"احتجاجات يونيو 2009".. كانت تلك هي التميمة أو كلمة السر التي أعطت للنظام الإيراني الحق في قمع المعارضة والنشطاء وانتهاك أي حق من حقوق الإنسان؛ حيث خرج الشعب الإيراني في تظاهرات حاشدة مناهضة للحكومة الإيرانية؛ احتجاجا على ما وصفوه بالتزوير في الانتخابات لصالح نجاد وضد مير حسين موسوي، وكانت هذه التظاهرات هي البداية الحقيقية لتدهور أوضاع حقوق الإنسان؛ حيث عمدت إيران إلى قمع المعارضة بصورة مخيفة، وكانت البداية الحقيقية أيضا لاستهداف الناشطين السياسيين والمحامين والصحفيين والطلاب والمدافعين عن حقوق المرأة والأقليات الدينية. ومنذ هذا التاريخ وقد تزايدت أحكام الإعدام، فيما تمّ وضع السياسيين المعروفين مهدي كروبي ومير حسين موسوي رهن الإقامة الجبرية عقب دعوتهما لتظاهرات داعمة للديمقراطية في كل أنحاء البلاد، وذلك بحسب تقرير مبعوث الأممالمتحدة الخاص في شهر سبتمبر 2011. ووسط ضغوط دولية وخارجية، وبالنظر لنظام لا يهتم إلا ببقائه؛ فإن فرص إصلاح الداخل الإيراني تكاد تكون منعدمة -أو هكذا يعتقد المراقبون- الذين دعوا المجتمع الدولي لتسليط الضوء على انتهاكات الحكومة الإيرانية لحقوق الإنسان. القمع تحت ستار الدين وعلى الرغم من توقيع إيران على الاتفاقية الدولية للحقوق السياسية والمدنية والاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فضلا عن الدستور الإيراني الذي يضمن حرية التعبير عن الرأي والتجمع والعقيدة؛ فإن ميهرانجيز كار -المحامي وناشط حقوق الإنسان الإيراني- يرى أن كثيرا من المواد الدستورية التي تتعلق بحريات بعينها هي غامضة في أغلبها، وكثيرا ما يتم تعليقها في ظروف خاصة، وفي أماكن بعينها. ويعطي ميهرانجيز مثالا على هذه المواد الغامضة بالمادة رقم 24 من الدستور الإيراني المتعلقة بحرية الصحافة والتي تقول "حرية النشر والصحافة مكفولة للتعبير عن مختلف الأفكار ما لم تخالف تعاليم الإسلام، وتتعارض مع الحريات العامة على أن يوضح القانون تلك الحالات ويحددها". ويضيف الناشط الإيراني "وما دام أن تعاليم الإسلام التي يتحدث عنها الدستور على وجه الخصوص غير محددة بصورة واضحة، فمن حق السلطات الإيرانية أن تُعيد صياغة ما تراه من موضوعات بما يتناسب ومصالحها السياسية تحت مسمى تعارضها مع تعاليم الإسلام". وفي أعقاب فوز أحمدي نجاد بانتخابات الرئاسة في 2009 وادعاءات مير حسين موسوي -منافسه في هذه الانتخابات- بوقوع عمليات تزوير لصالح نجاد واندلاع تظاهرات عارمة في كل أنحاء البلاد، قامت السلطات الإيرانية بقتل عشرات المتظاهرين واعتقلت الآلاف، ومنهم من أدلى بشهادات حول تعرّضه للتعذيب فضلا عن تحديد إقامة مهدي كروبي ومير حسين موسوي، ورغم ذلك فقد أرسلت إيران تقريرا إلى الأممالمتحدة تؤكد فيه التزامها الكامل بالاتفاقية الدولية للحقوق السياسية والاجتماعية. من جهتها أكدت جمعية مراقبة حقوق الإنسان المستقلة أن التقرير لم يردّ على كل الاتهامات الموجهة للنظام الإيراني بانتهاك حقوق الإنسان خلال احتجاجات عام 2009، وإنما يركز فقط على مدى توافق تصرفات الحكومة الإيرانية تجاه المحتجين مع أحكام الدستور الإيراني والقوانين المدنية والجنائية، وحتى في هذا النطاق فالجمعية تعتقد أن الحكومة الإيرانية لم تثبته فعليا. قائمة المتهمين وقد وجّهت عدد من المنظمات الدولية اتهامات لبعض