يُحكى أنه في قديم الأزل كان هناك رجل يدعى سنمار بنى قصرًا للنعمان بن امرئ القيس، وعندما أتم بناءه، وقف سنمار والنعمان على سطح القصر، فقال النعمان لهُ: "هل هُناك قصر مثل هذا القصر؟ فأجاب كلا، ثم قال: هل هناك بَنّاء غيرك يستطيع أن يبني مثل هذا القصر؟ قال: كلا. ثم قال سنمّار مُفتخراً: أتعلم أيها الأمير أن هذا القصر يرتكز على حجر واحد، وإذا أُزيل هذا الحجر فإن القصر سينهدم. فقال له الملك: وهل غيرك يعلم موضع هذا الحجر؟ قال: كلا، فألقاه النعمان من على سطح القصر، فخرّ ميتاً.. فضُرب به المثل بمن يجزي الإحسان بالإساءة.
وعلى الرغم من الاختلاف الزمني للواقعة فهناك تطابق عصري في وقتنا هذا؛ فالمجلس العسكري يتعامل مع ثوار 25 يناير الذين يرى المشير أنهم "نبت هذا الأرض الجميل" بطريقة سنمار. الثوار هم شباب ناضلوا وكافحوا على مدار سنين عدة من أجل أن يقولوا كلمة واحدة في وجه حاكم جائر كان يعيش يومه من أجل هدف واحد؛ وهو توريث الحكم لنجله، فوجد من يقول له "لأ كفاية".. وماذا فعل المجلس؟ ظل صامتا يراقب من بعيد.. شعب يغلي.. شعب يكتوي بنار الفقر والظلم والقهر.. شعب يموت شبابه بالضرب تارة، وبابتلاع اللفافات عنوة من ضباط الداخلية تارة، وبالانتحار وبحرق أنفسهم ب"جاز وسخ"؛ وهذه تذكرة حتى لا ننسى لماذا قامت الثورة أصلا. وعندما هبّ هذا الشعب وهؤلاء الشباب وانتفضوا يوم 25 يناير وصولا ليوم 28 يناير أو ما عُرِف إعلاميا ب"جمعة الغضب" ظلّ المجلس العسكري يترقب ويراقب وينتظر؛ ليرى الكفة الرابحة، وعندما تيقن أن مصر من شمالها لجنوبها انتفضت هبّ ليقف بجوار الثورة، فعفواً هو لم يحمِ الثورة، بل وقف يراها تُلاطم الأمواج وحدها، إلى أن نجحت في إلقاء الربان العجوز من على سطح السفينة. وحتى يتقرب من ثوار المحروسة بدأ بمداعبتهم بالقبض على كبار الحرامية حتى يهدأ الشارع؛ وترك من أسماهم بالفلول والدود الذي ينهش في جذور الدولة. لكن العسكري ضاق ذرعا بطلبات الثوار المشروعة؛ فهو اعتاد أن يأمر ويُطاع.. لا يقبل النقد، ولا يقبل الأمر، بل يقبل نصيحة الخبراء الاستراتيجيين مدّعي الفضائيات، ويا للعجب هؤلاء من سبّحوا بحمد النظام الساقط خرجوا يسبّحون بحمد النظام الحالي، والذي يسعى -مع الأسف- المجلس العسكري لترميم أركانه.
المجلس العسكري يستمع لإعلام "الفراعين" باهتمام ماذا طلب الثوار أكثر من قانون يعزل فلول الوطني الذين أفسدوا هذا البلد على مدار 30 عاما، ولكن كما قلنا الثوار لا يأمرون ولكنهم فقط يتلقون الأوامر، واللي مش عاجبه طريقه معروف على النيابة العسكرية. المجلس العسكري اعتمد على سطوة الإعلام -مثل نظام مبارك بالضبط- لكي يقنع الشعب القابع أمام شاشته لا يتحرك مطلقا أنهم أفضل من غيرهم، أنهم أفضل من جيش ليبيا وسوريا.. وقالها المشير بالفم المليان وبالصوت والصورة في افتتاح أحد المصانع: فلتنظروا للجيوش في البلاد التي حولكم؛ وهو نفس منطق مبارك "إما أنا أو الفوضى". يؤسفني أنه بعد 9 شهور من الوعود بتسليم السلطة للمدنيين وبتحويل مصر لدولة ديمقراطية مدنية حديثة لا أرى سوى سطوة العسكر على الحكم، وسطوتهم على الإعلام وعقول الغلابة من الناس؛ بإقناعهم بأنهم الوحيدون القادرون على إدارة دفة البلاد، وأنهم الوحيدون ولا سواهم يعرفون قواعد اللعبة. ويحزّ في نفسي -ولا بلاش الكلمة ديه- أنه بعد 9 شهور الناس نسيت لماذا قامت الثورة أصلا، وإذا توجّهت لأحد في الشارع وسألته هيقول لك عشان شوية عيال كان نفسهم يناموا في التحرير 18 يوم! واللي يقول لك دي ثورة البانجو والحشيش -البَرَكة طبعا في طلعت زكريا- واللي يقول لك ده كله فوتوشوب ثورة إيه يا عم -والبركة في الملحن القدير عمرو مصطفى- واللي يقول لك ما حالنا زي ما هو مافيش حاجة اتغيرت! وهنا تكمن الفكرة؛ وإنت عملت إيه عشان تغيّر بلدك؟؟ أو يا سيدي غيّر نفسك الأول.. شاركت في عمل تطوعي أو عمل ينهض ببلدك؟ لأ اتفرجت على التوك شو كثير، ولعنت الثورة أكثر اللي جابت البلطجية وخربت البلد وسجنت "أبونا مبارك" اللي كان حاميها حراميها! يؤسفني أنه بعد 9 شهور والإعلام الذي نطالب بتطهيره هو من يروّج لكل هذه الأكاذيب، يضايقني بشدة أن المجلس العسكري يشاهد ببراعة قناة "الفراعين" ويشاهد رئيسها ومذيعها الألمعي أحمد سبايدر، وهو يحرّض على قتل النشطاء، ويتركه ليقبض على النشطاء. كيف يُعقل أن يُسجن النشطاء في الوقت الذي يخلى فيه سبيل جميع ضباط الشرطة المتهمين في كل القضايا، بدءا من قتل الشهداء وحتى حرق وثائق جهاز أمن الدولة، وتأجيل وتسويف محاكمات النظام لأشهر ممتدة طويلة؟ أرى المجلس الآن بعدما ضمن الشارع في جيبه الأيمن ومفاتيح الحكم في جيبه الأيسر بدأ يعدّ العدة لخطة سنمار، بدأها بالقبض على العديد من النشطاء أمثال علي الحلبي الذي كل ذنبه أنه كان يرسم على الحيطة شعار "لا للمحاكمات العسكرية"، أعقبه علاء عبد الفتاح وبهاء صابر اللذان رفضا التحقيق معهما من جهة غير محايدة -بحسب وجهة نظرهما- ويُتوقع المزيد من النشطاء في الساعات المقبلة. أكاد أراهم يتساقطون من فوق أسطح الثورة ثائرا وراء الآخر، لكي يعود الشعب لكنبته سريعا، يشاهد إنتاج فرعون جديد وظلم جديد وفقر جديد.. وإلى الخلف دُر يا شعب مصر!! ولتناول الموضوع من وجهة أخرى اقرأ: "شماعة المجلس يا ثوار .. امتى بقى ناخد قرار؟!!