أبو قتادة واحدا ممن تعرضوا للتوقيف بالقوة، وشكل من أشكال الاعتقال من المنزل. بعدها أعيد اعتقاله وقيل إنه سيتم ترحيله إلى الأردن، حيث قيل إنه قد أدين غيابيا بالتورط في مؤامرة لاستهداف سياح أميركيين وإسرائيليين خلال احتفالات البلاد بالألفية. الأوضاع الحالية الموقف غير الواضح للعيان هو: أين يقف بالضبط "أبو قتادة" الآن؟ بعض الإسلاميين المؤثرين قد نبذوا تنظيم القاعدة في السنوات الأخيرة وخاصة أكبر مجموعة جهادية في ليبيا. في ديسمبر 2005 قدّم أبو قتادة نداء عبر الفيديو إلى خاطفي الناشط البريطاني من أجل السلام نورمان كيمبر في العراق، وأذيع التسجيل في الشرق الأوسط، ولكنه قد قام بهذا التسجيل داخل سجن "فل ساتون" بالقرب من "يورك" حيث كان ينتظر إجراءات التسليم، والسؤال هل كان هذا النداء حقيقيا أم ببساطة نوع من التكتيك. في عام 2008 سُمِح له بالخروج من السجن لفترة وجيزة بكفالة، وبينما هو يواصل معركته مع الترحيل القانوني، تعرّف الداعية أبو قتادة على محمد علي (الذي يدير قناة الإسلام الفضائية) واستمرت علاقته به لسنوات أجرى خلالها حوارات معه في تلك الفترة التي قضاها خارج السجن. والذي قال ل BBC"إن أبو قتادة ليس له أي علاقة بالإرهاب أو بتنظيم القاعدة، وإنه لم يحدث أبدا أن وافق أو أيّد ما حدث في 11 سبتمبر بالولايات المتحدةالأمريكية أو في 7 يوليو ببريطانيا". "لقد قال إنه لو كان يعلم أن شيئا ما سيحدث لكان منعه، فهو يعتقد أن الجهاد يقتصر إما على الدفاع عن البلاد الإسلامية إن أتاها الغزاة أو استخدام القوة للإطاحة بالأنظمة الديكتاتورية". وأضاف أنه يعتقد "أن هناك عهدا يقف بين أي مسلم يأتي إلى هذا البلد وبين الحكومة، ويجب أن يصان هذا العهد ويحترم من الطرفين". لكن بوب كويك -الرئيس السابق لمكافحة الإرهاب في شرطة سكوتلاند يارد- لا يصدّق هذه الحجج. يقول كويك: "سأصف أبو قتادة بأنه رجل شديد الخطورة وذو تأثير كبير، ولديه شبكة اتصال جيدة بشكل ملحوظ في أوروبا والشرق الأوسط، كما أن لديه آراء متطرفة جدا، وعلى استعداد لنشر هذه الآراء للتأثير على أراء الآخرين وتصرفاتهم". "وكما حظي بشبكة اتصالات واسعة، كان متصلا أيضا بشكل جيد مع تنظيم القاعدة، فلقد كان من الداعمين النشطين للإرهاب وللأهداف الإسلامية المتطرفة المرجوة من وراء الأعمال الإرهابية". "وقد يكون خطرا في هذه المرحلة أن نظن أن نفوذه قد تضاءل". "ربما يكون قد تضاءل بسبب وجوده في السجن، خصوصا، على مدى السنوات القليلة الأخيرة، ولكن لكي نلمح إلى أنه غير قادر على العمل واستقبال الاتصالات واستعادة نشاطه في المستقبل أظنه ادّعاء جريئا". مثل هذه الآراء كانت السبب في أن الحكومات المتعاقبة قد سعت لترحيل أبو قتادة بإصرار شديد. حصل الوزراء على مذكرة تفاهم مع الأردن تنص على ضمان حقوق أبو قتادة الإنسانية، وهي خطوة قبلها القضاة الأوروبيون لحماية الداعية من التعذيب. لكنها رفضت ترحيله متعللة بأن إعادة محاكمته في الأردن على الأرجح ستتضمن معلومات يقال إنها انتزعت منه تحت التعذيب، وهو أمر محظور بموجب القانون الدولي. وفي فبراير أمر القضاة البريطانيون بالإفراج عن أبو قتادة بكفالة. ومع ذلك يخضع أبو قتادة بعد الإفراج عنه لشروط قاسية منها ارتداء جهاز تتبع إلكتروني، ولا يُسمح له بمغادرة منزله في لندن سوى مرتين لمدة ساعة كل يوم، كما أنه محظور عليه الذهاب إلى المسجد أو إمامة الصلاة أو استخدام الموبايل أو الإنترنت. وفي الوقت نفسه، يواصل الوزراء بذل جهودهم لتوفير ضمانات بأن الأردن لن يستخدم أدلة التعذيب ضد أبو قتادة قبل محاولة ترحيله من جديد. عن BBC