أجهزة النظام الإيراني بانتهاك حقوق الإنسان، وتحديدا أجهزة الأمن والحرس الثوري، وكذلك حرس الباسيج الإيراني (ميليشيات من المدنيين المتطوعين وتتبع المرشد الأعلى مباشرة)، وكذلك القضاء الإيراني الذي يقول عنه هادي غايمي -المدير التنفيذي للحملة الدولية لحقوق الإنسان في إيران- إن القضاء تحوّل مؤخرا لأداة رئيسي لقمع المتظاهرين والتخلص من كثير من الناشطين السياسيين وأصحاب الرأي الذين كان وجودهم بمثابة تهديد حرج للنظام وبقائه، فهو يطبق العقوبات الإسلامية مثل الجلد والرجم وبتر الأطراف وهي كلها أمور يعتبرها القانون الدولي تعذيبا. وبخلاف كل ما سبق فإيران لديها محكمة استثنائية وهي المحكمة الثورية الإيرانية التي يظل موقفها القانوني محلّ تساؤل وعلامة استفهام بالنسبة لكثير من جماعات حقوق الإنسان؛ حيث إن هذه المحكمة تمّ تشكيلها في أعقاب قيام الثورة الإيرانية الإسلامية عام 1979 بهدف محاكمة رموز النظام السابق، ولكنها رغم ذلك تنظر قضايا أخرى تتعلق بالأمن القومي والتجسس وتهريب المخدرات. كل التقارير الواردة من المنظمات الدولية والحكومات الأوروبية تنتقد بقوة سجلّ إيران فيما يتعلق بحقوق الإنسان وكذلك تقرير الخارجية الأمريكية عن عام 2010 اتهم النظام الإيراني وقوات الباسيج بارتكاب جرائم قتل وتعذيب وقمع بحق المتظاهرين وإساءة معاملتهم مستغلين الحصانة التي يتمتعون بها، وهي كلها اتهامات أنكرتها طهران، فيما تعبر جماعات حقوق الإنسان العاملة بإيران عن قلقها البالغ إزاء عدد من الأمور كالتالي: القبض التعسفي والاعتقالات فهناك أكثر من 4 آلاف شخص تمّ اعتقالهم لعلاقتهم بتظاهرات عام 2009 المتعلقة بالنزاع الرئاسي بين نجاد ومير حسين موسوي، فيما اعتقل المئات في أعقاب التظاهرات الأخيرة المناهضة للحكومة الإيرانية، وهو ما تنفيه الحكومة الإيرانية، وتدعي إجراءها محاكمات عادلة للمعتقلين؛ رغم أنها تمارس سياسة ممنهجة في التعذيب بحق معتقليها بالسجون. عقوبة الإعدام وفقا لجماعات حقوق الإنسان فإن النظام الإيراني يستخدم تطبيق عقوبات الإعدام كوسيلة سياسية، فقد لاحظ مبعوث الأممالمتحدة الخاص تزايد حالات الإعدام سواء الرسمي أو السري غير المعلن، ووفقا لمنظمة العفو الدولية فقد نفذت الحكومة الإيرانية أحكام إعدام بحق 177 شخصا في عام 2006 فقط فيما تعدم أكثر من 300 شخص سنويا منذ هذا التاريخ. وتؤكد الجماعات الحقوقية أن هذا الرقم ارتفع سنويا إلى 552 حكم إعدام منذ عام 2010 وذلك في حال تمّ احتساب حالات الإعدام السرية، وأكدت تقارير الأممالمتحدة أن إيران تنفذ أحكاما بالإعدام بحق أحداث، وهو ما يتناقض مع تعهداتها والتزاماتها الدولية. حقوق المرأة المنتدى الاقتصادي العالمي في مؤتمره عام 2010 أكد أن الدستور الإيراني يضمن المساواة بين الرجل والمرأة، ولكن وفقا للمعايير الإسلامية، وأن المرأة تعاني رغم ذلك التفرقة في المعاملة عن الرجل؛ حيث يتعذر عليها ممارسة حقوقها في التعليم والصحة والعمل السياسي، وقد احتلت إيران المرتبة 123 من بين 132 دولة فيما يتعلق بحقوق المرأة. وعلى الرغم من أن هذا الترتيب هو أفضل من ترتيب دول أخرى في المنطقة مثل مصر والمغرب؛ فإن تقارير الأممالمتحدة تؤكد أن تطبيق القوانين الخاصة في إيران يُشكّل حاجزا أمام حصول المرأة على حقوقها في المساواة مع الرجل، وتعتبر شهادتها في