ما زالت السلطات الإيرانية مصرّة على ما يبدو على تحويل إيران إلى زنزانة صغيرة؛ حيث يكون الممنوع هو الأساس والمباح فيها هو الاستثناء، فلا يمكن بغير هذه الفرضية ترجمة تصرّفات السلطات الإيرانية التي لا تنفك أن تفرض مزيدا من القيود المشددة على حرية التعبير والتجمّع وتكوين الجمعيات، حتى منافذ الإعلام الإيرانية المحلية منها والدولية باتت مُسوّرة بقيود الرقابة وال"فلترة"؛ بحيث أصبحت إيران ترى العالم من خلال عيون النظام، بينما يرى العالم إيران في أقبح صورها. ففي القمع الإيراني لا تمييز على الإطلاق؛ الكل سواء في القهر والملاحقة وكبت الحريات، والاعتقال هو مصير مَن يُفكِّر في التعاون مع منظمات حقوق الإنسان أو مع وسائل الإعلام الأجنبية، والمحامون والطلاب هم زبائن دائمون لدى أجهزة الأمن الإيرانية، والتعذيب والقهر والتمييز والإعدام الوهمي... كلها أمور ممنهجة وقانونية في العرف الإيراني. وبناءً على ما سبق كانت النتيجة المنطقية والطبيعية في بلد بهذه الظروف الشاذة أن يهرب العشرات -إن لم يكن مئات- من بلاد فارس؛ خوفا على حياتهم وحياة أُسرهم. فبالنسبة لكثير من الإيرانيين كان عام 2009 هو الأسوأ على الإطلاق فيما يتعلّق بحرية التعبير؛ ففي هذا العام كان إعادة انتخاب الرئيس أحمدي نجاد أمام منافسيْه مير حسين موسوي ومهدي كروبي، وبعد نجاح نجاد في الوصول للسُّلطة للمرة الثانية، نكّل بكل معارضيه بمعنى الكلمة، فتمّ احتجاز المئات ممن شاركوا في تظاهرات 2009 وغيرهم في العام التالي، ومُنعت الصحف نشر أي أخبار عن الرئيس السابق محمد خاتمي الذي تعرّض لاعتداءات متكررة من مؤيّدي النظام، وتمّ حظر الحزبين السياسيين الأساسيين المعارضين للنظام، وتعرّض العديد من الطلاب الذين شاركوا في هذه الاحتجاجات للاعتقال. حتى وسائل الإعلام لم تسلم من هذه الهبّة العنيفة في وجه حرية التعبير والرأي، ففُرضت القيود على الإنترنت، وأُعيق بث القنوات التليفزيونية والإذاعية، وحُوكم الكثير من الصحفيين المعارضين، وبدأ النظام في التلصص على الرسائل النصية عَبْر الهواتف النقالة بصورة واسعة، وهُوجمت المواقع الأجنبية التي اعْتُبرت مناهضة للحكومة. وإذا حدث وتعرّضْت للاعتقال في إيران فاعلم التالي: أسرتك لن تعرف عنك أي شيء؛ لأنه ببساطة لن يتسنّى لك التواصل معها أو مع محاميك، وإذا حدث وتعرّضت للإصابة -بسبب عمليات التعذيب الممنهجة التي ستنتظرك- فلا تتوقّع أي نوع من أنواع الرعاية الطبية. وإبان وجودك في ضيافة أجهزة الأمن الإيرانية؛ فهناك قائمة إجبارية تشمل تشكيلة متنوّعة من صنوف التعذيب والسادية الأمنية المقززة، والضرب المبرح هو أكثرها إنسانية على الإطلاق، ثم تكون الخطوة التالية باحتجازك في زنازين صغيرة جدا ووسط أعداد كبيرة جدا، بلا ضوء بلا طعام بلا ماء، باختصار مقبرة ولكن فوق الأرض. وإذا كنت تتمتّع بجلد وبقدرة على التحمّل؛ فأنت وقتها تستحقّ الانتقال إلى المرحلة التالية ألا وهي دخول