أخيرا.. وبعد 30 سنة من حكم المخلوع انتهى الذل والهوان.. أخيرا شعرنا بآدميتنا واحتفلنا بعودة كرامتنا، عدنا أحرارا وقامت الثورة تعيش الثورة. كلها هتافات بت اسمعها كثيرا، كلها سعيدة بالثورة؛ بالرغم من صعوبتها والمعاناة التي حدثت في أولها.. ولنا هنا وقفة. ففي البداية وقبل أن أصدق أن هناك ثورة كانت صديقتي قد أعدت ليوم خطوبتها؛ ليكون الجمعة 28 يناير (جمعة الغضب)؛ ولكنها لم تكن تعلم ساعتها أنه سيكون يوما تاريخيا؛ مش علشان خطوبتها طبعا؛ ولكن لأن يومها كان يوم فرض حظر التجوال، وتغيرت التظاهرات لتصبح ثورة حقيقية، وما زلنا نتندر حتى الآن بهذا اليوم؛ عندما أراها وأريد أن أضحكها أقول جملتي الشهيرة "فاكر ليلة خطوبتنا يا حسبو"، عندها تتذكر صديقتي ما حدث وتبدأ هيستريا الضحك. كنت في البداية في منزلي لا أعلم بوجود ثورة أو غيره، وكنت أقول "دي شوية تظاهرات هتطلع الضباط تضربهم، ويرجعوا تاني لبيوتهم، وكأن ماحصلش حاجة"، وكذلك صديقتي قررت أن تمضى قدما في مشروع خطوبتها، وأن يسير كل شيء كما هو محدد. وبالفعل يومها طلبت من والدي أن أذهب لخطبتها؛ وعلى الرغم من معارضته الشديدة وبعد زن طويل مني وافق والدي أن أذهب، ولا أستطيع أن أخبركم كم كنت متفائلة، وأخذت أشجعها بأن كل شيء سينتهي وتصبح ليلة جميلة. ولكن للحق فقد بدأت الليلة بضرب ألعاب نارية؛ ولكنها من نوع آخر كانت الغازات المسيلة للدموع "ترُخ على دماغنا"، والإضاءة كانت هائلة؛ فقد سطعت سماء الليل بنور المشاعل التي يحملها المتظاهرون وهم متوجهون لقسم الشرطة. أما عن البساط الأحمر والورد الذي ينهال على العروسة فحدث ولا حرج؛ فقد كانت الأرض مفروشة بطوب من كل الأشكال والألوان أما الورد فكان موجود؛ ولكن مع الأسف لم يتسع لدينا الوقت لنشمه، فالقنابل المسيلة للدموع كانت قد قامت بدورها على أفضل وجه، ولم أستطع حتى التعرف على ريحة البرفان اللي "غرقت" العروسة به. وعلى الرغم من كل هذا كنا متفائلين، وقررنا إننا سنسعد مهما حدث -هو الواحد هيتخطب كل يوم- وأخذنا نبني الآمال على العريس وفرحة العروس والعريس ببعضهم حتى ولو لم يكن هناك معازيم مش مهم خلينا نتخطب ونخلص بقى. ولكن يا فرحة ما تمت لم نستطع الوصول للعريس؛ بسبب قطع الاتصالات على الموبايل، وتطوعت خيرا -ويا ريتني ما عملتها- بأن أحدثه من السنترال المجاور لنا، وكانت الطامة الكبرى عندما علمت إنه محبوس في المنزل لا يستطيع التحرك؛ من كثرة الضرب بالخارج. وعدت أجر أذيال الخيبة لا أعلم كيف أخبرها بهذا؛ ولكن الأخبار الممتعة أبت أن تتوقف عن الانهيال على رؤوسنا؛ فإذا بأخي يقف أمامي يريدني أن أرحل معه على البيت فورا؛ خوفا عليّ.. ووقعت بين المطرقة والسندان فصديقتي بداخل الكوافير تنتظر حضور العريس، وليس معها أحد غيري، وأهلي قلقين يردون عودتي. ولا أخفي عليكم عندما دخلت لأخبرها عن أن عريسها لا يستطيع القدوم بسبب الضرب انهارت في البكاء، وأخذت أخفف عنها، وأتى أخوها لأخذها، وعادت وظلت لمدة يومين تعاني آثار هذه الليلة. وعدت إلى منزلي وفي طريق العودة عندما رأيت المتظاهرين والإصرار والعزم في عيونهم ألا يعودوا مرة أخرى للهوان اقتنعت وتأكدت من أن البلاد بها الآن ثورة؛ عندما رأيت الكبار والصغار والشيوخ يخرجون لعمل لجان شعبية لحماية بيوتهم وأعراضهم؛ أيقنت أن الشعب المصري عاد وبعث من جديد. وبالرغم من حزني على صديقتي.. إلا أن رؤيتي لضباط الجيش والدبابات وهي تنزل لحماية الشعب أشعرني بالسعادة الطاغية التي جعلتني أأمل في غد أفضل، وفي يوم خطبة وفرح للشعب المصري كله. آه.. نسيت أن أخبركم أن صديقتي الآن تزوجت، ويومها قامت بارتداء الدبلة على التليفون الأرضي وهي تحدث خطيبها، وقررت ألا تقوم بعمل خطبة ثانية، وقالت في نفسها: "الفرحة في القلب.. والمهم أني اتخطبت".