المحكمة بنصف شهادة الرجل، وليس لها حقوق في الميراث أو الحضانة على أولادها حتى في حال وفاة الزوج -وبحسب التقرير- فمن تُطالب من النساء بالمساواة وحصول المرأة على حقوقها يتعرض للاستهداف من قِبل النظام الإيراني. المرأة لا حقوق لها في المواريث بإيران الأقليات الدينية والعِرقية وغيرها تتعرض الأقليات الإيرانية مثل السنة والصوفيين والعرب والأهواز والبلوشيين والأكراد والبهائيين والمسيحيين والبهائيين على وجه الأخص أكثر من يتعرض إلى التمييز على يد النظام الإيراني، سواء في الوظائف أو في فرص التعليم ويتعرضون لعمليات اعتقال تعسفية ومحاكمات غير عادلة. وبحسب تقرير منظمة حقوق الإنسان؛ فإن إيران هي واحدة من 7 دول يسمح قانونها بإعدام المثليين. ومعظم انتهاكات حقوق الإنسان التي ينفّذها النظام الإيراني غالبا ما يكون لها أسباب سياسية تتعلق بإحكام قبضته على الشعب الإيراني. الأمل في الإصلاح وعلى الرغم من قيام ثورات الربيع العربي في مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن؛ فإن بعض المحللين الإيرانيين يستبعدون فرضية أن يقوم النظام الإيراني بمحاولات للإصلاح الداخلي لهذا النظام الفاسد استجابة للمناخ العام في المنطقة؛ حيث يؤكد هادي غايمي -المدير التنفيذي للحملة الدولية لحقوق الإنسان في إيران- أن النظام عوضا عن ذلك جعل من أجهزته الأمنية أكثر تعسفا وقمعا؛ لحفظ أمنه. وبحسب إيزابيل كولمان -كبيرة الباحثين بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأوسط- فإنها لا ترى في الأفق أي خطوات أو اتجاه نحو التخفيف من حدة الجمهورية الإيرانية، فهي تعترف بحدوث إصلاحات حقيقية إبان عهد الرئيس محمد خاتمي من 1997 - 2004 وتحسن نسبي في مجال حقوق الإنسان؛ ولكنها تستبعد في الوقت نفسه أن يكون هناك أي خطوات نحو الإصلاح في عهد الرئيس نجاد، وأن وضع حقوق الإنسان سوف يظل كما هو ما دام هذا النظام باقيا. غايمي يعتقد أن حركة المعارضة الخضراء الإصلاحية تعاني ضعفا داخليا وينقصها القيادة والرؤية السياسية، ومن أجل أن تشكل تهديدا حقيقيا للنظام يجب عليها أن تتحد مع الأطياف الإيرانية خارج البلاد؛ حتى تتمكن من مواجهة قمع النظام وآليته الأمنية. ويعتقد الخبراء أن الصراع الدائر بين المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي والرئيس أحمدي نجاد على السلطة، ومطالبة الأول بتقليص صلاحيات الرئيس بصورة أكبر، والتحول شيئا فشيئا للنظام البرلماني هي كلها أمور من الممكن أن تؤدي لخطوات إصلاحية؛ ولكنها في الوقت نفسه ربما تجعل من خامنئي يُصر على أن يخضع الرئيس الجديد أو رئيس الوزراء القادم لسلطته المباشرة. ويعتقد غايمي أن نقطة التحول الرئيسية سوف تكون في الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 2013؛ حيث سيسعى خامنئي إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي كله، وربما يواجه معارضة شرسة من مصادر القوة في طهران. وتقول روكسانا صبري -الصحفية الأمريكيةالإيرانية التي قضت 4 شهور في سجن إيفن الإيراني سيئ السمعة- إن كثير من الإيرانيين يرغبون في نظام أكثر ديمقراطية وأكثر تقدما؛ ولكن من غير المعلوم عدد من يرغب في نظام إسلامي بحت أو نظام علماني بحت. ويضيف غايمي أنه "من أجل المضي قُدُما في أي إصلاح يجب علينا أولا أن نجري إصلاحات أساسية في