نانسي عجرم.. هيفاء وهبي.. إليسا.. أسماء لنساء يبدين للوهلة الأولى وكأنهن قد تجاوزن مرحلة القهر الأنثوي تماما.. أو أنهن قد تجاوزن مرحلة القهر، إلى مرحلة قهر الرجال... ثرواتهن تقول هذا.. شهرتهن تؤكده.. تهافت الجميع عليهن ولكن الواقع أنهن لسن كذلك أبدا.. ربما تجاوزن مرحلة القهر المألوف؛ فلم يعدن يخضعن للرجال... أو يلبين أوامرهم أو يرتجفن أمامهم ولكن كلا منهن سقط في بئر قهر... ومخيفة.. لقد اختارت كل منهن أن يكون جسدها، وجمالها، وقدرتها على إثارة المشاعر، هي وسيلتها للشهرة والنجاح... لذا فقد أصبحن مقهورات أمام أجسادهن... خاضعات لجمالهن... يثير رعب الواحدة منهن، وأمثالهن، أن يتعرض شكلها الخارجي لأية تغيرات أو إصابات... حتى لو تزوجن ملوك المال والسلطة، سيبقى داخلهن ذلك القهر الدائم، المتمثل في خشية فقدان الشباب أو الجمال، أو حتى الصوت، فينصرف عنهن الجميع، ويصبحن ضائعات في الدنيا... ومن يمتلك رؤية بعيدة للأمور، يدرك أنهن يعشن فعليا، في قهر يفوق أي قهر آخر... وربما يحسدن في أعماقهن أنثى أخرى عادية، تزوجت رجلا يحبها، ويغمرها بعطفه وحنانه، وتشعر معه، على الرغم من جمالها المحدود، أنها آمنة مطمئنة، وتنجب منه نسلا، ينعم بحياة عائلية سليمة، واستقرارا نفسياً جميلاً، لم تحظ إحداهن به أبداً... مثلهن مثل مغنيات الإعلانات... أو الممثلات ونجمات السينما.. أو الراقصات وغيرهن... كلهن صرن جواري لأجسادهن... وكلهن يخشين يوما، يتمرد فيه هذا الجسد، تحت وطأة العمر، فيفقدن أهم ما يميزهن.. أو كل ما يميزهن.. ولو نظرتم حولكم، ستجدون أمثلة عديدة لنساء لمعن فترات، ثم انتهى بهن الأمر، بعد سنوات في إغضاب الخالق عزّوجلّ إلى لا شيء... وهذه قمة القهر... المرأة إذن دوما مقهورة... حتى عندما تحصل على استقلاليتها، وتنافس الرجال في سوق العمل، والوظائف العادية والعليا، تبقى مقهورة... مقهورة لأنها لا تجد الرجل، الذي يشعرها بأنوثتها الدفينة في أعماقها، والتي هي أصلها وأصل مشاعرها وانفعالاتها... مقهورة لأن الرجل صار يتعامل معها كمنافس... وليس كأنثى... وربما قهرت هي أيضاً نفسها، عندما طلبت المساواة بالرجل، دون أن تتشبث بأنوثتها، في الوقت ذاته... ثم أتى فكر سلفي، لم يكتفِ بكل هذا، بل حاول إقناعها بالعودة عدة قرون إلى الخلف، وفقدان كل ما كسبته، طوال القرون الماضية، بحجة أن هذا جزء من الدين... بل وربما أوهمها بأن هذا هو الدين كله... ولأنها مقهورة... ولأنها اعتادت القهر... ولأنها لم تعتد البحث فيما تسمعه... وربما لأنها اعتادت أن تصدق الرجل... أي رجل.. فقد صدَّقَت... واستسلمت... ورضيت بالعودة إلى القهر... أو بمزية من القهر... وهي حرة في أن تخفي رأسها، أو وجهها، أو حتى كيانها كله، وحرة في أن تكمن في بيتها، أو تخرج للعمل، أو تشارك في تجارة، أو حتى تقيم مشروعات كاملة... ولكنها ترتجف، من مجرد فكرة الحصول على هذه الحرية... وتضيع حياتها... وتخسر دينها... ويفهمونها أنها بهذا تربح آخرتها... وهي تُصدّق... أو تخضع... أو تقهر على هذا... وفي كل الأحوال، فهي تفقد حريتها... ويعود الرجل للسيطرة ... والقوة... والتجبرُّ... والطغيان... وهي ترضى... لأنها، ومنذ قديم الأزل... مقهورة... وما كتبته في هذه الأسطر، وفي سلسلة المقالات كلها، ليس الغرض منه دعوة النساء للتمرد على الرجل، وليس رفضا لفكرة، أو قبولاً لأخرى، ولا هي محاولة لمحاربة الدين والشرع لأن هذا أسهل أسلوب للهجوم، لدى أصحاب العقول المغلقة، في كل العصور، وليس حتى تأييداً لفكرة السفور أو الحجاب... أنها فقط دعوة للإناث أن يفكرن... أن يقرأن التاريخ... ألا يقبلن كل ما يقال لهن على علّاته... أن يكون لهن فكر... ومنطق... وعقل... وقرار... في اللغة العربية، لدينا ذكورة، ولدينا رجولة... وليس لدينا سوى أنوثة فقط... فالذكورة صفة تشريحية، والرجولة صفة شخصية واجتماعية... أما الأنوثة، فهي للصفتين معاً... أنت قويات إذن.. أنتن أمهاتنا... وبناتنا... وزوجاتنا... وشقيقاتنا... فلا تستسلمن لمن يضعكن في مكانة أقل، ولا تقبلن بهذا، فالله سبحانه وتعالى قد وجّه تعاليمه وأوامره ونواهيه، لمن عمل عمل صالحاً منكم... من ذكر.. أو أنثى.. بلا تفرقة.. على الإطلاق