المراحيض، ليس من أجل قضاء الحاجة البشرية، ولكن من أجل ابتلاع هذه المخلفات البشرية "عنوة"، ثم يأتي بعد ذلك الاغتصاب ذكرا كنت أو أنثى لا فرق في المعاملة هنا، وأخيرا الإعدام الوهمي؛ أي ممارسة كل طقوس الإعدام بحقّ المحتجز، ثم التراجع عنه في اللحظات الأخيرة بهدف تدميره معنويا. وعلى افتراض أنك تخطيت مرحلة الاعتقال والتحقيق التي قد تطول لسنوات؛ فالأحكام التي ستصدر بحقّك ستكون أسرع مما تتخيّل وأيضا أقسى مما تتخيّل؛ لأنك في الأغلب ستضطر إلى الاعتراف بجريمة لم ترتكبها، وستقبل المحكمة باعترافك، وإن كان واضحا لها وضوح الشمس في كبد سمائها أنها اعترافات ملفّقة ومنتزعة تحت قهر ووطأة التعذيب، ولكن لا مراجعة في ذلك، وسيفرش لك سجادة حمراء إلى اللومان، وهو ما يزيد من فرص حدوث ذلك أن المحكمة لا تهتمّ كثيرا بحضور محاميك المحاكمة إلى جوارك، ولا ننسى هنا الناشطيْن اللذين أُعدمَا شنقا بدون سابق إنذار، وكان حُكم الإعدام قد صدر عليهما لما زُعم عن انتمائهما إلى منظّمة ملكية، وذلك فيما يتصل بالاضطرابات التي أعقبت انتخابات 2009. المرأة الإيرانية بالتأكيد لم يكن حالها أفضل من حال الناشطين والمدافعين عن حرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان، فقد فرض عليها زي الاحتشام بموجب قانون صدر عام 2005، وكل مَن حاول الاعتراض على هذا القانون أو غيره من القوانين الإيرانية، فكان مصيرهن الاعتقال والسجن والتنكيل، فهكذا حدث للناشطة الإيرانية محبوبة كرامي التي شاركت في حملة المليون توقيع لمنع صدور قانون المرأة الجديد الذي رأت فيه انتقاصا أكبر في حقوق المرأة وليس إثراء لها، ودفعت ثمن موقفها بالسجن 4 سنوات كاملة. عرب الأهواز، الآذاريون، البلوشيون، الأكراد، التركمان... كلها مجرد أسماء بالنسبة للسلطات الإيرانية التي لا تعتبرهم أقليات ولا تعتبرهم أي شيء أصلا، فلا يحقّ لهم استخدام لغاتهم في المدارس أو حتى مجرّد المطالبة بهذه الحقوق، والحال الذي ينطبق على الأقليات العرقية يسري أيضا على الأقليات الدينية؛ مثل الأقليات السنية والفصائل الشيعية التي تعارض آراء فقهاء الشيعة مثل جماعتَي "الدراويش" و"أهل الحق"، تتنوّع ألوان المضايقة التي يتعرّضون لها بصفة شبه يومية بين الاعتقال التعسّفي والاعتداء على الرموز الدينية الخاصة بطوائفهم، وكذلك الحال بالنسبة للبهائيين يمنعون الالتحاق بالجامعات. ويبقى النظام الإيراني بين قمع الداخل وبطولة الخارج كسيارة جميلة خربة من داخلها، تسير بسرعة البرق، ولكنها ستنقلب عند أول منعطف؛ فلا كرامة لوطن يُهين أبناءه، لا حرية لوطن يكبت حرياته، لا رفعة لمن يأخذ من الإسلام الرجم ويُطبّقه في غير مواضعه، ويترك فيه الشورى والتواضع والنفور من السلطة، إنها ازدواجية نموذجية تلك التي يعيشها النظام الإيراني بين ادّعاء القيادة الإسلامية وغياب الحرية والعدالة الاجتماعية. التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية 2011