قوانين الانتخابات التي تمنح مجلس الحرس الثوري المكون من 12 من الفقهاء يعين 6 منهم مباشرة من قِبل المرشد الأعلى الحق في الاعتراض على مرشحي البرلمان أو مرشحي الرئاسة، وكذلك إصلاح القضاء وتقليل الاعتماد على الآلة الأمنية". الخيارات السياسية المتاحة ويعتقد الناشطون الحقوقيون أن تركيز المجتمع الدولي على البرنامج النووي الإيراني -حيث تعتقد الدول الأوروبية أنه غير سلمي ويهدف لتطوير أسلحة نووية- قد أعاق خطوات الإصلاح الداخلي في إيران. وبحسب شيرين عبادي -الناشطة السياسية الإيرانية الحائزة على جائزة نوبل في مجال حقوق الإنسان- "فقد أعاق البرنامج النووي -مع الأسف- خطوات الإصلاح الداخلي في مجال حقوق الإنسان". ولكن هذا الحال لم يستمر كثيرا منذ الانتفاضة الإيرانية في 2009 ضد النظام الإيراني عقب النظام الرئاسي بين نجاد ومير حسين موسوي؛ حيث أرسلت الأممالمتحدة مبعوثها من أجل التحقيق في ادّعاءات انتهاكات حقوق الإنسان منذ 2002 وحتى الآن، وفرضت الولاياتالمتحدة لأول مرة عقوبات على إيران في سبتمبر 2010؛ بسبب هذه الانتهاكات، حيث تمّ منع 10 من المسئولين الإيرانيين من السفر إلى الولاياتالمتحدة بخلاف العقوبات الاقتصادية الأخرى، كذلك قام الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على أكثر من 32 مسئولا إيرانيا في شهر إبريل من العام 2011 و 25 آخرين في شهر أكتوبر. ويعتقد غايمي بأنه على الرغم من أن هذه العقوبات لم تأت بنتيجة بعد؛ فإنها وسيلة فعالة في استمرار تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان بإيران، والتشهير بممارسات السلطات هناك؛ "وهي الوسيلة المثلى لإظهار الاهتمام الدولي بحقوق الإنسان داخل إيران"، مطالبا في الوقت نفسه بتطبيق عقوبات على القطاعات الخاصة التي تدعم القمع الأمني الإيراني بشكل أو بآخر مثل الجهات التي تراقب الهواتف المحمولة وأجهزة القمر الاصطناعي وشركات دعم خدمات الإنترنت. ويرى بعض الخبراء أنه يجب على الولاياتالمتحدة أن تبذل جهدا أكبر في مجال المساعدة التكنولوجية للنشطاء الإيرانيين؛ حيث تقوم الولاياتالمتحدة حاليا بتدريب منظمات المجتمع المدني الإيرانية ومدّها بوسائل لمواجهة مراقبة الحكومة للإنترنت وإخفاء بعض المحتويات. المعنى نفسه أكد عليه مايكل بوزنر -السكرتير المساعد للجنة الفرعية المنبثقة عن مجلس الشئون الخارجية- في شهادته أمام مجلس الشيوخ؛ أن الخارجية لديها خطط لتزويد النشطاء الإيرانيين بأجهزة؛ للتغلب على إخفاء المحتويات على الإنترنت، وأدوات للتحايل على هذا الإخفاء، وهواتف مؤمّنة ضد الرقابة، وتكنولوجيا تمكّنهم من كتابة ما يشاءون عبر الإنترنت دون أن يتعرض هذا المحتوى للاختراق بأي صورة. وبعض الإيرانيين يرون أن دعم الولاياتالمتحدة لحركة المعارضة الخضراء ربما ليس كافيا، ربما يعارض البعض الآخر هذه الفكرة تماما، على أساس أن أي دعم مباشر من الولاياتالمتحدة لهذه الحركة من شأنه أن يفقدها شرعيتها؛ حيث سبق أن صرّحت هيلاري كلينتون -وزيرة الخارجية الأمريكية- بأنه إذا أرادت أي حركة معارضة إيرانية -مثل الحركة الخضراء أو غيرها- الحصول على المساعدة الأمريكية؛ فيجب عليها أن تطلب ذلك بصورة مباشرة. تقرير مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي عن حالة حقوق الإنسان في إيران إضغط لمشاهدة الفيديو: