خلينا نحسبها: هو إحنا فعلا بنحسبها (1) منذ قيام الثورة في يناير 2011، والمجتمع المصري مصاب بحالة عجيبة.. حالة من الانفلات.. ليس انفلاتا أمنيا فحسب، ولكنه انفلات شعبي من الدرجة الأولى.. وهناك مقاومة مستميتة لأي محاولة لفرض الانضباط.. ومفاهيم عجيبة، نمت فجأة وسط حالة الانفلات، واقتصرت في معظمها على ترديد مصطلحات سياسية واجتماعية، مع غياب الوعي الكامل بمضمونها.. أو عدم فهمها.. على الإطلاق.. بعد الثورة شعر المجتمع كله أن حملا ثقيلا قد انزاح عن كاهله فجأة، أو أنه كان مقيّدا إلى مقعد ثقيل ثم تحرّر منه بعد سنوات من السجن فيه.. وعندما شعر المجتمع بهذا انطلق يعدو.. وراح يعدو.. ويعدو.. ويعدو... كان يعدو فرحا بحريته، ولكنه لم يهتم أثناء عدوه، بأنه يدمّر كل شيء في طريقه، ويحطّم كل ما تربّى عليه.. وكل ما يخصّه.. حتى مستقبله.. الكل بدأ -وبمنتهى السرعة- يتصارع حول نصيبه من كعكة، لم تخرج من الفرن بعدُ.. الكل أراد أكبر قضمة منها.. الكل تنازع.. وتصارع.. وتظاهر.. واعتصم.. وأضرب.. وكل هذا والكعكة ما زالت في الفرن.. الكل نَسِي الكعكة، وراح يتصارع حول نصيبه منها.. والكعكة تحت نار الفرن.. ونار الصراع.. ومع انشغال الكل بالحصول على أكبر قضمة ممكنة بحجة أنه إن لم يحصل عليها الآن، فلن يحصل عليها بعدها أبدا.. ومع الصراع والاقتتال بدأت أطراف الكعكة تحترق.. وتصاعدت رائحتها.. وعلى الرغم من أن الجميع قد اشتموا روائح الحريق الأولى، فإنهم تبادلوا الاتهامات، فيمن تسبّب في هذا، وتصارع كل منهم ليثبت أنه ليس المسئول.. والكعكة ما زالت في الفرن.. وما زالت تحترق.. احترقت أطرافها، واقترب الحريق من منتصفها، وتصاعد منها دخان يعمي العيون.. والكل ما زال يتسابق.. ويتقاتل.. ويضرب.. ويتظاهر.. ويعتصم.. ولأن كل طرف يرفض تحمّل المسئولية والاعتراف بالخطأ، فقد اشتدّت حدة الخلافات والصراعات؛ لإثبات أن المسئولية ليست المتصارعين والمتسابقين.. ولأنهم لا يرضون عن الطبّاخ، فقد ألقوا عليه المسئولية كاملة، ونسبوا له كل نقيصة.. فالطباخ هو المسئول عن خلافاتهم.. وتجاوزاتهم.. وهو المسئول عن الكعكة التي تحترق.. بل هو الذي يحرقها عمدا حتى يتوقّفوا عن خلافاتهم.. وكلما حاول الطباخ إنقاذ الكعكة، ثاروا عليه؛ باعتبار أنه يحاول فرض إرادته، على الرغم من أنهم أحرار.. وشكا سكان البيت.. الدخان كان يعمي عيونهم، ويُؤذي أطفالهم، ويمنعهم من الذهاب إلى أعمالهم وكسب رزقهم.. وغضب المتصارعون أكثر من شكوى السكان والجيران.. ولأنهم يؤمنون بأنهم آلهة لا تخطئ.. أو لأنهم يحاولون إقناع أنفسهم بهذا.. أو بسبب هذا وذاك معا، رفضوا الاعتراف بأي مسئولية عن الكعكة التي تحترق في الفرن.. وكحل سريع -ينفي عنهم التهمة- نسبوا هذا إلى الطباخ.. ولم يفهم الطبّاخ لماذا؟! ولكنهم أصرّوا على اتهامه.. هذا لأن اتهامه ينفي عنهم المسئولية.. وينفي عنهم الانشغال بالكعكة.. الكعكة التي لم تعد تهم، على الرغم من أن كل شخص يقاتل ليحصل على أكبر قضمة ممكنة منها.. وامتدّ الحريق إلى قلب الكعكة أكثر.. وأكثر.. وأكثر.. وتصاعد الدخان أكثر، حتى كاد يغطي السماء.. ولم يعترف أحد بمسئوليته عنه.. أو يحاول إخراج الكعكة من الفرن.. أو يُحاول حتى إطفاء الفرن.. في سبيل صراعهم حول الكعكة، تركوها تحترق.. وتحترق.. وتحترق.. لم يخطر ببال واحد منهم -في خضم الصراع والاقتتال- أنه إذا ما احترقت الكعكة، فلن يصبح فيها قضمة واحدة، صالحة للأكل.. لو احترقت سيخسر الكل.. القتال لن تكون له فائدة.. والصراع لن يسفر عن شيء.. والطبّاخ لن يصلح اتهامه أو حتى إعدامه.. فالكعكة قد احترقت.. ولم ينجح أحد.. وعلى الرغم من رائحة الحريق التي تزكم النفوس، صرخ المتصارعون بأن كل هذا خدعة، افتعلها الطبّاخ الخائن العميل؛ لكي يفشل صراعاتهم.. ولكي يسيطر على المطبخ.. وتصاعدت رائحة الدخان أكثر.. وتصاعد العناد أكثر وأكثر.. في الرواية الهزلية الرئيسية، على مجرى الأحداث السياسية، لم تحترق الكعكة كلها بعد.. ولكن في روايتنا سنصل إلى مرحلة الاحتراق التام.. وعلى الرغم من أن كل موقف للطبّاخ كان يقابل بالعنف والاتهامات؛ فإنه وبعد احتراق الكعكة لم يشعر مخلوق واحد بالخطأ أو الندم.. لقد أسرعوا ينفون التهمة عن أنفسهم، ويلقون التبعة على الشمّاعة الجاهزة.. على الطبّاخ.. وعندما أفاقوا من لعبتهم، ظهرت خيبة الأمل على كل الوجوه.. فاتهام الطبّاخ لم يصلح شيئا.. والتهرّب من المسئولية لم ينجز شيئا.. ولعبة إنكار الخطأ لم تربح شيئا.. الكل خسر.. والكعكة احترقت و.... للحديث بقية،،،